مع إغلاق اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية باب الترشح أمس الأول، على منصب رئيس مصر السادس، تدخل العملية الانتخابية معتركا جديدا.. فاليوم وغدا تتسلم اللجنة العليا اعتراضات المرشحين ضد بعضهم، ويتم الفصل فيها بشكل نهائى السبت المقبل، ويتم إخطار غير المقبولين اليوم التالى «الأحد» . الشواهد حتى الآن تقول، إن المرشحين اللذين تقدما بأوراقهما مستوفاة هما المشير عبدالتفتاح السيسى وحمدين صباحى وتؤكد المصادر أن المرشحين لائقان طبيا بعد خضوعهما للفحص الشامل.. كما أن كل أوراقهما الأخرى والمستندات التى قررها قانون الانتخابات الرئاسية سليمة ومطابقة للشروط.. ما يعنى أننا ولأول مرة فى الانتخابات الرئاسية التعددية أمام مرشحين اثنين فقط.. ففى الانتخابات الأخيرة التى فاز فيها محمد مرسى كان هناك خمسة آخرون أبرزهم الفريق أحمد شفيق وعمرو موسى وعبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى وخالد علي.. وفى آخر انتخابات رئاسية جرت فى سبتمبر 2005 فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ترشح فى مواجهته د. نعمان جمعة رئيس حزب الوفد آنذاك، وأيمن نور رئيس حزب الغد وقتها، إضافة الى وحيد الأقصرى الذى كان يترأس حزب مصر العربى الاشتراكي. الوقائع تقول أيضا، إن المرشحين لن يطعنا على بعضهما بالنظر الى الفارق الهائل بين توكيلات السيسى وصباحي، وأيضا لاستيفائهما شروط الترشح.. فمواضع الطعن غير متوفرة إن لم تكن منعدمة.. لكن يبقى عمليا بعض الملاسنات الإعلامية من حملة صباحى ضد حملة السيسى والتى تتهمها الحملة الأولى بالاستعانة برموز من نظام مبارك، وأنها ستبقى «العسكريين» فى بعض مواقع السلطة ولكنها «انتقادات انتخابية» علها تجلب عددا من الأصوات لصالح الخصم. العملية الانتخابية إذن دخلت طورا جديدا من أطوار «خريطة الطريق» ، ليفتح كل من المرشحين جعبته ويخرج على الجماهير المتعطشة لإنجاز حقيقى ببرنامج شامل يقيل الاقتصاد من عثرته ويقضى على شأفة الإرهاب الذى تصر جماعة الإخوان على التمسك به سبيلا لعودتها الى السلطة، ويحقق العدالة الاجتماعية التى فشلت الحكومات المتعاقبة بعد 25 يناير فى وضع قواعد راسخة لتطبيقها على أرض الواقع، فضلا عن وضع أسس جديدة للنهضة الشاملة ببلد صار استنزافه طوال العقود الماضية مرضا مزمنا. أبواب التكهنات والآمال لدى الجماهير مفتوحة على مصراعيها، فكما يتوقعون من صباحى الدفاع عن قضايا الشباب والحريات ينتظرون من السيسى ما هو أكثر من ذلك، واذا كانت مقابلات المرشحين حتى الآن تنبئ بخريطة مراهناته ومدى قراءته للواقع واستجابته لنبض الناس، فإنه يمكن رصد عدد من التكتيكات الانتخابية خلال الأيام المقبلة. أولها، ان الرهان على فصيل الإخوان وأنصارهم فى هذه الانتخابات كتيار فاعل، وذو تأثير لا محل له فى قواعد اللعبة الجديدة التى قرر تنظيم الاخوان الإرهابى أن يكون خارجها.. يهاجمها ولا يشارك فيها.. ويعرقلها ولا يعترف بها.. واذا كان الإخوان يصوبون كل سهامهم على شخص المشير ويعتبرونه المهندس الحقيقى لإبعادهم عن السلطة، فإنهم لا يمكن وبأى حال أن ينحازوا لصباحى أو يساعدوه بأية وسيلة، وكلا المرشحين يدرك هذا الواقع تماما، حتى صباحى وهو الذى خاض تجارب انتخابية عديدة، وسبق له التنسيق مع الإخوان فى الانتخابات البرلمانية السابقة وما قبلها، أصبح الآن أبعد ما يكن عنهم. وثانيها، أن حملة صباحى ستسعى للبحث عن بدائل وكتل تصويتية تحسن بها صورتها، وفى سبيل ذلك ربما تتجاوز فى مطالبها بعض الأطر القانونية.. فالحملة طالبت منذ أيام ومازالت بالإفراج عن نشطاء 6 ابريل (ماهر ودومة وعبدالعزيز)، الذين صدرت ضدهم أحكام بخرق قانون التظاهر والدعوة الى مقاومة السلطات والمشاركة فيها، وهدف حملة حمدين كسب قطاعات حركة 6 ابريل المنشقة أساسا على بعضها فى ذات الإطار، سيسعى حمدين الى لملمة عناصر التيار الناصرى وبعض الاشتراكيين الثوريين، وإن كانت معضلته فى هذا الخيار أن كبار الرموز الناصرية أعلنت تأييدها للسيسى وما تبقى من هذا التيار لا يشكل رقما حاسما فى العملية الانتخابية. ثالثها، أن التيارات السلفية والتى رجحت كفة الإخوان فى الانتخابات الماضية، وفى اعتصامى رابعة والنهضة، بعضها متحفظ، وبعضها متردد، والبعض الآخر مازال على قناعته بحكم الإخوان، وستنعكس هذه القناعات بشكل عملى فى الانتخابات. رابعها، هناك قطاعات من الشباب والعامة غير مرتاحة ولا يروقها التأييد الواسع للمشير ويعتبرونه مفتعلا وعودة للنظام القديم، وهذه الفئة إما ستقاطع الانتخابات أو تؤيد صباحي. خامسها، أن الانتخابات اذا كانت محسوبة نظريا للمشير السيسي، فسيحسمها عمليا برنامج واضح المعالم محدد الخطوات والتوقيتات، يوظف حالة المصريين الثورية الى طاقات انتاجية. معركة الرئيس السادس لمصر لن تكون سهلة ولن ينجح فيها إلا بتفاعل الشعب ومشاركته الفعلية فى إعادة البناء على أسس العدالة والأمن والحرية.