من الحقائق المليئة بالمفارقات أن وجود 13 اتفاقية وبروتوكولا دوليا لمواجهة أشكال مختلفة من أعمال العنف والارهاب لم تنته بعد إلى تعريف محدد وواضح وقاطع لمعنى الفعل الارهابى والقائمين عليه الامر الذى يدل على ان الارهاب كظاهرة محلية ودولية هى من الظواهر المتطورة والتى تتطلب مراجعات تشريعية على الصعيدين الداخلى والأممى بصفة دورية على الاقل كل عشر سنوات مثلا. ومن المبادئ المهمة التى أقرتها الأممالمتحدة فى مشروع اتفاقية شاملة لمكافحة الارهاب الدولى ستحمل الرقم 14 فى سلسلة الاتفاقيات الدولية المعنية بهذه الظاهرة الخطيرة، وما زال يجرى التفاوض بشأنها الآن، أنه لابد من تجريم الجرائم الارهابية وإخضاعها للقانون ومقاضاة الإرهابيين أو تسليمهم وإزالة أية تشريعات محلية توفر استثناءات لأفراد أو جماعات لاسباب عرقية أو دينية أو فكرية، وضرورة ان تتعاون الدول فى مكافحة الاعمال الارهابية وتبادل المعلومات بأسرع ما يمكن، والملاحقة القضائية لمرتكبى الافعال الارهابية. ما سبق يهم كل مصرى من زاويتين، أولاهما اننا الأن فى خضم معركة مع الإرهاب الأسود ببعديه المحلى والدولى وهو ما يتطلب التعاون مع كل الدول والمؤسسات الدولية والاقليمية، وثانيا أن هذه الموجة الارهابية اكثر خطورة من تلك التى واجهتها مصر فى التسعينات من القرن الماضى، فهى موجهة للدولة والمواطن فى آن واحد، وهدفها المعلن اسقاط مصر وإذلال المصريين، وتشارك فيها بوضوح كامل دول إقليمية بدون خجل سواء بالتمويل او باحتضان الجماعات الارهابية أو الدعم السياسى والدعائى، وبتقديم الاسلحة والتدريب وتشكيل الميليشيات المسلحة وتقديم الخبرات الاستخبارية، والدعاية السوداء ضد مصر وحكومتها، وإنشاء المواقع الاليكترونية للتواصل مع مرتكبى الاعمال الارهابية فى الداخل، والتحريض ضد النظام والمجتمع وترويع أفراده وإثارة الشكوك فى التطورات السياسية الجارية فى البلاد والهادفة إلى استكمال بناء المؤسسات. وإذا كانت موجة التسعينات قد حدثت فى ظل ظروف مواجهة مع جماعات استخدمت العنف كآلية والدين كستار سياسى ودنيوى لأفعالها الإرهابية، فقد كانت هذه الجماعات مقارنة بالوضع الراهن بمثابة هواة ومبتدئين. ولنتأمل مثلا تلك التقارير التى تتحدث عن وجود ميليشيا مسلحة فى الاراضى الليبية تضم جنسيات مختلفة، يتدربون فى عدة معسكرات وتقدم لهم دول كقطر وتركيا التمويل والتدريب والسلاح والتخطيط من أجل ما يسمى بغزو مصر من الغرب، وهو ما يعطينا لمحة سريعة حول طبيعة المواجهة الراهنة وكيف أنها تتعلق بالوطن ككل وبالدولة ومؤسساتها وبوجود مصر ذاتها، وإنها مواجهة أقرب إلى حرب مفتوحة وشاملة ورائها تنظيمات محلية وعابرة للحدود احترفت العنف والارهاب وتطرح شعارات دينية والدين منها براء، وهى اقرب إلى تنظيمات المرتزقة لا تتورع عن قتل الناس بحجج واهية ولا علاقة لها بالايمان أو العقيدة أو الفطرة الانسانية السليمة، وهدفها الترويع والارهاب فى احقر صوره. وما نراه يوميا من عمليات قتل جنود الجيش والشرطة والضباط، ومحاولات إحراق وتدمير وتخريب الممتلكات العامة والمواصلات وبث الشائعات التى تستهدف تحطيم الروح المعنوية للمسئولين والمواطنين العاديين، وغير ذلك من أفعال وممارسات إرهابية بامتياز كالتى يقوم بها طلاب جماعة الاخوان الارهابية فى الجامعات المصرية يكشف لنا طبيعة الحرب القذرة التى نواجهها. وبلا أدنى تردد فإن المواجهة الراهنة هى الأشرس والاكثر خطورة، ومن ثم تضع عبئا مضاعفا على مؤسسات الدولة، وعلى المجتمع ككل وعلى كل مواطن شريف يريد لبلده العزة والكرامة والأمن والسيادة الحقيقية،. كما تتطلب قدرا من التضحيات المحسوبة والمقننة، والتى يُفترض مراجعتها أو وضعها فى إطار زمنى محدد، يرتبط اساسا باستعادة الدولة المصرية لقوتها ولهيبتها بالقانون والحريات المسئولة معا، وبالانتصار على جماعات الارهاب المحلية وامتداداتها الخارجية. فى هذه المواجهة توجد عمليتان مترابطتان، الأولى إعادة هيكلة جهاز الشرطة، مع الوضع فى الاعتبار حجم الضغوط التى يتعرض لها الجهاز فى هذه اللحظة، وكذلك ضعف الامكانات ومحدودية الموارد، ومنع الدول الاوربية أرسال أية تجهيزات للشرطة المصرية كنوع من العقاب لمصر كلها لما قامت به فى 30 يونيو. وهى أمور تتطلب نوعا من العلاج جنبا إلى جنب بناء ثقافة شرطية حقوقية جديدة تتناسب مع البناء الديمقراطى للوطن ككل. فضلا عن مساندة شعبية للشرطة بلا سقف. الثانية ضرورة وجود قانون واضح لمكافحة الارهاب، قانون يسترشد بالاتفاقيات الدولية والعربية المعنية بهذه الظاهرة من جانب، وبخبرات الدول فى وضع تشريعات ضد الارهاب من جانب ثان، ومراعاة الاتفاقيات الدولية والمكتسبات الخاصة بالحريات والحقوق من جانب ثالث. وفى هذا الاطار يمكن أن نلخص معضلة وضع تشريع لمكافحة الارهاب فى نقطة التوازن بين الاجراءات ذات الطابع الاستثنائى التى يمكن أن تُمنح لأجهزة إنفاذ القانون وبين الحفاظ على الحريات وحقوق المواطنين، وليس بخاف على أحد أن غالبية جمعيات حقوق الانسان هى ضد أى تشريع أو تعديلات تشريعية على قانون العقوبات مثلا يمكن أن توفر مرونة نسبية للسلطات المعنية بمواجهة الارهاب باعتبار أن ذلك سيضر حقوق المواطنين، وسيؤدى إلى ما يرونه تعسف الشرطة والتوسع فى الاعتقالات وبناء دولة بوليسية تعتدى على الدستور والقانون. ولا شك أن التخوف من تغول الأمن على الحقوق والحريات مشروع فى حد ذاته، ولكن لا يجب أن يقف هذا التخوف عقبة كأداء أمام إصدار تشريع صارم لمواجهة الارهاب يتوافق مع المعايير العالمية ومع التجارب الدولية الرصينة، وللتغلب على تخوفات كهذه فلا مفر من الحوار المجتمعى الساعى إلى التوصل إلى تشريع محدد وضوابط إجرائية لا تسمح بالتجاوزات الامنية. أما أن تستخدم الانتقادات الحقوقية الموجهة إلى مشروع التعديل على قانون العقوبات وعلى قانون الاجراءات الجنائية لكى يوقف تماما أى جهد لوضع تشريع لمكافحة الارهاب، فهو نوع من التهرب من مسئولية الحفاظ على الدولة المصرية فى هذه اللحظة المليئة بالتحديات الامنية والارهابية الجسيمة، وتهرب أيضا من حماية حق الحياة لكل مصرى وكل انسان يعيش على أرض هذا الوطن. لقد قام قسم التشريع فى مجلس الدولة بمراجعة التعديلات وأضاف إليها الكثير من الضوابط القانونية، وهو أمر محمود، ويضع لبنة فى التوصل إلى تشريع منضبط لمكافحة الارهاب، وهو ما يجب أن يبنى عليه لا أن يهدم الأمر كله. لمزيد من مقالات د. حسن أبو طالب