ظلت جدران الطبقة الوسطى، منذ منتصف السبعينيات، تتخفف بل تتراجع عن مظهرها الجمالى والروحى، لتكشف عن وجه رمادى، خالى عار من أى معنى، قد يتبادر إلى البعض انها عارية من الاسمنت، المحتكر، أو الدهان المستورد. لكنها الآن تقف عارية من أي مظهر جمالي، لتكشف عن تراجع ثقافة الطبقة، إلى أدنى مستوياتها، لم يكن أحد يتصور أن تستغنى الطبقة الوسطى عن هذا المعنى الجمالى والروحى والإنسانى، لأسباب اقتصادية، أو اجتماعية أو دينية، بعد الهجمة الوهابية. حتى الطبقة الرأسمالية الجديدة لم تنتبه إلي ان الفن استثمار، باستثناءات بسيطة اعتبرت البعض شراء واقتناء الاعمال الفنية وجاهة، فقد كانت البورجوازية فى اوروبا التى مهدت للرأسمالية، وهى تغوص فى المجتمعات الغربية تقطيعا، لم تدر ظهرها للفن، بل اعتبرته أحد أسلحتها للتحديث، والحداثة بمفهومها الفكرى الشامل. لقد كانت جدران الطبقة الوسطى، حتى وقت قريب، صفحة بيضاء، تحضن معانى الفداء فى صورة ولوحة إسماعيل، لحظة الفداء، وتشع صفاء عندما تطل الأيقونة الإنسانية السيدة مريم العذراء من البرواز، وتكاد تطير مع لوحة البراق، وترجع بنا إلى الأصل فى لوحة آدم وحواء، وتمنح المكان الحكمة فى صورة الأمام على، وتضفى معنى التسامى والتسامح فى صورة المسيح، ونبل البطولة فى ثبات أبو زيد الهلالى، وقفزة مارى جرجس، والشموخ فى صورة الرئيس، بينما كان تمثال بائع العرقسوس، يقف أمام الشباك البحرى، المطرز بالقلل القناوى، إلى أن تخلى أفراد الطبقى الوسطى قسرا أو طواعية شيئا فلوحة، فتمثال، عن كساء جدرانهم، التى كانت عامرة، منذ سبعة آلاف سنة، وشهدت منطقة الفيوم روائع لوحات وجوه الفيوم كطقس عقائدى نادر، تلك الوجوه التى بهرت العالم. لكن للحق رغم ضغط الحاجة، والأزمات المالية المتتالية، وتكاليف عملية البروستاتا، أحتفظ محمد أفندى وأصحابه وأقاربه، بلوحة طبق الفاكهة، فى غرفة المعيشة، ولوحة سيدة مضجعة لغرف النوم، لزوم الطقس الوجودى، لكن مع زلزال أوائل التسعينيات، سقطت لوحة الفاكهة، لتصبح عصية على جمعها فى كيس أسود، بل إن جامع القمامة، رفض أن يأخذ الكيس الاسود الذى خرج منه الزجاج المهشم من الأربع جهات، وظهرت حبات الفاكهة متناثرة مبعثرة متحللة، وظل رافضا وهو يقول متعللا: إن اللوحة ليست زبالة يا بيه، بل أقترح، مبتدعا أنها يمكن ترميمها، أو أن يأخذها بائع الروبابيكا!!! أما عن مصير لوحة السيدة، فقد أعترى السلك الحديدى الذى يحملها الصدأ، فسقطت خلف الشباك الكبير للسرير، من توابع الزلزال، وتعذر خروجها، لأن جهاز البنات من الصعب نقله، من مكانه، وتواطأ الجميع على تناسى سقوطها، وقصة الطقس الوجودى، والذى حرم منه أغلب أفراد الطبقة الوسطى، من غير خجل، باعتبار أن البركة فى الاولاد الذين يمكن أن يجدوا حلا فى الشات والحوار على الفيس بوك!