يدين المحارب بشريعة الواجب التى لا تعرف تثبيط الهمم ولا النكوص عن النهوض بالأعباء، الحياة بالنسبة له معترك بينه وبين نفسه وأهوائها فى البداية وحين تتوارى كل القيم تظل روح المحارب متأججة بقبس من القوة، يشيع فيها كل الصفات الجليلة، فنرى عظمة بغير صلف.. وعلما من غير زهو.. وإرادة فى غير تجبر.. ونفوسا تتصدى لغواية الظلم والأطماع.. فالمحارب يمتلك دوما روح شاعر وقلب ثائر وأخلاقيات فارس كريم يمتطى فرس رهان لا يشق له غبار.. جرأة وإقدام وعزم ومثابرة وإنكار للذات وثبات عزيمة ورصانة عقل ومتانة خلق وحسن طوية ومضاء ذهن وحُسن نية وتمسك بالحق وإيمان يتضاعف فى ساحة الوغى عند مصادفة الأهوال.. إنها روح المحارب التى تطوى كل هذه التجليات فى نفس مفعمة بالسكينة والهدوء المشوب بالحذر.. تنطوى على حدس ما تلتقطه بشفافية بوجدان ممتلىء يستعين بالله على الدوام.. الروح العسكرية زادها فى المقام الأول «معنويات».. وكان نابليون يعتقد أن تأثير العوامل المعنوية على الجنود أقوى ثلاث مرات من أى عامل آخر حتى الأسلحة.. إنها قوة العقيدة وصلابتها.. ألم يقل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لعمه حين سأله التخلى عن رسالته: «والله لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك دونه» وفى معظم غزوات المسلمين لم يكتب لهم النصر بكثرة عددهم ولكن بمهارة قائدهم وقوة إيمانهم.. ومابالنا إذا كان القائد الأعظم هو رسولنا الكريم الذى استشهد ثلاثة من رجاله حرصا على إعلاء « الراية» فى غزوة مؤتة وهم: زيد بن حارثة وجعفر بن أبى طالب وعبد الله بن رواحه، والثانى قُطعت يمينه فنقل الراية إلى يساره وحين قُطعت حفظها بين ضلوعه.. حتى تسلمها منه ابن رواحه .. اعتاد المحارب أن يقاتل وهو راغب فى الحياة.. ملتهب المشاعر تداعبه الأحلام.. لكنه بفطرته تربطه صلات زمانية ومكانية يستمد منها سعادته من بين أشلاء الألم والفقد والمعاناة.. مفردات التجربة على الجبهة تدور غالبا فى الخندق حيث يطوى المقاتل يومياته ويتأهب للرد على أعدائه.. أما إحساسه بالزمن فهو حاد وخاص جدا حتى إنه يفقد الإحساس به فى بعض الحالات.. خاصة حين يشتد الألم ويتوسد الحجر ويرخى جفونه فى الليل.. بعيدا عن الأشلاء المتناثرة..فواقع المحارب دوما أشد وأقسى وأكثر إيهاما من الخيال.. وإذا كان الفن حياة لا مهنة.. فالعسكرية أيضا أسلوب حياة.
مآثر القائد
القيادة لا تهبط على الرجال من السماء مثل قطرات الندى، فالأحداث تصنع الرجال وتنمى القيادة بالتدريب والتعلم..وكما أن أمواج البحر الهادرة ترفع الأشياء التى فى جوفه إلى السطح.. وكذلك الأزمات ترفع الرجال الذين يحتاج إليهم الناس إلى السطح.. فى إحدى المرات قال المسيح لحوارييه: « سأجعل منكم صيادين للرجال» فالقيادة علم وفن.. أما القيادة العسكرية.. فهى تحتاج لأسمى أنواع الرجال وأكثرهم قوة ومنعة ونُبلا..فشارل ديجول كان يرى أن القائد العسكرى الذى يرتفع إلى القمة عن جدارة ينبغى له أن يكون مستعدا لمخالفة الأوامر إذا دعت الحاجة إلى ذلك.. أى على استعداد للمغامرة.. فالقيادة معركة تبدأ بالفوز بقلوب الناس واحترامهم.. ثم تتوالى السجايا والخصال التى تختلف من قائد لآخر.. والقائد الحق خادم للحقيقة.. يمتلك قوة توحى للآخرين باتباعه عن ثقة.. لديه من التفاؤل والعزم والثبات والقدرة على سبر الأغوار ما يمكنه من بث الطمأنينة فى نفوس جنوده.. ذكر تشرشل أن القائد المغوار إذا وضع فى موقف حرج فى معركة حربية ودق ناقوس الخطر، فمن الحصافة أن يبعث برسالة مفادها: « أنه سيفعل كل ما هو ممكن» الآن».. أما المستحيل فيتطلب وقتا أطول بقليل».
أسطورة المحارب
الاستشهاد صفة فطرية كامنة فى نفسية المحارب يتخطى من أجلها كل العقبات.. ذروة يصعب تجاوزها.. بعض الرجال شهداء فى حياتهم ومماتهم.. لا يبالون بالأهوال ولا يثنيهم شىء عن عزمهم.. صابرون على المحنة.. يتحدون العالم أجمع فى سبيل عقيدتهم.. يختتمون هذا المشهد الرائع فى التضحية والإيثار بشهادة الدم ..لا يغل أيديهم عن هذه التضحية والإيثار أى عائق دنيوى.. فهم جميعا على خُلق عظيم. .المحارب أسطورة تتجدد، فهو يبعث دوما من رماده نفائس من البشر تزخر بهم أرض الكنانة التى تمتلك أقدم جيش فى التاريخ.. عرف العمليات والقيادة المشتركة منذ عصر الأسرة الرابعة الفرعونية قبل مونتجمرى بآلاف السنين.. أبطالنا رصيدنا من المجد والعزة والفخار.. مصر بمربعها الذهبى فى محيطها العربى.. اعتادت أن تحتفظ بكونها أرض الخوارق والمعجزات التى شق منها موسى البحر بعصاه.. تأزمت الأمور وانسد الأفق.. ولكنها ها هى البطولة الخارقة والقيادة الفذة.. يلتف حولها الجميع فى أحرج اللحظات.. فى عصر تلاشى فيه «البطل « وأصبحت كل مناحى الحياة بلا أبطال تقريبا بالمفهوم الشائع.. ويتجلى اسم المشير عبد الفتاح السيسى ليتجدد حلم البطل الشعبى « الُمخلص» أو المنقذ ليداعب أحلام الأغلبية المتعطشة للعيش تحت مظلته للاحتماء من الشدائد والملمات.. ليتجدد الشعار الذى يستنكف منه الجميع « حذار من صناعة الفرعون».. ولن نقول أسطورة مرة أخرى بعد أن أطلقنا هذا التعبير على عبد الناصر؟ ولكن من يرجع لكتاب فرويد الشهير « تفسير الأحلام» سيعلم أنها أى الأحلام نتاج عمليات نفسية لاشعورية ومن ثم تتشابه الأحلام والأساطير فى أن أحداثهما تقع خارج قيود الزمان والمكان واستخدام لغة الرمز.. فيض المحبة الشعبية التى أحاطت بالرجل بعد أن خبرته الجماهير فى التصدى للتنين ذى الأذرع المتعددة التى ترهب البلاد والعباد.. وكيف وأد شيطان الفتنة وحارب فى جبهتين فى آن « داخلية وخارجية».. سألت اللواء محمود خلف رئيس الحرس الجمهورى الأسبق والخبير الاستراتيجي عن سر القيم المتوارثة فى الجيش المصرى وكيف أدت هذه القيم «المتوارثة» إلى الارتقاء بالقيم المكتسبة من خلال الوصول لأرقى العلوم العسكرية.. أجاب بأريحية شديدة: الجيش المصرى بوتقة الوطنية وسر وحدة هذا الشعب العظيم.. حيث يتواجد داخله ابن الوزير والغفير والأمي وحامل الدكتوراه.. هذه الآلة البشرية العسكرية العريقة تلغى كافة الانتماءات العرقية حيث لا شىء يعلو على التراب الوطنى.. ويتم توريث الخبرات المتراكمة للأجيال اللاحقة ومن لم يكتب له شرف خوض غمار الحرب.. يحفظ عن ظهر قلب كل الوقائع والدروس المستفادة.. هذا التراث نتشربه جيدا مع تعزيز القيم الأخلاقية للمقاتل.. ويكفى أن القوات المصرية هى التى تحتفظ بصدارة المشهد الأكثر جدارة بمصر الحبيبة.. فنحن عاشر أقوى جيش فى العالم والقوة الأولى فى الشرق الأوسط وقوتنا ضعف قوة إسرائيل فى حالة الاستعداد القتالى.. شهداء مصر اختلطت دماؤهم بسيناء، «8900 ضابط وجندى» شهداء سيناء فى حرب 1967.. استشهاد المقاتل فى الجبهة يمنح زميله العزم على مواصلة القتال والأخذ بثأره واستكمال الهدف.. وأسأله ما سر القوة الساحرة التى يتمتع بها السيسى؟ أجاب على الفور: إنها المبادئ الأخلاقية والعلوم العسكرية الرفيعة التى تشبع وتشرب بها السيسى من التحاقه بالقوات المسلحة وقد تدرج فى هذه المناصب الرفيعة فى حياته العسكرية ولديه إعلاء لمفهوم الوطن والأرض .. فعدو مصر بالنسبة للسيسى ليس محددا بمعالم الحدود على الأرض ولكنه يشمل كل من يهدد أمن وسلامة مصر والمصريين.. أما روحه القتالية فقد استشعرها الشعب حين لبى نداء الوطن وفى 24 ثانية فقط استجاب له أكثر من 30 مليونا.. ولكن البعض يحذر منه مغبة صناعة « الفرعون».. نفى اللواء خلف هذا الزعم الباطل بصورة قاطعة قائلا: « الدستور حسم هذا الافتراض الخيالى من خلال نصوصه، وإذا كنا نحذر من الفرعون، فإننا نلتف حول هذا البطل الشعبى، فكيف تستشرف الأمور؟.. أعتقد أن مصر تحتاج إلى زعيم وليس لرئيس فى هذه اللحظة التاريخية التى يجب أن نستنفر فيها أفضل ما فينا.. فكرة الزعيم مطلوبة بإلحاح لكى يغير الدنيا ونلتف حوله.. وقالها الرجل..» إنني أعمل منذ الخامسة صباحا «.. الزعيم يستطيع أن يحل المشكلة المرورية بنسق أخلاقي يعيد تنظيمها.. ويستدعى الطاقات الإيجابية للشباب لزراعة الصحراء.. فالسيسى « مُلهما» وقدوة صالحة واستفاد من تجربة ناصر فى جانبها الإيجابي وسيتجنب السلبيات، وهو شخصية عسكرية ذات بعد دينى روحانى وشفافية تتجلى فى ملامحه ونبراته.. من هنا فهو مدعوم ذاتيا بهذا السمو والترفع والإيثار والتفانى والتضحية من أجل مصر وشعبها العظيم. حديث اللواء خلف عن العسكرية المصرية كشف النقاب بهدوء وبساطة عن علة رفض الوجدان الشعبى للمقولة المستنكرة لما بها من إجحاف فى المعنى والمغزى «يسقط حكم العسكر « فليت القيم العسكرية تشمل كل مناحى الحياة فى مصر :من ضبط وربط والتزام.