أبوابك شتي, فاختر بابا لايصطفق وراءك, الباب الضيق أفضل ماتملك يجعلك تحس بأنك تحتك به, تلمسه, تبذل جهدا حتي يتسع, فتنطلق حثيثا من بعد صراع وعراك, تغمرك البهجة حين تمر خفيفا, حينا وثقيلا حينا آخر, مفتونا بمنازلة الوقت,ومهووسا بمحاكاة الأبطال! لاترم بثقلك للمجهول, ووفر جهدك للقادم, ان أمامك من جولات القنص, ومن أرجاء الأرض, سرايا مشتبهات, وعلامات قد تهديك اذا وقفت, وتنفر منك اذا شاكست وبالغت, كأن الأمر غواية طيش ونزق, لايعنيك المارة النظارة, والمشغولون بخطوك كل صباح ومساء, يساقط منهم بعض فضول الناس, فلا تتوقف عند نداء ظل يلح, وعند سؤال! عجبي من كل أمورك! تدرك أن العمر وراءك طال وأن الزمن أمامك أقصر من لمح, فلماذا تمعن في غيك, مبهورا بجديد قد يأتي أو لايأتي وغد يفلت دوما من بين أصابعك ويرحل, لايتريث بعض الوقت لعلك تفحصه وتناجزه هل مثلك مسئول عنه؟ وعن فيض مراوغة فيه, وجدال؟ لاأسوار ولاأبواب أمامك, هذا زمن مفتوح, وفضاء يسبح فيه النجم ويهوي, فلماذا لاتصبح أنت النهر, وأنت الماء الجاري في القنوات, وملء جذور الشجر المتطاول, حين تعانق أكمام الزهر, توصوص من خلل الأوراق, وتزفر في النسمات, وتطلق عطرك في الساحات, وفي الغيطان, وفي أودية عطشي, وجبال؟. ابتعد كثيرا عنك, تدرك أنك وحدك, لاعين تراك ولاأحد منشغل بك, فتطلع حولك, حر أنت, افعل مايرضيك, وجازف, واركض, وتوقف حين تشاء وطامن من غيك أو من رشدك حين تشاء, وعلق رأسك في أعلي سارية حتي تنظر أبعد, كن حاضرك, وزهوك بالآتي, مادام الآتي لم ينضب, والشجر الأخضر مازال يغني, من فوق النهر يغني, وهسيس الكون يجيء من الآفاق الممتدة وشواغل قلبك تبدأ أول نغم في الموال! من لي بصغير حاف, يخطو نحو الخامسة, ويطأ الأرض خفيفا, ويباعد في خطواته, يسترسل في ملكوت الرب, يعاين دود الأرض, ويشغله سمك القنوات, ويلهيه محصول الفول الأخضر تفصح عنه العيدان الحبلي, والقصب المتكدس في غابة سيقان, لاتغريه بأن يتغول فيها خشية تيه في الظلمات, ونبق في شجر السدر, يهز اليه الغصن فتنهمر عطاياه فاكهة تسعد هذا الطفل الآبق في ملكوت الرب, تملأ كفيه وتطعمه, والزاد حلال! العالم, كل العالم بضعة أمتار, وحدود العالم دانية, يتحرك فيها الطفل الغر, وأصوات الكتاب تحاصره, ينخلع القلب, ويرهبه الإيقاع, يحس الوقع ولايفهم تعيبه الكلمات الساجية المعني, والألفاظ الباذخة الظل يحاول أن يفهم, أو يتحسس شيئا ملء يديه ولكن, صبرا, سيجيء عليه الدور, ويصبح في قلب المشهد, ينخرط بإيقاع التجويد, يتسلل في عينيه شعاع خشوع وجلال! امض بعيدا, أوغل في زمنك, صافح ضوء الصبح وصوت الماء ووجه القمر وأشباح النخل العالي, واقبع في خوفك حين يجيء الليل,وتنزل أستار الظلمة, فتدوي أصوات ذئاب عاوية, وأنين يصدر من عجلات تمضي مثقلة بحمولتها, تثقب صمت الليل, وتمعن في عزف صرير لايتوقف, لاترفع رأسك أكثر هل تأتيك الضربة من أعلي؟ لاتدري! هل تأتيك من الخلف؟ أيضا لاتدري تتسمع بعض فحيح الظلمة, أفعي تنسل وتنزلق علي سطح الأشياء وجلد الليل, وتوشك أن تزدردك أو تنهش بعضا منك, فيسري السم, ويأتي الموت وتختلط الظلمات, الليل عدو لايرحم حاول ألا تغضبه, أو توقظه, وانسل بعيدا عن وطأته, أمسك بيديك الخاويتين عصا من شجر أو عشب أو أغصان شوكية, واستدع عقيرتك الخرساء من الرعب, وأنطقها بصياح منك, نباح بعض مواء, أو صرخات, صوت بكاء, أو أغنية مذعورة, اجعل أحدا من حولك ينتبه اليه, يأتي فيزيل الوحشة عنك, ويلغي هذا الليل الماثل, هذا الرعب القتال! المزيد من مقالات فاروق شوشة