البعض يجذب مصر للوراء، ويصمم علي العودة لقواعد لعبة قديمة، ثبت فشلها بامتيار، ويحاول استرجاع كل معالمها السلبية ، لأنها تحقق له مصالح شخصية، حتي لو كانت علي جسد الوطن. ومشكلة هؤلاء، مثل الإخوان، لا يتعظون ولا يستفيدون من العبر، ولديهم رغبة جامحة لتجاهل الواقع، والتماثل مع أحلام اليقظة الوردية، والتعامل معها باعتبارها حقيقة مجردة. ولدينا فريق داعبه الخيال المريض أن سقوط الإخوان، معناه العودة إلي دولة مبارك، بسوءاتها الكثيرة، ومن بينها توفير الحماية لأعضاء نادي رجال الأعمال، بصرف النظر عن حجم الدماء التي امتصت من عرض الوطن. ولم يستوعب أصحاب النادي جيدا درجة التغير التي شهدتها البلاد، والمتوقع أن تشهد المزيد منها خلال الفترة المقبلة. ولعل الخبر الذي تناقلته بعض وسائل الإعلام خلال اليومين الماضيين، بشأن محاولة أحدهم التبرع بخمسين مليون جنيه لحملة السيسي، يكشف عن الذهنية السابقة. فقد تصور صاحبنا، الذي أشار الخبر إلي أنه يعمل في مجال الغزل والنسيج، أن مجرد تبرعه بهذا المبلغ سيضمن له مكانا متميزا في المستقبل. وعندما رفض التبرع المسموم، لوح رجل الأعمال بنقل استثماراته وعدد من زملائه إلي خارج مصر. وهنا لم يكتف السيسي برفض الابتزاز و «سياسة لي الذراع»، بل طالبه بعدم تجاهله وأصحابه ديون البلد عليهم. نتيجة التهرب من الضرائب والجمارك، فضلا عن عدم سداد فواتير كهرباء ومياه.. لأننا لم نسمع تكذيبا أو تصحيحا من أحد، تعاملت مع الموضوع بجدية. وأوصلني البحث فيه إلي: العثور علي تفسير للتراجع غير المفهوم في البورصة خلال الفترة الماضية، فقد قام البعض بما يمكن وصفه ب «قرصة ودن» للتدليل أن رجال الأعمال «إيدهم طايلة» ولديهم أوراق رابحة، تمنع أي رئيس لمصر من الاقتراب من المزايا التي حصلوا عليها في أزمان غابرة، وهي رسالة موجهة للمستقبل، وليس الحاضر. في المقابل، استوعب سريعا عدد محدود من الأغنياء قواعد اللعبة الجديدة، وقاموا بسداد ما عليهم من ضرائب مستحقة، لإثبات حسن النية، والتكيف مع النتائج المهمة، التي رسختها ثورة كل من يناير ويونيو، وأن لا استثناءات لأحد، ولن يكون هناك فريق «علي راسه ريشة» يأخذ كل شيء، وفريق أعظم لا يأخذ شيئا، وإن تحصل لن يصيبه إلا الفتات. المسألة لم تتوقف عند محاولات الضغط والتخريب والابتزاز، بل وصلت إلي حد الصلف والعناد والانتقام، فقد علمت قيام ابنة رجل أعمال شهير، متزوجة من نجل سياسي كبير (راحل) بالتبرع بأربعة ملايين جنيه لحملة انتخابية منافسة للسيسي، وعندما استشعر زوجها الحرج تجاه التبرع الغريب أو الفريد، اكتفي بالنفي الضمني، ولم يجرؤ علي الدفاع عن موقفه ببسالة، أو يتقدم بتكذيب صريح، مع أن المعلومة تسربت إلي مواقع عدة علي شبكة التواصل الاجتماعي. المعطيات السابقة تكشف عن نية السيسي، حال نجاحه في انتخابات رئاسة الجمهورية، تعديل منهج رجال الأعمال، وعدم السماح بالتهليب والسرقة. وتؤكد المؤشرات والرسائل والتصرفات أن الرجل عازم علي المساواة، وإذا كان قد أعلن تعاطفه مع الفقراء، فهو أيضا سيكون محافظا علي مصالح الأغنياء الشرفاء، في حدود القانون. كما أن من تطوعوا بالتبشير للعودة إلي نظام مبارك، والحفاظ علي إرثه الاقتصادي، الذي ضاعف من أوجاع الفقراء ومنح رجال الأعمال مزايا تفضيلية، لم يتعلموا درس الماضي، ولا عبر الحاضر، ولا يملكون قراءة صحيحة للمستقبل. لذلك عندما يقوم أحد رجال المال بفعل يشبه الرشوة بلا خجل أو استحياء، معناه أنه لا يزال يعيش في جلباب مبارك، ولم يفق بعد من الغيبوبة السياسية التي دخلها منذ نحو ثلاثة أعوام. ولو سلمنا أن كثيرا من قواعد اللعبة القديمة موجود حتي الآن، فلا يعني هذا أن الرئيس القادم، السيسي أو صباحي، سيقبل باستمرارها علي الدوام، لأن موقف كليهما معروف، حيث تم بوضوح رفض تقديم تعهدات بمزايا لأي طبقة اقتصادية أو فئة اجتماعية. بالتالي أمام رجال الأعمال خياران. أحدهما، المساهمة في الإصلاح والابتعاد عن الفساد، ونسيان الطريقة المشوهة التي كانت تدار بها الأمور في مرحلة سابقة، وعدم الجري وراء مصالح ضيقة، خاصة ونحن نمر بمرحلة غاية في الحساسية، السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية أيضا، يتم خلالها تشكيل منظومة جديدة، أول مبادئها عدم تكرار الأخطاء التي كادت أن تدخل مصر في نفق مظلم. والخيار الثاني، الاصرار علي المناطحة والتكبر والتجبر، والتصميم علي أخذ كل شيء ورفض التنازل عن أي شيء. وفي هذه الحالة يحدث الصدام وتفتح ساعة الحساب العسير، ربما تخسر الدولة مؤقتا في هذه اللحظة، لكن حتما سوف تربح الكثير في المستقبل، بعد التخلص من شريحة أصبحت فاسدة، استنزفت جزءا معتبرا من الموارد الأساسية للبلاد، وبخلت أن تؤدي ما عليها من حقوق وواجبات، مادية ومعنوية، للمجتمع. في حين أن القيام بها يضمن الهدوء والاستقرار، ويهييء الأجواء لبناء دولة عصرية، أكثر الناس استفادة منها هم طبقة رجال الأعمال، لأن البديل توجيه سهام الفقراء وغضب البسطاء إلي صدور الأغنياء. والتعايش وفقا لقواعد صحيحة يوفر للجميع حياة كريمة، ويقطع الطريق علي مؤامرات تحاول تأجيج الفتنة بين الشريحتين. أما التهديد والوعيد بسحب الاستثمارات المحلية، سوف يفضي إلي مزيد من العراقيل. وفي النهاية لن تستطيع فئة أو جماعة، مهما تبلغ قوتها الاقتصادية، أن تتحكم في مقاليد بلد يسعي للنهوض، ويملك بدائل وافرة للحركة في الداخل والخارج. لذلك علي رجال الأعمال، الشرفاء والأغبياء، التروي وعدم الانسياق لرغبات تريد قسرا الدوران في حلقة شريرة، تسعي إلي إلباس المستقبل ثوب الماضي. لمزيد من مقالات محمد ابو الفضل