يتبع نيتانياهو مع العرب في عملية السلام, ما وصف باستراتيجية الحفرة, وهو تعبير كان قد أطلقه دبلوماسي أمريكي مخضرم في احدي الندوات في واشنطن. وهذا شيء يلزم العرب بالقراءة الجيدة لما يخطط له أوباما, وبإعادة قراءة الحالة الراهنة لعملية السلام, والتي لم تعد تصلح لها أدوات ولي زمانها. هذه الاستراتيجية كنت قد شهدت أحد أبرز مظاهرها أثناء عملي في مكتب الأهرام في واشنطن وكان ذلك في أكتوبر1998, حين ترك الرئيس كلينتون البيت الأبيض, إلي مزرعة في منطقة واي ريفر, والتي كان ينتقل بينها وبين واشنطن, بالطائرة الهليكوبتر ليتفرغ هناك لمباحثات ثلاثية مع نيتانياهو وعرفات. وفي ختام هذه المباحثات ذكر مسئولو البيت الأبيض أن القادة الثلاثة توصلوا إلي اتفاق سيتم توقيعه في اليوم التالي. لكن دون سابق إنذار كان نيتانياهو قد جهز الحفرة التي يتعثر فيها الاطراف, ويدفن فيها الاتفاق, فقد أعلن نيتانياهو أنه لن يضع توقيعه علي الاتفاق, إلا بشرط إطلاق سراح الجاسوس جوناثان بولارد, الذي اعتبره بطلا قوميا إسرائيليا. وبولارد أمريكي كان يعمل في البحرية الأمريكية, إلي أن اكتشف في الثمانينيات أنه سرق عشرات الألوف من الوثائق السرية وسلمها لإسرائيل, وحكم عليه بالسجن متهما بخيانة بلاده. لكن ما لم يضعه في حسبانه أن الأمريكيين نظروا إلي ما يطالب به من منظور مختلف, واعتبروه إهانة للكرامة الوطنية للولايات المتحدة يومها تعالت اصوات الغضب من الأمريكيين, ومنهم اعضاء بالكونجرس ممن عرفوا بتعاطفهم مع إسرائيل, وظهر في التليفزيون كاسبر واينبرجر الذي كان وزيرا للدفاع في حكومة ريجان وقت اكتشاف الجاسوس الإسرائيلي, وقال ان ما فعله الجاسوس بولارد, يمثل أكبر ضربة لمصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. وفوجيء نيتانياهو بما لم يتوقعه, وتراجع في الحال, واحني رأسه لعاصفة لم يكن يقدر علي ان يواجهها. لكن نيتانياهو لم يتخل عن استراتيجية الحفرة, وهو نفس ما فعله نيتانياهو بينما جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي يزور إسرائيل, ويبحث خطة المرحلة المقبلة من المفاوضات غير المباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين, وفاجأه نيتانياهو بإعلان إسرائيل خطة جديدة لبناء1600 وحدة استيطانية بالقدس الشرقية, وهو قرار بالصورة التي اعلن بها, وفي توقيت وجود نائب رئيس أمريكا, وما هو معلن عن أهداف زيارته, يعتبر تطبيقا لنفس عملية الحفرة, فهي تعرقل مهمة بايدن, كما تهدف إلي زعزعة ثقة العرب في جدية الموقف الأمريكي. ويبدو أن تقديرات نيتانياهو, استندت إلي شواهد عن عدم رغبة إدارة أوباما في صدام مباشر مع حكومة إسرائيل. أن ما جري وقت زيارة بايدن لن يكون نهاية المطاف, فنحن نتعامل مع حكومة إسرائيلية تمثل أقصي اليمين, وتضم أشد العناصر تطرفا في قبول السلام كفكرة ومفهوم وهدف. وقد قبل العرب خيار السلام في مؤتمر مدريد1991, وحملت أمريكا نفسها المسئولية السياسية والأدبية كراع ووسيط نزيه, والآن وبعد19 سنة مازال السؤال الحائر يبحث عن إجابة: ما الذي يجري لعملية السلام وإلي أي نهاية تتجه؟.. وأصبح بعض المختصين الأمريكيين ممن كانوا طرفا في إدارة مفاوضات السلام منذ بدأت, يقولون ان طبيعة عملية السلام قد تغيرت, وان هذا التغيير يحتاج تفكيرا متغيرا من العرب في التعامل معها. وهذا يدفع إلي التساؤل: ما جدوي استمرارية التفاوض معهم علي اساس مرجعيات, لا يعترفون هم بها, ويديرون العملية وكأنهم طرفها الوحيد, غير عابئين بإرادة ومصالح الأطراف الأخري.؟ ويبدو أن ما وصلت إليه الأمور يدعو لرؤية عربية مختلفة, تضعهم في مأزق, بدلا من أن يظلوا هم صانعوا المأزق للعرب, وهم مطمئنون إلي أن العرب مثابرون علي السير في المسار نفسه الذي لم يحيدوا عنه منذ مدريد91, بينما اتخذت إسرائيل لنفسها مسارا مختلفا. ألا يمكن ان يعلن الفلسطينيون بدعم عربي, قيام الدولة الفلسطينية الخاضعة لاحتلال قوة أجنبية؟... وهو أمر مشابه لاقتراح سبق أن أعلنه سليمان فياض رئيس الحكومة الفلسطينيية المؤقتة في الضفة الغربية. وعندئذ يطالبون الأممالمتحدة بتطبيق قراراتها بشأن القضية الفلسطينية, وأن تسبق ذلك بالضرورة اتصالات, وتنسيق مع أكبر عدد ممكن من دول العالم. إن صورة الوضع الحالي تظهر إسرائيل وكأنها هي التي تضغط علي أمريكا, وليس العكس. صحيح أن أوباما أظهر حسن النية لحل المشكلة, لكن ليس هكذا تحل المشكلات والأزمات الدولية, فالقضية لن تتحرك, بينما أصحاب المصلحة في حالة سكون أبدي, ينتظرون من غيرهم أن يتصرفوا نيابة عنهم, بل إن أوباما, وحسب منهجه وفكره السياسي ينتظر من أطراف المشكلة, أن يحركوا الوضع من منطقتهم, وهو رئيس دولة لها أولويات, وأجندة تحوي حشدا متنوعا من المشكلات, وليس هناك من سبب يدفع مشكلتنا إلي قمة اولوياته, إلا حين نكون نحن قادرين علي تحريك الوضع الساكن.