يشهد العام الحالى مرور 181 عاما على بدء العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين مصر واليونان فى العصر الحديث، التى كان تدشينها تتويجا لعلاقات ممتدة بين البلدين يعود تاريخها إلى نحو 300 عام قبل الميلاد، منذ أنشأ الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية، التى شهدت على مر تاريخها تواجدا كبيرا للجالية اليونانية. وقد لعبت الجغرافيا دورا مهما فى تأسيس هذه العلاقات وتطورها على مر التاريخ، وحرص البلدان على استمرارها فى أفضل صورة لمصلحتيهما المشتركة، حيث لم تنحصر تلك العلاقات فى مجال بعينه، بل تنوعت لتشمل كل نواحى التعاون عبر المتوسط. هذه العلاقات المميزة بين مصر واليونان كانت سببا فى اختيار أثينا لتكون العاصمة الخارجية الأولى التى يزورها الرئيس عدلى منصور بعد إقرار الدستور الجديد، الاستحقاق الأول فى خارطة المستقبل، للتأكيد على أهمية العلاقات المصرية اليونانية، وما يمكن أن تلعبه اليونان من دور مساند لمصر، خصوصا فى ظل رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبى، وهى الزيارة التى أكد السفير كريس لازاريس، سفير اليونان بالقاهرة، أنها كانت تحمل رسالة من بلاده إلى العالم مفادها أن اليونان تدعم مصر فى تطبيق خارطة الطريق والتحول نحو الديمقراطية، حيث جاءت هذه الزيارة بعد يومين فقط من إقرار الدستور المصرى الجديد. وإذا كان اليونانيون يعتزون بأن محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، من مواليد مدينة "قولة" شمال اليونان عام 1769 لأسرة ألبانية، وهو ما جعل الحكومة اليونانية تحتفظ بمنزل أسرته، وتقوم بصيانته ليظل أحد أهم معالم المدينة، فإن مصر احتفظت بما استقته من الحضارة اليونانية القديمة، خصوصا فى مجال العمارة، وكان لبعض أبناء الجالية اليونانية بمصر نصيب كبير من الشهرة والتأثير، ومنهم الشاعر العظيم المصرى اليونانى قسطنطين كفافيس، الذى يعد واحدا من أعظم الشعراء المعاصرين. وعلى الرغم من أن آخر زيارة لرئيس مصرى إلى اليونان، قبل زيارة الرئيس عدلى منصور الأخيرة، كانت زيارة الرئيس الأسبق حسنى مبارك لأثينا خلال الفترة من 3 إلى 6 ديسمبر 2007، إلا أن زيارات المسئولين السياسيين فى البلدين لم تنقطع، ولم تتأثر بما شهدته مصر من أحداث منذ ثورة 25 من يناير 2011. وتؤكد الاتفاقيات الموقعة بين البلدين عمق العلاقات المصرية اليونانية، ومن هذه الاتفاقيات المهمة: اتفاق للتعاون فى مجال النقل البحرى (1981)، واتفاق للتعاون الاقتصادى والفنى (1986)، واتفاق للتعاون فى مجال التأمينات الاجتماعية (1986)، واتفاق تشجيع وحماية الاستثمارات (1993)، واتفاق تأسيس مجلس الأعمال المصرى اليونانى (2002)، واتفاق للتعاون العلمى والتكنولوجى (2004)، واتفاق لتجنب الازدواج الضريبى (2004)، ومذكرة تفاهم للتعاون فى مجال السياحة (2005)، ومذكرة تفاهم للتعاون فى مجال النقل البحرى (2005)، ومذكرة تفاهم لتبادل منح الجنسية لمواطنى البلدين (2005)، ومذكرة تفاهم للتعاون فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة (2006). ولا تتوقف العلاقات المتميزة بين مصر واليونان على الجانب السياسى فقط، فبعيدا عن مساندة اليونان الدائمة لخيارات الشعب المصرى منذ ثورة 25 يناير 2011، تأتى العلاقات الاقتصادية بين البلدين لتحتل مرتبة متقدمة، حيث توجد جالية مصرية كبيرة فى اليونان، كما أن عددا كبيرا من الشركات اليونانية تعمل وتستثمر فى مصر. وفى هذا السياق يشير سفير اليونان كريس لازاريس إلى أن الشركات اليونانية لم تنسحب من مصر خلال أحداث ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث، بل على العكس تزايدت بعد ثورة يناير، ولم تكترث بما شهدته مصر من أوضاع أو بالأزمة الاقتصادية التى شهدتها اليونان، ومن المنتظر زيادتها مرة أخرى بعد أن استطاعت اليونان كسب معركتها مع الأزمة الاقتصادية، حيث حققت اليونان فائضا فى موازنتها بلغ 1.5 مليار يورو عام 2013، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 4 مليارات يورو فى 2014، على حد قول السفير كريس لازاريس. ويشجع الجوار الجغرافى وموقع البلدين حول المتوسط على استمرار علاقات عسكرية متميزة بين مصر واليونان، حيث إنه فى 28 أغسطس 2012 أجريت تدريبات بحرية مشتركة لمدة 5 أيام بين البحرية المصرية واليونانية فى المياه الإقليمية المصرية، وخلال التدريب تم تنفيذ أعمال المعاونة بالبحث والإنقاذ وممارسة حق الزيارة والتفتيش للسفن المخالفة وأعمال النقل والإمداد بالوقود بالبحر باستخدام السفن والطائرات. ومن المنتظر أن يفرض ملف مباحثات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين نفسه على لقاءات المسئولين من البلدين خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعد ما تردد عن وجود مخزون كبير من الغاز الطبيعى تحت مياه البحر المتوسط.