انطلقت مسرعة إلى المجهول وفى يدها بقايا خبز لم يمهلها الوقت من التهامه على مائدة الافطار , وفى اليد الأخرى حقيبة العمل والشقاء وأطراف كاميرا معلقة على الكتف تسابق الزمن لتسجيل مشاهد الخزى والعار التى باتت مألوفة تثير القرف والاشمئزاز والتساؤل المتململ إلى متى ؟؟ خرجت ميادة وفى قلبها المشحون بالأمل حلم كبير يداعب مشاعرها البضة فى اقتناصها سبق صحفى يضعها فى مصاف المحترفين , فأغمضت عينيها عن الخطر ودخلت عش الدبابير بقلب أسد وجسد فراشة , تتهادى من مكان الى مكان لتصوير الحدث والشهادة عليه كاشفة كذبهم المقيت . يحزننى أن أحكى حكايتها بضمير الغائب , فقد كانت للتو تقف بيننا تتنفس هوائنا وتتجرع من نفس كأس المرارة التى نتجرعها .. هل كان يراقبك الموت ؟ أم أن الحياة هى من غدرت بك ؟ وسواء راقبك الموت أم غدرت بك الحياة فأنت الآن بين يدى الله برحمته ومغفرته وفى فردوسه الأعلى . ميادة مثلها مثل أى شابة فتية تمنت أن تتوج حياتها بالنجاح والسعادة والزواج , ربما تتحقق أمانيك فى الفردوس الأعلى , لكن قصاص الدنيا ممن غدر بشبابك واجب وعهد . كانت تروى سيرتها وسيرة وطن بدماء حريتها , وتسجل تاريخ المرحلة الدقيقة من حياتنا بكاميرتها المتحركة , فعاجلتها رصاصة الغدر والترصد مثلما عاجلتها وتيرة المزايدة , إذ سارع الاخوان بنسبها اليهم إمعانا فى الفجر والتضليل , وعندما كُشف خداعهم وكعادتهم القميئة أشهروا سيوف التشويه فرفضوك شهيدة واعتبروك موالية لإحدى جرائد الاحتلال التى لم تتوقف ساعة عن التحريض ضدهم , لكن صورك ميادة المنتشرة فى كل مكان دليل دامغ على كذبهم ودحض إدعاءاتهم تماما كما نسبوا الشهيد الحسينى أبو ضيف إليهم ليواروا عوراتهم .. " الكاميرا لا تزال فى ايدينا يا حسينى ومكملين".. هكذا رفعت الراية وشاء القدر أن تسقط قبل أن يتحقق حلمك , فهل شعرت بأنك أكملت الطريق الذى بدأه أبو ضيف ؟ هل التقيت برفيق الشهادة وألقيت عليه السلام ؟ هل تجاذبتما حديثا روحانيا حول ما يفعله مدعو الاسلام ببنى جلدتهم ؟ هل أخبرته بأنهم قتلوه بدم بارد ومشوا فى جنازته تماما كما فعلوا بك ؟ هل قلت له بأن الوطن يزفك ويزف أمثالك دون كلل أو ملل فقد أصبح مشهد الموت المجانى تحية كل صباح ؟ هل قرأتما صحف الصباح معا التى زفتكما شهيدين عند ربكما ترزقان , فى جنة الخلد والذكرى العطرة التى تغلف سيرتكما فى كل مكان , مثلما نزف غيركما فى ريعان الشباب كل يوم ؟ هل قلت له بأن رثائك ورثائه أصبح من رثاء وطن أظلمه سواد القلوب وأحرقه جهل العقول ؟ هل وهل وهل مليون ألف هل .. ولكن ؟؟ أصبحنا نتقاذف النعوش الطائرة والقلوب الواجفة المرتعشة المتسائلة هل من مزيد ؟ ففى كل زقاق وحارة وشارع وميدان مئات القصص والحكايات .. سلام عليكم شهداءنا ورحمة ومغفرة , ولنا لوعة فراق وألم يعانق السماء , ربما تظلل عليه حكمة الخالق بنعمة النسيان , وإن كنتم خالدين فى القلوب محفورين فى العقول تزين عطر سيرتكم ومسيرتكم الجدران , شاهد العيان على تاريخ جديد يكتب بدمائكم وحياتكم وحريتكم فألف تحية وألف سلام .. لمزيد من مقالات جيهان فوزى