عايشت "بوابة الوفد" 21 ساعة من الحزن والدموع بدأت باستشهاد ميادة أشرف، صحفية الدستور، وانتهت بملاقاة مثواها الأخير بمقابر العائلة ووراها الثرى وسط دموع وحزن خيم على أصحاب المهنة صاحبة الجلالة، لم تشعر ميادة فقط بأوجاع رصاصة الغدر التى أودت بشبابها ومستقبلها، بل عانى جثمانها أكثر من عشرين ساعة حتى يلاقى مثواه الأخير. يقولون فى الأمثال "إكرام الميت دفنه"، ولكن أبى الروتين المصرى أن يكرم "ميادة"، فظلت منذ استشهادها فى الساعة الثالثة تقريباً، عصر أمس وحتى دفنها فى الساعة الخامسة والنصف من صباح اليوم، بين سيارة إسعاف ظلت ساعتين حتى تنقلها إلى المستشفى وإجراءات الدفن وتقارير الطب الشرعى وتحقيقات النيابة والمباحث، التى استغرقت أكثر من عشرين ساعة، لازمهم حزن زميلاتها وزملائها الذين لم يعرفوا عن ميادة غير الجد والأدب والعمل الدءوب. المشهد الأول: لحظة استشهاد "زهرة الصحافة" هى ميادة أشرف ميادة"، ابنة محافظة المنوفية، 22عاماً، تخرجت فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، العام الماضى 2013، ووحيدة والديها، تركت المنوفية حتى تنقل الحقيقة بقلمها وكاميراتها التى لم تتركها فى أى من الأحداث، والتحقت بموقع الدستور الإلكترونى منذ عامين فى الوقت الذى كانت تدرس فيه، ثم التحقت بموقع "مصر العربية" وعملت فى الدستور ومصر العربية معاً، باحثة عن عضوية نقابة الصحفيين، شهد لميادة أصدقاؤها بحبها للعمل وتفانيها فيه وأخلاقها الراقية. بدأت القصة حينما كلفت ميادة بتغطية تظاهرات تنظيم الإخوان بمنطقة عين شمس، حيث كانت ميادة برفقة صديقتها وزميلتها أحلام، شابكين أيديهما، وكان بالقرب منهما عدد من الزملاء الصحفيين، وعندما انضمت حوالى 6 مسيرات من الإخوان عند شارع عين شمس، واتجهوا جميعهم صوب مزلقان عين شمس، وفى حوالى الساعة الثالثة ونصف بدأ إطلاق النار من الجانبين، فأصابت رصاص الغدر ميادة، التى أودت بحياتها فى الحال، حيث أصيبت بطلق نارى دخل من منطقة الرأس وخرج من الوجه ولم تستقر الطلقة بجسدها، حسبما أكد طبيب الطب الشرعى فى تقريره. المشهد الثانى: جثمان ميادة أربع ساعات فى مسجد يستغيث بعدما لفظت ميادة أنفاسها الأخيرة، تم نقلها بمعاونة بعض المتظاهرين وزملائها من الصحفيين، إلى أن وصلت إلى مسجد عبيد بمنطقة عين شمس، وظلت فى المسجد بين أصدقائها وزملائها حوالى ثلاث ساعات وسيارات الإسعاف لا تستطيع الدخول بسبب احتدام الاشتباكات، فى الوقت الذى كان أصدقاؤها يستغيثون حتى يساعدهم أحد، وبعد محاولات بائسة من سيارات الإسعاف استمرت أكثر من مرة، استطاعت سيارة أن تقل ميادة من مسجد عبيد إلى مستشفى هليوبوليس بمصر الجديدة. المشهد الثالث: دموع فى عيون أهل ميادة وزملائها فى هليوبوليس هرع والد وخال وعدد من أقارب ميادة من محافظة المنوفية، إلى مسجد عبيد ثم رافقوا "زهرة الصحافة"، إلى مستشفى هليوبوليس فى الساعة السابعة، ومعهم زملاؤها من جميع الصحف، راغبين فى إنجاز الأوراق حتى يتثنى لأهلها دفنها فى مقابر العائلة، إلا أن الروتين والتعقيد تسببوا فى تأخر إنجاز الأوراق، واتهم زملاؤها الذين عايشوا الواقعة الأمن فى قتلها حيث قالوا إن الإخوان كانوا قد فرغوا من تظاهراتهم وبدأوا فى الانصراف. المشهد الرابع: مشادة بين زملاء ميادة والنقيب وصل نقيب الصحفيين ضياء رشوان إلى مستشفى هليوبوليس، ورافقه أعضاء مجلس النقابة خالد البلشى وحنان فكرى، حيث حاول بعض زملاء ميادة منع دخول نقيب الصحفيين بسبب تأخر نقل وإجراءات إنجاز أوراقها، ولكن تدخل بعض العقلاء وانتهت المشاداة، فيما أجرى النقيب اتصالات عدة بوزير العدل والجهات المعنية للإسراع بإنجاز الأوراق. أجرى المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء اتصالاً هاتفساً بأهل الشهيدة ميادة أشرف، ووعد أهل الفقيدة بسرعة التحقيق مع الجناة الذين تسببوا فى فراق ميادة للحياة. كما أكد رئيس الوزراء لنقيب الصحفيين ضياء رشوان، أنه أوصى الجهات المعنية من الطب الشرعى والنيابة بسرعة إنجاز الأوراق الخاصة بميادة، حتى يتثنى لأهلها وذويها دفنها فى أسرع وقت، بمدافن العائلة بمحافظة المنوفية.
المشهد الخامس: وصول مدير أمن القاهرة لمستشفى هليوبوليس وصل مدير أمن القاهرة، أسامة الصغير، لمستشفى هليوبوليس، ووعد أهل ميادة بسرعة التوصل إلى الجانى والمواصلة فى محاربة الإرهاب الأسود وإيقاف مسلسل العنف. المشهد السادس: اشتباك أهل ضحية عين شمس مع الصحفيين فى الوقت الذى حرصت فيها كاميرات القنوات الفضائية على تصوير الأوضاع داخل مستشفى هليوبوليس، أطلق البعض أإشاعة أن قناة الجزيرة القطرية تنقل الصورة من خارج المستشفى، فقام أهل ضحية من أهالى عين شمس قتل فى أثناء المظاهرات دون أن يشارك فيها، تصادف وجوده فى المكان بإطلاق النار، والاعتداء على سيارات البث والمصورين والصحفيين، وعلى الفور غادرت سيارات البث وهدأت الاشتباكات بعد تدخل النقيب وبعض العقلاء من الجانبين. المشهد السابع: النيابة تعاين زهرة الصحافة وصل ممثل النيابة إلى مستشفى هليوبوليس فى الساعة العاشرة تقريباً وتحصل على بعض الشهادات من الموجودين، وقاموا بمعاينة جثمان ميادة، وأعلن ضياء رشوان نقلاً عن وزير العدل انتداب قاضى تحقيق فى استشهاد ميادة، ووعد زملاءها بالقصاص لميادة من قاتلها سواء من الداخلية أو الإخوان، مؤكداً أن النقابة أعطت لميادة عضوية نقابة شرفية. المشهد الثامن: ساعات من الانتظار.. وأصدقاء ميادة: هنروح إزاى من غيرك وصل فريق الطب الشرعى الساعة الثانية عشرة والنصف، حيث أكد فى تقرير الطب الشرعى أن ميادة أصيبت بطلق نارى دخل من منطقة الرأس وخرج من الوجه ولم تستقر الطلقة بجسدها، فيما رفض أهلها تشريحها تشريحاً كاملاً، قائلين "إن أكرام الميت دفنه"، فيما تجمع أصدقاء ميادة الذين رافقوها فى العمل والسكن، وهم آية وأحلام وجهاد ونرمين، الذين لم يتركوا ميادة منذ أن وطأت قدمها القاهرة، قائلين "هتسبينا لوحدنا إزاى يا ميادة خدينا معاكي" و"هنروح نلاقى سريرك فاضى أزاى" وسط حالات إغماء وبكاء شديد ودعاء للمتوفية أن يتقبلها الله بين الشهداء الأبرار. المشهد التاسع: ميادة تلقى مثواها الأخير فى المنوفية غادرت ميادة مستشفى هليوبوليس متجهة إلى المنوفيةمسقط رأسها ورافقها أهلها وأصدقاؤها، حيث استقبلتها والدتها فى حالة انهيار كبير ودموع، فكانت تُمنى النفس بأن تستقبلها وهى عروس تزف مع زوجها، إلا أنها وجدتها محمولة فى نعش. أدى عدد كبير من أهالى المنوفية الصلاة، بمسجد الصمد بقرية أسطنها بمركز الباجور محافظة المنوفية، حيث واراها الثرى بمقابر العائلة بالمحافظة، وقام أهالى وأقارب الشهيدة بترديد عبارات عقب الجنازة أبرزها "حسبى الله ونعم الوكيل". ميادة التى كانت من تصنع الأخبار ساعية نحو نقابة تحميها فى حياتها، أصبحت خبراً فى صحيفة ونالت النقابة بعد استشهادها، فهل سنقتص لها أم ستكون الحقيقة غائبة شأنها شأن زميلها الحسينى أبو ضيف.