من باريس جاءنى صوتها قالت: أنا حفيدة المناضلة المصرية الأديبة ملك حفنى ناصف.. قلت لها: ياه إنها واحدة من أوائل الأديبات المصريات المناضلات من أجل حريتهن وحرية مصر. قالت: للحق يا سيدى لقد كانت جداتنا أقوي وأكثر صلابة وأشد عودا من حفيداتها الآن فى نضالهن من أجل تحرير المرأة وفك قيودها من سجن الحريم وعلى بابه يقف السجان العثمانلى لقرون عددا. ولقد مد سعد باشا زغلول يده وقلبه وعقله وكل وجدانه إلى المرأة المصرية ليعلن تحررها الكامل عندما قال عبارته الشهيرة: سيداتى آنساتى سادتى.. ليصعد بالمرأة إلى سطور خطبه وكلمات لسانه بوصفها شريكة كفاح للرجل فى النضال السياسى بعد أن فكت قيودها وانطلقت على طريق النضال السياسى.. قلت لها: ولا ننسى هنا ما كتبه «الأهرام» فى عدد 7 يناير عام 1922.. عتدما تكون وفد من عشرين سيدة ذهبن إلى من كان متوقعا أيامها لتشكيل الوزارة الجديدة.. ذهبن إلى عبدالخالق ثروت باشا، وإسماعيل صدقى باشا، ومحمد توفيق نسيم باشا لكى يرفض الثلاثة تشكيل الوزارة.. بعد نفى سعد باشا زغلول.. ليتحقق بذلك أعظم مظاهرة احتجاج على محنة البلاد! قلت لها: وكما تقول الدكتورة لطيفة محمد سالم فى كتابها الرائع «المرأة المصرية والتغيير الاجتماعى»: إن «الأهرام» قال فى يومى 16 و23 يناير فى عام 1922: إن لجنة الوفد المركزية للسيدات قد دعت إلى مقاطعة البضائع الإنجليزية وسحب جميع الودائع من البنوك الأجنبية وإيداعها فى بنك مصر.. وأرسلت لجنة الوفد المركزية إلى صحيفة «الديلى ميل» الإنجليزية فى لندن مطالبة بالإفراج عن زعيم الوفد سعد باشا ورفاقه ورفع كل القيود عن مصر.. ................... ................... أمامى الآن أعداد مجلات وصحف نسائية كانت تصدرها المرأة المصرية فى مطلع القرن العشرين، وهى صحف: السفور + النهضة النسائية + الأمل + السيدات والرجال + أمهات المستقبل + المرأة الجديدة + المرأة المصرية + فتاة الشرق + الجنس اللطيف.. وكلها مجلات نسائية سياسية عظيمة نفتقد وجودها بيننا الآن فى بلاط صاحبة الجلالة الذى «صفصف» على مجلتى «نصف الدنيا» و «حواء». تعالوا نقرأ ما جاء على صفحات هذه الكوكبة من الصحف النسائية التى حملت صوت المرأة المصرية إلى أسماع الساسة فى مصر وأوروبا كلها. فى 26 مارس 1924 وزعت هدى شعراوى على الصحف بيانا وجهته إلى الأمة المصرية وحملت فيه على الوزارة ورئيسها، وختمته بقولها: لا يوجد خطر على القضية المصرية أكبر من أن يتولى المفاوضات مع إنجلترا رجل يعترف علانية أمام البرلمان بأنه عاجز عن تنفيذ ما عاهد به الأمة. وفى الوقت نفسه، واصلت هدى شعراوى مسيرتها فى تشكيل تنظيم نسائى آخر قام فى 16 مارس 1923 على أنقاض لجنة الوفد المركزية للسيدات، وعرف باسم الاتحاد النسائى المصرى، واعترف به رسميا وتحدد برنامجه السياسى فى الاستقلال التام لمصر والسودان، والتمسك بحياد قناة السويس وفقا للمعاهدات الدولية وإسقاط أى ملفات قيود سبقت دون أن تقرها الأمة، خاصة اتفاق السودان لعام 1899 أو تصريح 28 فبراير 1922، وعدم الاعتراف بما ورد فى معاهدة لوزان عام 1923 من تحمل الخزانة المصرية قسما من ديون تركيا، وعند المفاوضة مع الإنجليز يقوم بذلك ممثلو الأمة، واعتبار السودان جزءا من مصر، وليس كما هو الآن انفصل وأصبح هو الآخر دولتين، وإعادة النظر فى المواد المتعلقة بالأحكام العرفية وحرية الصحافة، وحرية الاجتماع، والتعيين فى مجلس الشيوخ، والتصديق على القوانين والتشريع فى غياب البرلمان، وتعيين الضباط وعزلهم، واستجواب الوزراء، وتعديل قانون الانتخابات وجعله درجة واحدة، وإلغاء القوانين الاستثنائية. أصفق جذلا وأقول: يا سلام سلم.. فيه حاجة بالذمة أجمل من كده.. موش ثلاث أرباع ده اللى عاوزينه دلوقتى بالضبط! .................. .................. ولكن مرة أخرى رفض البرلمان أن تحضر المرأة أى امرأة جلسة الافتتاح والاستماع إلى خطبة العرش.. تعالوا نقرأ ما تقوله مجلة المصور فى عددها الصادر فى 12 مارس عام 1925: وكانت صفية زغلول مثالا لتطور فكر المرأة ودورها واضح منذ بدء الحركة الوطنية عام 1919، فتحت بيتها للمناضلين، وسافرت مع زوجها فى منفاه تؤازره وتشجعه، وخطبت وبثت الروح الوطنية، وصعدت المواقف الثورية، واستمرت اللجنة السعدية للسيدات تواصل اجتماعاتها فى بيت الأمة، تعرض القضايا السياسية على بساط البحث والمناقشة فى إطار المصلحة العامة، وتمكن الوفد من تجنيد مجلة الأمل وصاحبتها منيرة ثابت لبرنامجه، فكان لها نشاطها فى دعوته السياسية ومهاجمة الوزارة المناوئة له، ولم يتوقف نشاطها بعد رحيل زعيم الأمة.. وكتبت صحيفة المصور قائلة: وكان للمرأة نصيب فى حركة الإضراب العام يوم 15 نوفمبر 1930، وإنما نقول ذعرت الحكومة لأنها تعرف مثل ما نعرف أن المرأة متى ظهرت فى ميدان العمل لم تعد قوة فى العالم قادرة على أن تصدها، ولا أن تصد العمل الذى تسهم فيه عن النجاح، وهذا اعتراف بالتغيير الذى طرأ على مركز المرأة وما تمتعت به من قوة وثقل فى المجتمع. وتكررت المظاهرات وقوبلت بكل عنف وقسوة واحتجت الصحافة على إجراءات الردع، وحدث نوع من الائتلاف بين هدى شعراوى وصفية زغلول، إذ قصدت الأولى بيت الأمة مع المتظاهرات، وتعالت الهتافات بحياة دستور 1923، وسقوط دستور 1930، والطعن فى الانتخابات المزيفة وإعلان مقاطعتها. ولم تقتصر المظاهرات على العاصمة، ومع ذلك استمرت الوزارة فى القمع والشدة، واعتقلت السيدات فى أقسام الوايلى والخليفة والدرب الأحمر، فاستخدمت أحمر الشفاه وسيلة للكتابة على الجدران معبرات عن إصرارهن على المطالبة بإعادة الدستور، ورفعت الدعاوى على السيدات المتظاهرات بحجة أنهن لم يخطرن البوليس، وتبين من حيثيات الحكم الهتافات والنداءات، وكيف رددت وراءهن. وسرى الإضراب بين طالبات جميع المدارس حتى مدرسة بنات الأشراف فشلت مجهودات صاحبتها فى إقعادهن برغم استدعائها للبوليس، ولكن أخذت الطالبات يهتفن فى الفناء وأضربن عن دخول الفصول. وتتبعت خطوات رجالات إسماعيل صدقى باشا تحركات الوفديات بالبطش والتنكيل، فإذا أردن إقامة حفلة خيرية بالإسكندرية لصرف حصيلتها على منكوبى العمال الذين جنى عليهم لوطنيتهم وحددن المكان، يغلقه البوليس ويمنع المدعوين من الدخول، وعندما تحايلن بتحويلها إلى منزل نبوية موسى على مضض منها حيث تقول «وصدعت بالأمر» يقبض على المجتمعين وينقلون فى لوريات ويحجزون فى قسم العطارين، وبالطبع كان معهم بعض النساء. ولا تعليق هنا أكثر مما قالته حفيدة ملك حفنى ناصف.. من أن البوليس المصرى من أيام البوليس السرى الملكى لم يتغير وحتى يومنا هذا حتى أيام حسنى مبارك الذى استمر ثلاثة عقود وعمنا محمد مرسى الذى لم يمكث إلا عاما واحد! قلت لها: عداكى العيب يا حفيدة المناضلة الكبرى! .................... .................... وعندما أمرت وزارة محمد توفيق نسيم باشا بفتح كوبرى عباس وأرجو أن يكون الاسم صحيحا على مظاهرات الطلبة وسقط منهم العشرات غرقى وقتلى.. كتبت هدى شعراوى إليه تندد بقسوة وزارته فى تفريق مظاهرات الطلبة وإغلاق الجامعة والمساس بالقضاء! وعرفت مكانة المرأة المصرية خارج مصر منذ بدء المفاوضات مع إنجلترا وتحدثت الصحافة الأجنبية عامة والإنجليزية خاصة عن زينب الوكيل زوجة مصطفى النحاس، ونالت زوجتا محمود فهمى النقراشى، ومكرم عبيد، وكريمتا حمدى سيف النصر إعجاب الساسة الإنجليز بما بدا على المصريات من ثقافة، كما يقول لورد كيلبرن فى مذكراته. ولم تكن هدى شعراوى وحزبها النسائى براضيات عن إجراءات وزارة الوفد، برغم وقوفه منذ البداية بجوار المرأة فناصرها وأعطاها الدفعات القوية وشجعها وأيدها، فيثنى مصطفى النحاس على جهودها بقوله: «بورك فى فتياتنا فإنهن روح النهضة المباركة، وينصفها حمد الباسل بعد أن أيقن دورها الإيجابى، وكان من المعارضين لإعطائها الحرية»، ومع هذا زادت العلاقة سوءا بين الوفد وزعيمة النهضة النسائية عقب معاهدة 1936، فعارضتها وقامت بإعداد وطبع بيان باسمها انتقدت فيه المعاهدة ووزع داخل البرلمان، كما كتبت مجلة «العروسة» أيامها! ويجىء حادث 4 فبراير عام 1942 بوجهه المشين عندما حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين وبداخله الملك بالدبابات وأرغموا الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان أيامها على تغيير وزارة حسن باشا صبرى وتعيين مصطفى النحاس بدلا منه رئيسا للوزراء بناء على طلب سير هامر لنكر وزير خارجية بريطانيا أيامها. ويرضخ الملك فى النهاية! .................. .................. وتحرج الموقف بعد هذا الحادث المشين، وتمكنت هدى شعراوى من أن تضم إليها الأصوات من زوجات وبنات الباشوات والأعيان، وأيضا صوت رئيسة جماعة السيدات المسلمات، وترسل إلى رئيس الوزراء البريطانى عن طريق السفير فى مصر، تبين كيف تحملت مصر من جراء الحرب العالمية الثانية من مآس وأعباء اعترف بها الإنجليز أنفسهم، ومع هذا فإن إنجلترا تساند وتناصر وتؤازر مصطفى النحاس ضد الولى الشرعى برغم الاتهامات الثابتة على رئيس الوزراء والتى تضمنها الكتاب الأسود، وتختم بقولها: «نحملكم مسئولية ما ينتج عن هذه التصرفات المخالفة لكل قواعد العدل والنزاهة» تقول هنا مجلة «روز اليوسف»: وتم تسليم الخطاب فى سرعة بالغة، واستاء رئيس الوزراء من أن البوليس فشل فى الاستيلاء عليه قبل وصوله إلى دار السفارة، وبعد ساعة من تقديمه وبناء على تعليمات مصطفى النحاس، فتشوا بيت هدى شعراوى. ويعلق لامبسون لوزير خارجيته بقوله: «يجب ألا ننسى أن الملك فاروق قد وضع فى الاعتبار تقديره للنشاط الذى تمارسه مدام شعراوى، ويصف كيف أنها تعمل لتحارب الإنجليز فى مصر، ومما يذكره أنه قد ربطت العلاقة الطيبة بين زعيمة النهضة النسائية وملك مصر الذى أنعم عليها بوشاح الكمال.! وفى حقيقة الأمر، فإن الحملة النسائية ضد النحاس أقلقته فأراد أن يخمدها خاصة إذا كانت هناك علاقة تربطها بالقصر، وضح ذلك من قضية نبوية موسى، فهى لا تتفق مع الوفد وتميل إلى تأييد الملك، فأغلق مدارسها وقطع عنها الإعانة، وبناء على أوامره «فتش بيتها»، وقبض عليها بتهمة حيازتها لمطبوعات، وما هى إلا مذكرة تخص مدارسها، وأحيلت إلى النيابة العليا العسكرية، ثم إلى المحكمة العسكرية، ولكنها حصلت على حكم براءة فى 5 يونيو 1943، ثم أغلقت الوزارة مطبعة مدارسها. وفى حديث جرى بينها وبين وزير الداخلية فى حكومة النحاس باشا، هاجمت فيه النحاس بكل جرأة، وأرسلت له خطابا اتهمته فيه بأنه غير أمين على أموال الدولة. وعليه فقد تم اعتقالها، ووضعت فى السجن حتى أفرج عنها بعد محاولات متعددة. تعليق من عندى: يعنى الزعيمات المناضلات كن يعتقلن ويودعن السجون حتى فى هذا الزمان الغابر من أيام سعد باشا زغلول، ومصطفى النحاس باشا، والملك وحاشيته .. وعجبى! { لمزيد من مقالات عزت السعدنى