«ليس عندى ما أقدمه للشعب البريطانى غير العرق والدم والدموع» تعهد مؤثر قدمه ونستون تشرشل فى خطابه التاريخى أمام البرلمان البريطانى بعد انتخابه رئيسا للوزراء فى عام 1940 ليعبر ببلاده احلك فتراتها –الحرب العالمية الثانية- ويصبح واحدا من أعظم زعماء القرن العشرين. حيث اشعلت تحديات الحرب حماسه ووجد التحقق فى قيادة الديمقراطيات نحو النصر. وربما ترجع مهارة تشرشل فى قيادة بلاده خلال الحرب العالمية الثانية،بجانب بصيرته ودهائه السياسى وخطبه الحماسية التى طالما الهبت مشاعر البريطانيين ورفعت من معنوياتهم،كونه ليس غريبا على الحروب أو الحياة العسكرية. ينحدرونستون تشرشل من أسرة عسكرية عريقة حيث حصل جده الأكبر جون تشرشل على لقب دوق مارلبورو الأول فى عام 1702 تقديرا لانتصاراته فى المعارك ضد الملك لويس الرابع عشر.وقد ولد تشرشل فى عام 1874 فى قصر بلنهايم الذى اقامته الدولة تكريما لجده دوق مارلبورو وكان والده سياسى ووالدته أمريكية الأصل.ونظرا لاخفاق تشرشل فى التحصيل الاكاديمى بالمدرسة الثانوية التحق بكلية ساندهرست الحربية حيث وجد ضالته فى حياة الجندية.وفى الفترة ما بين عامى 1895 و1898 شارك تشرشل كجندى وكمراسل حربى فى الحروب فى كوباوالهند والسودان وجنوب افريقيا. وخلال تلك التجارب اكتشف جانبين فى شخصيته لن تفارقانه: حس أدبى سيخدمه كثيرا فى صياغة خطبه التاريخية الملهمة وتأليف الكتب حتى أنه السياسى الوحيد الذى حصل على جائزة نوبل فى الآداب فى عام 1953، واهتمام كبير بالشأن العام. هذا الاهتمام بالشأن العام والرغبة فى أن يساعد فى صناعة السياسة بدلا من مجرد اتباعها دفعه للدخول إلى عالم السياسة ليصبح نائبا بالبرلمان عن حزب المحافظين فى عام 1901 وعمره 26 عاما.ومنذ ذلك التاريخ كان تشرشل التجسيد الحى لمقولته الشهيرة «النجاح ليس نهائيا،الفشل ليس مميتا ولكن ما يهم هو شجاعة الاستمرار».فقد انتقل فى عام 1904من حزب المحافظين إلى حزب الأحرار والذى كان أقرب إلى توجهاته ورؤيته . وعلى مدى السنوات التالية تولى العديد من المناصب السياسية والعسكرية الهامة مثل وزير الداخلية وأول لورد للقوات البحرية وهو ما مكنه من تحديث الاسطول البريطانى للتصدى للبحرية الالمانية القوية فى الحرب العالمية الأولى .ولكن سرعان ما استقال من منصبه كقائد للقوات البحرية فى عام 1915بعد هزيمة قواته فى أحد المعارك. وظن أن حياته السياسية انتهت فلجأ لممارسة الرسم كوسيلة للتنفيس بجانب تأليف الكتب.ورغم عودته ليتولى منصب وزير الذخيرة فى عام 1917ثم وزير دولة للحرب إلا أن مكانته كسياسى محنك كانت قد تضررت كثيرا. وفى عام 1924 عاد تشرشل مرة أخرى إلى حزب المحافظين وتولى منصب وزير الخزانة حيث اتخذ بعض القرارات التى كان لها آثارا سلبية فضلا عن أن بعض مواقفه السياسية فى ذلك الوقت مثل رفضه منح الهند قدرا محدودا من الحكم الذاتى والتى أدت إلى انخفاض شعبيته إلى أن خرج من منصبه بعد فوز حزب العمال المعارض فى الانتخابات العامة ليبدأ مرحلة الأفول السياسى والذى اعتقد أنها ستكون أبدية.ولكن على الرغم من عدم تقلده أى منصب سياسى على مدى عشرة أعوام واكتفائه بعضوية البرلمان لم يتوقف تشرشل عن القاء الخطب والتحذير من تنامى النفوذ الالمانى. وفى عام 1940 طلب منه الملك جورج السادس تولى منصب رئيس الوزراء بعداستقالة سلفه تشمبرلين اثر سحب البرلمان الثقة منه احتجاجا على سياساته المهادنة والمتخاذلة فى مواجهة هتلر والتى طالما انتقدها تشرشل.الغريب انه بعد أن بذل تشرشل كل ما فى وسعه ،كما وعد شعبه،على مدى 5 سنوات عجاف للخروج ببلاده منتصرة من اتون الحرب العالمية الثانية منى بهزيمة كبيرة فى الانتخابات العامة التى أجريت فى 1945 حيث شعر كثير من المواطنين برغبة كبيرة فى التغيير والابتعاد عن كل ما يذكرهم بسنوات الحرب.وبعد ست سنوات عاد تشرشل مرة أخرى لمنصب رئيس الوزراء ليركز خلال فترته الجديدة على السياسة الخارجية .وفى عام 1955 استقال تشرشل (80 عاما) من منصبه لدواعى صحية واستمر فى تأليف الكتب والقاء الخطب والرسم حتى وفاته فى عام 1965عن عمر يناهز التسعين لتظل سيرته ،كجندى شجاع ورجل دولة محنك وكاتب مميز وفنان، فريدة من نوعها فى التاريخ البريطانى بل وتاريخ العالم.