أسئلة قد تبدو تقليدية.... لكننا إذا تأملنا مليا فيها، قد لا نجد إجابة حاسمة قاطعة، نستطيع أن نؤكدها بملء الفم، لنشعر بعدها بالاطمئنان وراحة النفس والضمير! المؤرخون ..القادة السياسيون.. المناضلون.. سجلات الأحزاب وأنشطتها.. الأدباء والفنانون.. رجل الشارع .. من فى هؤلاء يخط التاريخ حقاً؟ من منهم جدير بأن يؤرخ لأحداث الوطن؟ ونأتى إلى الشق الثانى من السؤال، كيف نكتب التاريخ؟ وهل يمكن أن نكتبه بموضوعية، بنظرة محايدة بعيدا عن الانحيازات أم أن ما نكتبه هو تاريخ نسبي، تختلف سطوره وكلماته من مؤرخ إلى آخر حسب توجهاته، كما تختلف أيضا حسب العصر الذى تُكتب فيه؟ حقاً هناك أحكام تاريخية تبدو محل اتفاق بين المؤرخين،على سبيل المثال: صدمة الحداثة جاءت مع الحملة الفرنسية إلى مصر، محمد على هو منشئ مصر الحديثة، إسماعيل باشا هو من أغرق مصر فى بحور من الديون... ورغم ذلك لا نعدم مؤرخين يرون رأيا مختلفاً. وعلى صعيد آخر هناك أحداث تاريخية مازالت مثار خلاف ونقاش بين المؤرخين والمتخصصين إلى يومنا هذا. لعل ثورة يوليو 1952هى واحدة منها، بل لعلها أشهرها فى الحقيقة. أمامنا هنا قطبان متعارضان، رأى يراها ثورة عظيمة، أسست قاعدة صناعية فى مصر، وأتاحت مجانية التعليم لكل فئات الشعب، ازدهرت الثقافة والفنون فى عهدها، واكتسبت مصر وقتها مكانة مهمة بين صفوف دول العالم؛ ورأى آخر يؤكد أنها لم تكن إلا حكماً عسكرياً أجهض النمو الليبرالى فى مصر وقضى على الديمقراطية، ووضع كل الخيوط فى يد الدولة! حسناً سادتي، هل يمكن أن نملك تصوراً ورؤية موضوعية فى هذه القضية؟ إن حياتنا متعددة الجوانب، ولكن أى جانب منها يستحق أن نؤرخ له: هل هى فقط الأحداث السياسية، على نحو ما هو شائع فى كتب التاريخ، أم أن البعد الاجتماعى ، والاقتصادى والعلمى والإبداعى يجدر أن يحظى أيضا بنصيب من الاهتمام؟ ومناهج تناول الحدث التاريخى تختلف أيضاً: هناك المنهج التقليدى الذى يعتمد بالدرجة الأولى على تفسير الوثائق والآثار والروايات المعاصرة للحدث, ومناهج حديثة تلجأ إلى مصادر جديدة مثل الصور والأفلام والتاريخ الشفاهي. وأخيراً ما الدور الذى يلعبه خيال المؤرخ، هل يجب استبعاده كى نصل إلى أكبر قدر من الموضوعية؟ وهناك أيضا الرؤى الفنية الإبداعية للحدث التاريخى التى يبدعها أدباء وفنانون والتى تستحضر صوراً للتاريخ بعيون قد تكون مختلفة وغير تقليدية لكنها تفتح آفاقاً جديدة لم تتطرق إليها الدراسات التاريخية الكلاسيكية. ويأتى فى النهاية السؤال الصعب الذى حار المتخصصون والدارسون فى الإجابة عليه: كيف يتعامل المؤرخ مع حدث مازال فى مرحلة التكوين، حدث لم يكتمل بعد، ولعل ثورة الخامس والعشرين من يناير خير مثال على ذلك.. نحن لا نملك هنا إجابات حاسمة فى هذه القضية، لكننا نطرح التساؤلات، ونحاول فى الوقت نفسه البحث عن الإجابات، وفتح آفاق جديدة لقراءة التاريخ بروح تقبل الاختلاف والنقاش ومراجعة الرأي. وهذا فى رأيى أمر مهم يحتاج إلى نفس طويل وتدريب شاق فى ثقافتنا وأسلوب دراستنا.