«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح عيسي‏:‏
لايمكن العودة إلي زمن عبدالناصر

تغمره سعادة بالغة وهو يقلب بين اوراق الصحف القديمة‏..‏ وبدأب شديد يبحث عن كل تفصيلة‏,‏ فيخرج بحكايات من دفتر الوطن‏,‏ او يكتشف شخصيات لها العجب‏,‏ وإجابات لكثير من علامات الاستفهام‏.‏ في طفولته كره كتب التاريخ, فكان يقص صورها ويعلقها علي الجدران عقابا لمؤلفيها.. الي أن دخل عالم التاريخ المصري الرحيب علي يد احمد بهاء الدين بكتابه الصغير أيام لها تاريخ وتوحد مع ابطاله.. وعشق تاريخ الوطن..
الكاتب الصحفي والمؤرخ صلاح عيسي كتب نحو20 دراسة في التاريخ, وكتابة التاريخ بالنسبة له ليس مجرد رص معلومات بل هيفن يسعي لتخليق الماضي من جديد ليجذب القارئ ويؤثر فيه, ويري انه اذا كان الباحث مطالبا دائما بالبرهنة علي صحة منهجه وادواته, فالقارئ ايضا عليه ان يشحذ حاسته النقدية ويمحص ما يقرأ من أفكار, ولهذا يجد ان عذاب مصر وهو عنوان الكتاب الذي كان مقررا في البداية لمجموعة حكايات من مصر- قد بدأ عندما حصر العقل المصري في إطار المسلمات النهائية التي لاتقبل المناقشة. حول هواه بالتاريخ ومستقبل الوطن, كان هذا الحوار
لم تدرس التاريخ دراسة أكاديمية ومع ذلك تعد واحدا من ابرز المهتمين به بحثا وقراءة, وتصنف نفسك بأنك من المؤرخين الهواة.. فمن من الهواة سبقك ؟
ز س الذين لم يتلقوا دراسة اكاديمية في التاريخ, لكنهم اهتموا بالقراءة والكتابة عنه وكان جورجي زيدان اول هؤلاء, إذ كان متيما بالتاريخ رغم ان دراسته الاصلية هي الطب ولم يستكملها, واهتم بالتاريخ العربي والمصري وادخل مباحث جديدة في التاريخ وظهر ذلك في كتابه تاريخ التمدن الاسلامي وهو كتاب في تاريخ الحضارة, ثم أذكر المرحوم احمد حافظ عوض وكان صحفيا وله كتاب ز.. ز العشرينات, ووفقا لمعرفتي فهو اول دراسة للتاريخ تتبع المنهج الذي كان يوصف انذاك ب الاوروباوي وهو الذي خرج بمدرسة التاريخ المصري من كتابات العصور الوسطي القائمة علي الحوليات اي رواية الحوادث كما تقع يوما بيوم كما فعل الجبرتي وميخائيل شاروبيم صاحب كتاب الكافي تاريخ مصر. القديم والحديث, تلاه اظن المرحوم عبد الرحمن الرافعي المحامي والناشط السياسي وكتب تاريخ الحركة الوطنية في مصر وتطور نظام الحكم ثم الحملة الفرنسية. والمؤرخون الهواة يرجع اليهم الفضل في تجديد مناهج كتابة التاريخ واضافة ما لم يكن موجودا, فكانوا اول من استخدموا مدراس فلسفة التاريخ, فعبد الرحمن الرافعي كان يؤرخ للتاريخ المصري من منطلق منهج قومي واضح او المدرسة الوطنية التي تؤمن بان مصر وطن له ملامح خاصة وان الحركة الوطنية التي بدات بثورة القاهرة الاولي ضد الاحتلال الفرنسي هي التي انشات وطنا اسمه مصر, وادرك المصريون ان لهم بلدا ذا ملامح خاصة وليس مجرد ولاية تابعة للامبراطورية العثمانية. والمدرسة الاشتراكية اغلب من ينتمون اليها من المؤرخين الهواة, ومن ابرز وجوهها احمد رشدي صالح وهوخريج كلية الاداب قسم اللغة الانجليزية والف كتاب كرومر في مصر وكتبه رغم صغر حجمها الا انها تعد تأسيسية بشكل حقيقي, فالمسألة ليست مجرد جمع معلومات او تحقيق وقائع, بل ان يكون لي رؤية في تفسير التاريخ. تلاه المرحوم فؤاد مرسي ثم شهدي عطية الشافعي وفوزي جرجس واعتقد ايضا ان من اهم المؤرخين الهواة الكاتب محمد حسنين هيكل, فهو شاهد ومؤرخ في الوقت نفسه, وتعد كتبه مصادر مهمة للغاية.
وكيف ينظر الاكاديميون الي جهود المؤرخين الهواة ؟
البعض يعتبر نفسه هو الاساس, ومع ذلك نجدهم في هوامش كتبهم يستعينون بكتب عبد الرحمن الرافعي وغيره وبعضهم الاخر يتخفف من هذا التحامل. وجزء من المشكلة القائمة بين الطرفين هو قيام بعض الصحفيين بكتابة التاريخ دون علم او جهد او بحث كاف ويهتمون غالبا بالحوادث المثيرة, لكن المنصفين من الاكاديميين يعترفون مثلا بان الجبرتي لم يكن دارسا للتاريخ ومع ذلك خدم التاريخ المصري والعربي اكبر خدمة.
تذكر دائما في مقدمات كتبك انك احتميت بالتاريخ عقب هزيمة67 ولولاه لكنت وقعت ضحية لما وصفته بالانتحار العقلي.. كيف أنقذك التاريخ؟
اهتمامي بالتاريخ كقارئ بدأ عندي قبل ذلك, أما بداية اتجاهي للكتابة في التاريخ فكانت مع بداية الستينات, ومن خلاله اكتشفت اهمية الثقافة التاريخية بالنسبة لاي شخص يريد تحليل الاوضاع السياسية القائمة.
من الناحية النفسية, التاريخ يحصن من حالات فقد الثقة بالنفس او بالوطن او بالشعب, نتيجة لما يزخر به تاريخ اي وطن عموما من كبوات وتراجعات ثم العودة للتقدم مرة اخري, فتشعر ان التاريخ في صيرورة,و اننا قادرون علي الخروج من اي كبوة, وان الشعوب لا تموت, لكن الافراد تموت وكذلك الانظمة, والشعوب دائما مندفعة في اتجاه الحياة الافضل, وان الكبوات تنتهي مما طالت, وعلي هذا الاساس أقرا واكتب واحاول نقل هذا المعني للاجيال الشابة.
تنتمي للمدرسة الاشتراكية في التأريخ, فما هي ملامح هذه المدرسة, خاصة انك ذكرت ان المؤرخين الهواة من ابرز وجوهها؟
داخل المدرسة الاشتراكية عدة اتجاهات, وهناك افكار خاطئة شاعت عن المنهج الاشتراكي في تفسير التاريخ, يؤمن بها حتي بعض المنتمين له, من بينها ان العامل الاقتصادي هو المحرك الوحيد للاحداث التاريخية, وهذا خطا, فالعامل الاقتصادي هو العامل الحاسم وليس الوحيد, فالمدرسة الاشتراكية لا تنكر العوامل الروحية والثقافية او المتعلقة بالوعي. وهناك مدارس اخري تفسر التاريخ من منظور الجغرافيا فتراه العامل الحاسم, وهناك مدرسة شائعة ومنتشرة جدا وهي تفسير التاريخ من خلال الصراع بين الاديان واعتباره المحرك الاساسي. المنهج الاشتراكي يتيح للباحث ان يري الظاهرة التاريخية باتساع, وتلاحظين في اعمالي اني مهتم بتاثيرات الظاهرة التاريخية علي العلاقات بين الرجل والمرأة وعلي الادب والفن والفكر والفلسفة وفهم الدين والدور الذي يلعبه سواء في الدفع لمزيد من الحركة او الي الجمود حفاظا علي الوضع الراهن, وبليخانوف في كتابه تطور النظرة الواحدية التاريخ ينتقد فلسفات التاريخ القائمة علي فكرة العامل الواحد,وهناك مدارس قديمة مازالت قائمة تركز علي دور الفرد في الناريخ, فتري انه صناعة مجموعة من الافراد الابطال والاشخاص الافذاذ, وان الجماهير دهماء لاقيمة لها وبلا دور, وهذا خطأ, وايضا القول بالعكس خطأ, لكن يمكن القول ان هناك أفرادا يلعبون ادوارا مهمة في التاريخ بالقدر الذي يستجيبون هم فيه للتطور الطبيعي له, فراهنوا علي الجانب الاخر من التاريخ لا العودة الي الماضي, فسعد زغلول وجمال عبد الناصر ومحمد علي افرد افذاذ لكنهم ليسوا من صنعوا التاريخ, بل جاءوا في لحظة معينة استجابوا لتطور الزمن, فنالوا هذه المكانة ونجحوا في ان يحققوا لشعوبهم الكثير من الانجازات لانهم كانوا مع التقدم للامام لا العودة للخلف.
ما الذي يدفعك لاختيار موضوعا للدراسة.. هل هو اهتمامك الشخصي, ام ندرة اهتمام الباحثين به؟
نبهني المستشار طارق البشري في مقدمة احدي طبعات كتبه مؤخرا الي ان الحاضر يفرض نفسه احيانا علي المؤرخين وخاصة الهواة, ربما يكون للاكاديميين حسابات اخري, وقد اهتم بموضوع في زمن ما ثم التفت له من جديد في وقت لاحق. ففي السبعينيات بدأت كتابا عن ذيل المادة15 من دستور1923 وكانت تنص علي ان الصحافة حرة ولا يجوز مصادرتها او تعطيلها او الغاؤها, ثم اضيف لها شطر الا اذا كان ذلك ضروريا لوقاية النظام الاجتماعي هذا السطر أوجد معركة رهيبة دامت علي امتداد30 سنة منذ صدور هذا الدستور و حتي الغائه في1953, ففكرت في ذلك الوقت ان اؤرخ لهذ المعركة وجمعت المادة ثم فقدت حماسي للموضوع لسبب لا أدريه, الي ان صدر حكم محكمة القضاء الاداري باغلاق مجلة ابداع فاكتشفت ان دستور71 به نص استندت اليه المحكمة في سحب ترخيص المجلة وهو ان الصحافة حرة في حدود المقومات الاساسية للمجتمع, فاكتشفت ان المادة15 مازالت موجودة, فبدأت منذ عام ونصف تقريبا في استكمال الدراسة. هناك ايضا زاوية تتعلق بمدي احساسك بما يحتاج الناس لتذكره من التاريخ الان, فما دفعني لكتابة سلسلة حكايات من دفتر الوطن, هو احساسي ان الجيل الذي تفتح وعيه علي ثورة يوليو جيل ممسوح الذاكرة الوطنية, بسبب ما حدث من إهالة التراب علي كل ما سبق ثورة يوليو واعتبار ان مصر ولدت سنة1952, وهذا ما دفعني رغم اني شهدت جزءا من الفترة السابقة علي الثورة, لان أقرار وادعم ذاكرتي بما لا اعرفه عنها, في محاولة لمقاومة مسح الذاكرة الوطنية, وتسعدني الان الاعمال التلفزيونية والسير الذاتية التي ترصد فترات زمنية سابقة, فقد عاد الحماس لدي الشباب لمعرفة تاريخهم, واذا كان المثل الشعبي يقول من فات قديمه تاه فأنا اضيف له ومن توقف عنده ضاع فاهمية دراسة التاريخ هو ان نتذكر ان لنا ماضا واننا جزء من تاريخ طويل, وان ما نعيشه الان خير كان ام شرا ليس من صنعنا وحدنا, وانما من صنع اجيال سبقتنا, ومهمتنا دفع الامور الي الامام, اما فكرة العودة الي الماضي اراها رجعية, فليس الهدف من دراسة التاريخ ان نعيد زمن تحتمس الثالث او زمن عبد الناصر, فهو أمر غير ممكن علي الاطلاق, ولو كان عبد الناصر حيا لطور افكاره لتلائم الزمن الحالي.
ما هي ابرز الصعوبات التي تواجهك عند اي دراسة تقوم بها؟ فاذا كانت مهمة الباحث ان يجيب عن الاسئلة الثلاث: ماذا حدث وكيف ولماذا, دائما يكون عندنا الخلاف من الاصل علي ماذا حدث؟
التاريخ عملية معملية واحيانا يبدو اقرب- و التشبيه مع الفارق- الي التحقيق الجنائي, فالباحث يحقق في واقعة حدثت, ومهمة المؤرخ ان يجمع الروايات المختلفة للحدث من جميع الاطراف والوثائق الرسمية وغير الرسمية, ثم يعيد بناء الحدث ليكون اقرب ما يكون اليه كما وقع.. ومن الوارد ان تتكشف مصادر جديدة تغير روايتي للحدث, وكنت احرص علي لقاء المصادر الحية, واعتمد علي المصادر القضائية واعتقد اني احد الذين اثاروا اهميتها كمصدر من مصادر البحث التاريخي. الصعوبات الاساسية تتعلق بالوثائق وللاسف الشديد لا تعترف دار الوثائق القومية بحق اي مواطن في الاطلاع علي الوثائق الا لمن يعد دراسات عليا في الجامعة المصرية, وتتعامل مع الوثائق باساليب اجهزة المخابرات, قد يكون لديها الحق, فهناك وثائق وخرائط قد تحسم نزاعات بين دول. المشكلة الثانية ان جزءا كبيرا من الوثائق مازال في مكانه وبالتالي تصبح متناثرة بين الوزارات والجهات الرسمية المختلفة, وهناك واقعة شهيرة في عهد الدكتور صابر عرب, عندما عثر في بدروم مجلس الوزراء علي اوراق تأكلها الحشرات والفئران واتضح انها محاضر اجتماعات مجلس الوزراء المصري, وكان سيتم التخلص منها لولا تنبه دار الوثائق وقيامها بجمعها وفرزها. وما اتمناه هو اصدار مشروع قانون الحفاظ علي وثائق الدولة واتاحتها للاطلاع العام, وان يكون من اوائل المشروعات التي تطرح علي البرلمان القادم, فالمشروع الذي شاركت في إعداده وعرضناه علي مجلس الوزراء في2002, حالت عقبة دون اصداره وهي إصرار مباحث امن الدولة و والمخابرات العامة والقوات المسلحة علي الا ينطبق عليها القانون, رغم انه في كل دول العالم يسمح بذلك طالما مرعلي الوثائق مدة معينة ولا تتعلق بالامور الجارية, او يؤدي كشفها للاضرار بالامن القومي.
ظهرت محاولات عديدة لتوثيق ثورة25 يناير. في رأيك ما هو أكبر خطأ يمكن ان يقع فيه من يقوم بالتأريخ لهذه الثورة؟
هناك قول ماثور وهو المعاصرة حجاب, فحينما تعاصر ظاهرة معينة وتؤرخ لها تكون طرفا فيها سواء بالحب او الكره, الانحياز او التحامل, ولهذا نجد بعض اقسام التاريخ لا تسجل موضوعات رسائل الماجستير والدكتوراه الا بعد مرور50 سنة علي الظاهرة التي يجري دراستها, لهذا فالان ليس وقت التأريخ لثورة25 يناير وانما وقت التسجيل والتوثيق للاحداث, فكل من لديه معلومة لما كان يجري في ميدان التحرير او علي الجانب الاخر حيث قمة السلطة فضلا عن المشاورات السياسية ونصوص اللقاءات مع القوي السياسية, كل ذلك يتم جمعه, واظن ان بعضها نشر في عدد من الكتب ككتاب الاعلامي عبد اللطيف المناوي والناشط وائل غنيم, وقد يتم حجب معلومات في الوقت الراهن لاسباب قضائية ثم يتم الافصاح عنها لاحقا, لكن ما احذر منه ان يظن ثوار يناير ان تاريخ مصر بدأ عندها, ليتكرر نفس خطأ ثورة يوليو.
لا شك ان قراءة التاريخ تمكن صاحبها من استشراف المستقبل.. فكيف تري مستقبل مصر ؟
اقول دائما اني متشائم علي المدي القصير, متشائل علي المدي المتوسط ومتفائل علي المدي البعيد, ونحن الان امام النتيجة الطبيعة لانفجار شعبي, ضد حكم استبدادي فاسد كان عصيا علي الاستجابة للضغوط التي مورست عليه ليغير نفسه بنفسه, فلم يكن هناك مفر من الاطاحة به. هذا الانفجار كان غير منظم وغير واع بالقدر الكافي, صحيح انه حقق إنجاز كبيرا بكل المقاييس, لكن كان عليه ان يتحمل العيب الخلقي الذي لم يكن له يد فيه, فالثورة لم تقم علي يد جماعات سياسية منظمة, والفريق الوحيد المنظم هو الذي جني ثمارا لا لشي الا لانه كان منظما, ولا يمكن ان نقول لو فلا توجد لو في التاريخ بل مقدمات معينة ادت الي نتائج, لكن المشكلة ان هناك تيارا بالغ في تقديس العفوية. المهم اننا امام واقع وعلينا تدارك هذا العيب, ولم يفت الاوان, بل انا مندهش من قدرة الناس علي تجاوز النقص في الوعي بشكل اسرع مما كنت اتوقع, فالاغلبية الصامتة التي كانت منصرفة عن اي عمل سياسي حققت درجة كبيرة من الوعي و لم يعد من السهل خداعها باخفاء المطامع السياسية بأردية دينية,صحيح مازالت هناك نسبة مخدوعة, الا ان كثيرا من غير المتعلمين استطاعوا ان يدركوا الخدعة, وامامنا انجاز يمكن تحقيقه بان يدرك تيار الاسلام السياسي, ان الاوهام لن تبقيه في السلطة بل عليه ان يطور افكاره ويقترب من طبيعة العصر الحالي و ضرورات الدولة المدنية فيتحول الي جزء من الحل بعد ان كان جزءا من المشكلة. لن يتحقق ذلك في وقت قصير لكنه ليس طويلا ايضا, نحن فقط بحاجة الي وقت نستعيد فيه الوعي.. الوعي بالضرورة التاريخية التي من اجلها انفجرت الثورة, وبالمشترك الوطني الذي يمكن من خلاله ان نصل الي غايتنا منها.
هل هناك احتمال لسيناريوهات كارثية من صدام حاد قد يفتت المجتمع المصري؟
نهائيا.. المصريون في النهاية عندما يفقدون السيطرة, و في اللحظة التي يجدون انفسهم امام خطر حقيقي, تحدث لهم افاقة مفاجئة, مثلما يحدث في الانفجارات الطائفية, فعندما يجدون انفسهم في الطريق الي حرب اهلية يهدأون فجاة!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.