وسط أمواج عاتية وظروف بالغة الصعوبة تحيط بالأحزاب السياسية ومدى قدرتها على الوجود بين المواطنين ، نطرح سؤالا محددا من يستطيع أن يملأ الفراغ السياسى والحزبى فى المشهد الراهن ؟ الأزمة تفاقمت خاصة فى ظل وجود أكثر من 80 حزبا وحركة وتيارا سياسيا فى ربوع المحروسة، إلا أنها بلا رصيد فى الشارع مع وجود قوى تقليدية تعانى من تصلب فى شرايينها وتبحث عن قبلة الحياة لتعود مرة أخرى إلى الماراثون السياسى . تحقيقات «الأهرام» تفتح ملف القوى السياسية ودورها فى المشهد القادم فى البداية يقول عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبى الاشتراكى إن كلمة سياسة تعنى كل نشاط يدور حول سلطة الدولة ، وبالتالى فالأحزاب السياسية هى الكيانات الوحيدة التى تؤسس للوصول إلى السلطة ، كما أن الفراغ السياسى لا يوجد من يملؤه حتى الآن ، لأن الأحزاب الموجودة ضعيفة وهشة ، وهذا ثمرة مرة لما فعله الرئيس الأسبق مبارك وأعوانه فى الحياة السياسية بشكل عام . ويضيف رئيس حزب التحالف أن الحياة السياسية تحتاج إلى أكثر من 5 سنوات حتى تستعيد الأحزاب قوتها وتعود مرة أخرى إلى التراك السياسى ، وخلال هذه الفترة ستظهر جماعات سرية وحركات احتجاجية غير منظمة تهدف إلى الظهور العشوائى غير المبرر لإرباك مؤسسات الدولة. ويوضح أنه لكى تبنى حزبا سياسيا لا بد من إعداد كوادر وقيادات فاعلة فى المجتمع ، وتكون للحزب رؤية ونشاط إيجابى وقاعدة شعبية وجماهيرية واضحة حتى يلتف حوله المواطن ، لذلك لا بد من إعداد قيادات تتعامل مع الظروف السياسية المحيطة بالمجتمع ، وتستطيع التفاعل بإيجابية مع الحدث ، مع تزويد الحزب بالأعضاء أصحاب الخبرة والعمل الجماعى . ويكشف شكر عن أن من يستطيع ملء الفراغ السياسى هو الحزب الذى لديه رؤية واضحة لمتطلبات المرحلة المقبلة ، ويمتلك قيادات مؤهلة فكريا وتنظيميا ، وله وضع مؤسسى يتكون من هيئات ، وله قوة جماهيرية منظمة على الأرض ، وعندما يطرح نفسه على التراك السياسى يمكنه سد الفراغ ، وأهم هدف أن تكون لديه خبرة العمل الجماعى فى ممارسة نشاط سياسى منظم هدفه الوصول إلى الحكم . وأشار إلى أن القوى التقليدية المتمثلة فى حزب الحرية والعدالة اتخذت موقفا سلبيا من خريطة المستقبل وأصبح الحزب خارج اللعبة السياسية ، أما الحزب الوطنى فهو عبارة عن جماعة مصالح فقط ارتبطوا بالحزب الحاكم ليستفيدوا منه ، وهم كبار الموظفين فى الدولة أو أبناء العائلات الكبرى فى الريف أو رجال أعمال لهم نفوذ فى المجتمع ، وهم ليست لهم قوة سياسية ولن يستطيعوا أن يملأوا الفراغ السياسى بأى شكل لأنهم يهدفون إلى مصالحهم فقط. أما محمد عصمت السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية فيرى أن المشهد الحالى مرتبك ولن يستطيع الإدارة أحد بمفرده سواء من التيارات أو الأحزاب السياسية أو حتى من الحزب الوطنى المنحل لأن الوضع أصبح متشابكا ومتداخلا وخريطة القوى السياسية على الأرض وبين الناس من الصعب وزنها أو قياس مدى تأثيرها . ويضيف أنه لكى نحدد القوى المؤثرة على الأرض سيكون ذلك بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية ، لكى نعرف الوزن الحقيقى للاحزاب . ويشير السادات إلى أن المرحلة الحالية هى فترة فراغ سياسى وتشتت ، والبعض يلملم قواه سواء من التيارات السياسية أو الوطنى أو السلفيين أو القوى الثورية والليبراليين ، ومن الصعب أن نقيس مدى تأثيرهم لأن المشهد مرتبك وغير واضح المعالم . ويؤكد أن كل ما يشغل جميع الأحزاب المسجلة رسميا الآن هو البحث عن مرشحين على مستوى المسئولية استعدادا للانتخابات القادمة والفوز بأكبر عدد من المقاعد والكل فى انتظار قانون الانتخابات لأنه الشغل الشاغل لجميع التكتلات الحزبية الآن خلال الماراثون السياسى . ويطرح رئيس حزب الإصلاح رؤيته فى المشهد الراهن قائلا: إن مسألة ملء الفراغ تحتاج إلى أن تصل الأحزاب إلى المواطن من أقصر الطرق ، بمعنى أن يكون لها دور فى الحياة السياسية ، وتهتم بمحدودى الدخل وتتبنى مشاكلهم وتسهم فى حلها، لكن للأسف فإن طبيعة المرحلة الحالية والظروف الاستثنائية وضيق الوقت وما يحدث من تربيطات وتنسيق وتحالفات هو ما يؤثر بشكل عام على الدور السياسى المنوط به الحزب . وتوقع السادات خروج عدد من القوى السياسية من تراك العمل السياسى أو دمج بعضها مع الآخر إذا تطابقت أهدافهما، لأننا نعيش الآن مرحلة اقتناص الفرص ثم ننتقل إلى فترة الهدوء والبناء. ويقول الدكتور كمال حبيب المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية إن الفراغ السياسى الموجود الآن أكبر من القوى الثورية أو التيارات المختلفة لأن الثورة أفرزت تطلعات ضخمة جدا وآمالا، فلا توجد برامج حزبية لدى أى قوى تقليدية لكى تملأ الفراغ السياسى . ويضيف أن الأحزاب لا تزال حتى الآن غير قادرة على مواجهة الشارع بمعنى أنها بلا حضور ملموس على أرض الواقع، كما أن أداءها ضعيف جدا بسبب حداثة عهد معظمها وعدم وجود كوادر وقيادات مؤهلين قادرين على الاقتراب من مشاكل المواطن. ويوضح حبيب أن سبب ذلك يرجع إلى طبيعة النظام البائد الذى كان يحدد تحركات الأحزاب ويعمل باستمرار على تهميش دورها فى المجتمع ، مما أدى إلى غياب القوى التى تستطيع ملء الفراغ السياسى فى المجتمع. ويؤكد أنه تم تجريف الحياة السياسية وإضعاف الحركة الحزبية تماما ، ولم يسمح لأى حزب سياسى معارض بأن يكون معارضا ومنافسا حقيقيا وفى حالة ظهور أى بوادر لظهور حزب قوى يتم اختراقه وتفكيكه وتلفيق التهم لقياداته. ويرى الدكتور عمار على حسن الباحث فى علم الاجتماع السياسى أنه لكى يتم ملء الفراغ السياسى لا بد من معرفة البديل ؟ وما هى القوى السياسية المدنية المنظمة والقادرة التى بوسعها أن تقنع المواطنين بأنها جديرة بحيازة السلطة فى الفترة المقبلة ؟ ويطرح عمار رؤيته قائلا : الفراغ السياسى مسئولية التيار المدنى بالأساس، الذى لم يعد أمامه سوى طريق واحد وهو التوحد حول مبادئ ومطالب الثورة، وإن لم يتوحد التيار الديمقراطى المرتبط بالثورة والمدافع عن المصالح الوطنية فى هذه اللحظة الفارقة ليملأ هذا الفراغ، فعلى مستقبل هذا التيار السلام. وكشف الباحث السياسى عن أن التيار المدنى خرج من الموجة الأولى للثورة دون أن يتخلص من أمراضه التى عانى منها فى العقود الماضية، مثل غياب التنظيم القوي، سواء عبر الأحزاب أو الحركات الجديدة، وعدم وجود شبكة اجتماعية راسية على الأرض، وضعف التمويل وتهالكه. ويوضح أن الأحزاب المدنية التى رأت النور فى ركاب الثورة لاتزال هشة وبلا قواعد جماهيرية عريضة، وفشلت، حتى الآن، فى استغلال النزوع الشديد إلى المشاركة السياسية الإيجابية عقب الثورة، وبعد موجاتها الثلاث. ويرى الباحث السياسى أن المستقبل فى مصلحة التيار المدنى بشرط أن يعى هو ذلك ويعمل من أجله بأسلوب علمى يتسم بالجرأة ويمتلك المغامرة ويراهن على تعزيز الثقافة المدنية بين الناس، ويدرك بشكل جلى مدى انهيار الشعبية الذى يعانى منه الإخوان وأتباعهم بشكل جارح، والفراغ الناجم عن هذا، وكيف يمكن ملؤه، لكن تقدم المدنيين مشروط أكثر بترسيخ الآليات التى تضمن تكافؤ الفرص بين المتنافسين السياسيين وتداول السلطة، وضمانات صارمة لنزاهة الانتخابات وحريتها وشفافيتها واستقلالية الجهة التى تشرف عليها. على أن يتم هذا فى إطار الكفاح من أجل المبادئ الأساسية المرتبطة بصيانة الحريات العامة وتحقيق العدل الاجتماعى والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات، وإعلاء قيمة الاستحقاق والجدارة.