يخوض التيار الليبرالى معركة صعبة فى الشارع المصرى، استعدادا لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، فى ظل اتهامات تلاحقه بالعلمانية والبعد عن الدين من قبل التيار الدينى ويقف حزب المؤتمر مدافعا عن الليبرالية، كما يقول الدكتور صلاح حسب الله نائب ريس الحزب، معتبرا أن غالبية المصريين ليبراليون لأنهم يتسمون بالوسطية والاعتدال، وأن الظروف الحالية تفرض توحد هذا التيار وخوضه الانتخابات بقائمة واحدة لقطع الطريق على التيار الراديكالى من جماعة الإخوان وحلفائهم للعودة مرة أخرى وإلى نص الحوار: ما رؤية التيار المدنى للمرحلة الحالية خصوصا أن الإسلاميين يصفون هذا التيار بالعلمانية والعداء للدين، وكيف ستقدمون أنفسكم كبديل حقيقى فى الشارع المصرى؟ أولا نحن الآن فى حالة استثنائية فى تاريخ مصرالحديث وذلك عقب إسقاط حكم يمينى متشدد يعتمد على المتاجرة بالدين ومغازلة عواطف الشعب المصرى الدينية، وهو شعب بطبيعته متدين والدين هو أيقونة هذا الشعب وذاكرته الحضارية، والبعض كان يدعى أن التيار المدنى هو تيار يتصف بالعلمانية أو البعد عن الدين، ولاشك أن هذا الادعاء باطل تماما والحقيقة أن التيار المدنى أكثر تدينا وفهما للدين من هذا التيار المتأسلم الذى يرتدى ثياب الدين للوصول إلى السلطة. وهذا التيار المدنى هدفه الحفاظ على جينات مصر الحضارية الموروثة منذ أجيال بعيدة التى تتسم بالوسطية والمدنية والاعتدال، فالمواطن المصرى ببساطته تجده ما بين المقهى والمسجد وما بين أداء الواجب فى الأفراح والإنصات للتلاوة فى المعازى، تلك هى تركيبة المواطن المصرى الوسطية ودورنا كتيار مدنى أن نحافظ على هذه التركيبة، لذلك يجب أن نقدم أنفسنا كتيار مدنى فى الفترة الحالية كبديل حقيقى وظهير سياسى يستطيع أن يحكم بكفاءة عالية. وهذا يلقى عبئا كبيرا على التيار المدنى لأنه إن لم يتوحد هذا التيار سنعيد المشكلة ويتم تسليم مصر للتيار المدعى دينيا، فنحن لدينا تحد كبير جدا ولابد أن تتفق غالبية الأحزاب المدنية على خوض الانتخابات المقبلة فى إطار تحالف قوى له رؤية واضحة وبرنامج وأهداف محددة وطريقة وآليات تنفيذها، وأن تتفق على مرشحين متفق عليهم داخل التحالف، ولديهم رصيد شعبى يمكنهم من الفوز فى الدوائر الانتخابية، فالبرلمان المقبل مفصلى فى تاريخ مصر الحديثة وهو الذى سيؤسس للحياة التشريعية عقب ثورة 30 يونيو وسيراجع القوانين القائمة وفقا للدستور الجديد عقب الاستفتاء عليه شعبيا ونجاحة بنسبة كبيرة. هل يستطيع التيار المدنى ملء الفراغ السياسى الذى خلفه سقوط الوطنى والإخوان، خصوصا أن ذلك مرتبط بالجانب الخدمى الذى نجحت فيه جماعة الإخوان وهل ستنجحون فى هزيمة مرشحى الزيت والسكر؟ أتصور أننا عقب ثورتين، فالتغيير أصبح فرضا على الأحزاب لأن المجتمع تغير خصوصا فى المجال السياسى، وحتى مواطن الزيت والسكر الذى لعبت عليه هذه التيارات قد تغير، فهو الذى خرج فى 30 يونيو لإسقاط جماعة الإخوان المتأسلمين لأنه أدرك أن هؤلاء لا يفرقون كثيرا عن غيرهم بل زادوا من معاناته، خصوصا أن كل الخدمات والسلع زادت فى زمن مرسى بصورة كبيرة بما فيها فواتير الكهرباء والمياه والغاز وغيرها. وحتى المشروع الإسلامى الذى تحدثت عنه جماعة الإخوان لم يروا منه شيئا بل العكس فقد تم إصدار تراخيص للبارات والخمارات والملاهى الليلية لثلاث سنوات بعد أن كانت تجدد كل عام، فالمواطن المصرى تغير بالفعل وأصبحت لديه القدرة على الفرز الجيد من بين المعروض عليه، ومن المهم جدا الجانب الخدمى للأحزاب السياسية التى يجب أن تلامس الأرض وتعيش الواقع المجتمعى الصعب حاليا على المستوى الاقتصادى والاجتماعى. والخطوة الأولى لنجاح هذه الأحزاب هو البرلمان، فالمواطن لديه استعداد أن يعطى تلك الأحزاب فرصة واحدة ليس أكثر لأننا وطن على المحك فليست لدينا رفاهية أو ترف المخاطرة بمستقبل مصر من جديد والخوض فى تجارب يدفع ثمنها الشعب المصرى من استقراره وأمنه، لذلك يجب أن تتوحد تلك الأحزاب وتتحالف لأنها عندما تتجمع ستصنع رقما قويا وستؤثر بالخدمات فى الشارع وستنجح فى نقل صوت المواطن للمسئولين التنفيذيين والحكومة. والحقيقة أن هذه الأحزاب معذورة لأنها حديثة العهد فمعظمها نشأت بعد ثورة 25 يناير، وهى ليست أحزاب حكومة لكى تتمتع بمميزات الحكومة، فهى أحزاب ناشئة ميزتها أنها نشأت من حضن المجتمع والشارع المصرى وليست أحزابا ناشئة من رحم السلطة كما كان الوضع من قبل، والحقيقة أن تلك الأحزاب لا تملك الإمكانات المادية التى تمكنها من الانتشار لأداء دورها من خلال نشر برامجها وافتتاح مقرات لها فى كل مكان. والحكومة لا تدعم تلك الأحزاب كما كان من قبل، بل تعتمد فى تدبير مواردها على الجهود الذاتية وتبرعات أعضائها وحتى رجال الأعمال المنتمين للأحزاب يتحسسون خطاهم فى الظرف الراهن، لأن المشهد فيه كثير من الضبابية والترصد فنحن نعانى لكى نحصل على دعم مالى يستطيع أن يجعلنا أكثر ديناميكية وحركة على أرض الواقع، فالمهمة صعبة وبدون الوجود مع الناس وخلق كوادر من القاعدة الشعبية لن تستطيع تلك الأحزاب أن تنافس وتحصل على أغلبية. حزب المؤتمر عضو فى جبهة الإنقاذ التى تمثل تجمعا لعدد كبير من الأحزاب الليبرالية واليسارية هل ستستمر الجبهة أم أن الانتخابات ستفتتها فى ظل الصراع الحزبى للفوز بمقاعد البرلمان؟ ومتى يتم اندماج الأحزاب ذات الرؤية المتشابهة خصوصا التيار الليبرالى الذين تنتمون إليه؟ أتصور أن الاندماج الحزبى ضرورة، لكنه سيحدث عقب الانتخابات البرلمانية وليس قبلها فنحن لا نملك الوقت ولا الإمكانيات التى تجعل الاندماج ممكنا بصورة حقيقية دون مشكلات فبعد الانتخابات البرلمانية ستظهر ملامح الخريطة السياسية والحزبية فى مصر والأحزاب التى استطاعت برغم الظروف الصعبة أن تضع قدميها بشكل مناسب فى البرلمان، فبعد وضوح الرؤية يمكن أن ينتج عن هذه الخريطة حزب كبير قوى يملك أغلبية فى البرلمان ويضم له الأحزاب التى لم توفق فى حصد مقاعد ويستطيع تشكيل حكومة ببرنامج حزبى. فالحقيقة أنه من الصعب أن يكون فى مصر أكثر من مائة حزب سياسى لا يستطيع حتى المهتم بالشأن السياسى تذكر أغلبها، ففى كل التجارب الديمقراطية الحديثة هناك حزبان يتبادلان موقع السلطة مثل الجمهورى والديمقراطى فى أمريكا والعمال والمحافظين فى بريطانيا، وهكذا يجب أن يكون فى مصر والناخب هو من يختار، لكن من الصعب على الجمهور أن يختار من بين مائة حزب. ماذا عن التنسيق داخل جبهة الإنقاذ؟ وهل ستنجح الجبهة فى تقديم قائمة موحدة أم أنها فى طريقها للتفتت مع اقتراب الانتخابات البرلمانية وخطورة ذلك فى عودة تيار الإسلام السياسى للحكم؟ بالفعل .. حقيقة وبكل صدق هناك مشكلة فى خوض جبهة الإنقاذ للانتخابات بقائمة موحدة، فهناك بعض الأحزاب التى تصر على الحصول على حصة أكبر باعتبارها صاحبة التمويل الأكبر أو الأكثر انتشارا بالمحافظات، كما نجد أن بعض أحزاب اليسار داخل الجبهة مثل الكرامة والتحالف الشعبى وحتى التيار الشعبى برغم أنه ليس حزبا تتحدث عن قائمة منفصلة ستجمع هذا التيار وبالنسبة للأحزاب الليبرالية الأمر كذلك ثم نسمع أن الوفد سيخوض الانتخابات منفرد، المهم هناك بوضوح إشكالية لخوض أحزاب جبهة الإنقاذ للانتخابات البرلمانية تحت راية الجبهة فى قائمة واحدة. وبرغم هذه الإشكالية فنحن فى حزب المؤتمر لدينا تفاهم بشكل كبير من الأحزاب الليبرالية مثل المصريين الأحرار وحزب الحركة الوطنية وحزب الجبهة الديمقراطية وبعض الأحزاب الأخرى والباب مفتوح لكل الأحزاب المدنية فنحن نجتهد لإنجاح هذا التحالف دون النظر لعدد المقاعد أو الحصة الانتخابية. ماذا عن النظام الانتخابى الذى تركه الدستور للمشرع ليختار المناسب ما بين الفردى أو القائمة ورؤية الأحزاب للنظام الأنسب لمصر فى الفترة الحالية؟ هذا يأتى أيضا فى السياق الذى تحدثنا عنه والمصالح الحزبية الضيقة دون النظر لخطورة المرحلة الحالية وعدم انتهاء الصراع بين التيار المدنى والراديكالى وقولا واحدا نحن مع النظام الفردى، وللأسف فنحن نرفض موقف حزب الوفد والحزب المصرى الديمقراطى بقيادة محمد أبوالغار وإصرارهما على الانتخابات بنظام القائمة، بدعوى أن الفردى سيأتى بالعصبيات والقبليات والفلول وهذا كلام غير واقعى أو صحيح، فالقائمة ستأتى بالإخوان والجماعات الدينية إلى البرلمان بنسبة كبيرة وهما يعلمان ذلك كما يعلمان أنه ليست لهما حظوظ كبيرة إلا فى إطار القائمة. والفردى أصعب على تلك الأحزاب فى أن يكون له مرشح فردى قوى وقادر على الفوز فى معظم الدوائر، فهذه الأحزاب لا تجد لنفسها فرصة إلا فى إطار القائمة برغم أن الإصرار على القائمة يمكن أن يضيع وطنا من جديد. ونحن فى حزب المؤتمر أخذنا قرارا لخوض الانتخابات بالفردى وذلك بناء على دراسة متأنية للواقع السياسى والحزبى فى كل الدوائر ووجدنا عدة أمور أهمها أن تيار الإسلام السياسى لديه كتلة تصويتية معينة فى كل دائرة صغيرة ونظام القائمة يضم عددا من تلك الدوائر وعند تجميع تلك النسبة، والكتل تصبح رقما يجب أن يمثل ولكن الكتلة الصغيرة فى الدوائر الفردية يمكن أن تضعه فى المنافسة لكن لا تستطيع أن تنجحه. الأمر الثانى هو أننا منذ ثلاث سنوات وليست لدينا مجالس محلية تمارس دورها الخدمى فى توفير الخدمات والمرافق للمواطن المصرى، كما أن مجلس النواب الذى سيطر عليه الإسلاميون لم يكن معبرا عن الواقع، فلو أجرينا استطلاع رأى فى الدوائر عن النواب فلا تجد حتى من يعرف أسماءهم. الأمر المهم أيضا أن ولاء النائب يكون لمن أتى به، وفى نظام القائمة يكون الولاء للحزب الذى وضعه على رأس القائمة بينما فى الفردى، فيكون الولاء للناخب ويجعل النائب أكثر ارتباطا بالدائرة وأقرب شعبيا للجمهور، كما أن ثقافة الناخب المصرى أقرب للفردى الذى تعود عليه لفترة طويلة. وعندما تبحث عن مرشحى القوائم فى البرلمان السابق تجد أن الأحزاب أتت برؤوس العائلات والعصبيات على رأس القائمة والناخب صوت لمن على رأس القائمة بغض النظر عن برنامج الحزب لكل هذا فنحن مع الانتخابات بالنظام الفردى. كيف ترى كوتة العمال والفلاحين وغيرها وأثرها على الانتخابات؟ فى الحقيقة لا يوجد تمييز إيجابى أو سلبى فالتمييز تمييز، لكن عندما يصادف قبولا من جانب البعض يقول إنه إيجابى برغم أننا بعد الثورة يجب ألا يكون هناك تمييز لأى شخص أو فئة بل تكون المنافسة على أرضية واحدة، ولاشك أن نسبة العمال والفلاحين خلال 60 سنة لم تكن للعمال أو الفلاحين، ورأينا رجال أعمال وضباطا وباشوات بصفة الفلاح فالنسبة لم تنتج تمثيلا حقيقيا لهم. والسؤال: لماذا نصادر على حق المواطن صاحب الحق الأصلى فى الاختيار والتمييز، وهو لديه القدرة على الفرز واختيار من يمثله ويعبر عن مصالحه بعيدا عن الفئوية؟ حزب المؤتمر منذ تشكيله وهو لديه ارتباط ببعض قيادات الوطنى السابقين، كيف ترى هذا وموقفه على رصيد الحزب فى الشارع؟ حزب المؤتمر مكون من عدة أحزاب ومن بينها حزب المواطن المصرى الذى أرأسه ومنذ اليوم الأول لتشكيل الحزب عقب تنحى مبارك فى 11 فبراير2011 قلت إن حزب المواطن المصرى بابه مفتوح لكل الشرفاء من الحزب الوطنى، وكنت أحارب لأقول إن الحزب الوطنى لم يكن كله فاسدا فهناك فى الحزب الوطنى أشرف من كثير من المعارضين، فنحن ليس لدينا تلك العقدة النفسية والحزب مفتوح للجميع وبينهم قيادات الوطنى السابقين الذين نعرف سيرتهم الذاتية وأنهم لم يتربحوا من البرلمان والحزب بل كانوا يصرفون من جيوبهم، وهم فى الحقيقة لديهم عصبيات ورصيد فى دوائرهم أكثر من غيرهم والعبرة بالناخب الذى سيقول من هو النائب الذى يمثله. هل ترى أن هناك حالة من النفاق السياسى لدى البعض سواء للثوار أو لغيرهم؟ تلك ظاهرة حقيقية وفى كل عهد سياسى، هناك نوعية من البشر حملة المباخر وحملة الحقيقة والأولى تضبط بوصلتها على من فى السلطة وبعض القيادات الحزبية حملت المباخر لمرسى، وقبله للمجلس العسكرى، والآن هم حملة المباخر للسلطة القائمة، برغم أن غالبية المصريين لديهم رغبة حقيقية فى ترشيح هذا الرجل فهم لديهم رابط عاطفى وإنسانى مع الفريق السيسى، ولكن على الجانب الآخر نرى البعض يقوم بحملات تجميلية لأصحابها وليس للرجل، ولا شك أن الفريق السيسى وأنا أعرفه منذ أن كان مديرا للمخابرات، من أكثر الرافضين لهؤلاء وهو يشمئز من المنافقين.