إن المسار المحتمل للعلاقات المصرية- القطرية، خلال المرحلة المقبلة، هو المزيد من التصعيد، وربما يصل إلى حد القطيعة، لاسيما بعد استنفاذ قطر كل الفرص التي اتاحتها القاهرة. وسحب سفراء البلدين وتبديد جهود الوساطة التي قامت بها بعض الدول الخليجية مثل الكويت، للتخفيف من حدة الهجوم القطري على مصر بعد انهيار نظام حكم الإخوان، واستمرارها في سياستها التدخلية في شئون البلاد، بأشكال مختلفة مثل تحريض قناة الجزيرة ضد قوات الجيش والشرطة، وفتاوي الشيخ يوسف القرضاوي المنددة بالسلطة الانتقالية، وإيواء الإخوان والإسلاميين الهاربين، ودعم منظمات أجنبية لتأليب الرأي العام العالمي ضد مصر، على نحو حول المواجهة بين الدوحةوالقاهرة، التي حاولت الأخيرة تأجيلها أو تفاديها طيلة الشهور التسع الماضية، من التوتر المكتوم إلى الخلاف شبه المعلن إلى العداء الصريح، سواء عبر الأجهزة الرسمية أو القنوات الإعلامية أو النخب الثقافية أو قطاعات الرأي العام. فقد مرت العلاقات المصرية القطرية مرت بمأزق حقيقى على المستوى الرسمى بعد سقوط نظام الإخوان وعلى المستوى الشعبى أثناء حكم الإخوان، حيث تولد تأكيدا لدى شرائح مختلفة من الرأى العام والنخبة فى مصر بأن المشروع القطرى هو مشروع إخوانى بالأساس، تدعمها قوى إقليمية مثل تركيا وقوى دولية وهى الولاياتالمتحدة، غير أنه من الواضح أن استمرار دعمها لحكم الإخوان ليس فى مصر وإنما فى الدول العربية إلى المزيد من تباعدها عن التيارات السياسية والقوى المجتمعية الأخري، وهو ما عبر عنه أمير قطر تميم بن حمد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نهاية سبتمبر الماضى «إن ثورات الربيع العربى تواجه صعوبات، تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، وهناك محاولات من النظم القديمة لإعادتها». القطيعة المؤجلة ومن هنا، فإن واحدا من الاسئلة المركزية «الافتراضية» التى يفترض الاستعداد للإجابة عنها، خلال المرحلة المقبلة، تلك التى تتعلق بالتداعيات الناجمة عن تدهور العلاقات بين قطر ومصر فى حال تنفيذ خيار «القطيعة المؤجلة»، والتى تتمثل فى تلك النقاط على النحو التالي: الاتجاه لعزلة قطرية فى المنطقة العربية: إن واحدا من التأثيرات الناتجة لقطع العلاقات المصرية القطرية، فضلا عن التدهور الحادث فى العلاقات الخليجية القطرية، مع إمكانية سحب اليمن القائم بالأعمال فى الدوحة على خلفية استمرار الأخيرة فى دعم جماعة الحوثيين، مثلما كان الدور القطرى واضحا فى دعم قوى المعارضة الداخلية لعدد من النظم السياسية الحاكمة فى دول الثورات العربية، وهنا فإن المواقف المصرية والخليجية سوف تشجع دول أخرى على انتهاج هذا المسلك فى حال ما إذا ثبت الدعم القطرى لجماعات داخلية، مما يمس أمن واستقرار هذه الدولة. كما أن هذه العزلة سوف تؤدى إلى ضعف الحضور القطرى سواء فى الاجتماعات الخاصة بجامعة الدول العربية أو حتى نشاطها فى المنظمات العربية المتخصصة، وهو ما يقود فى التحليل الأخير إلى انتهاء “الحقبة القطرية” فى السياسة العربية. دعم الإرهاب عدم تنفيذ قطر لبنود الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب: إن واحدا من الاحتمالات المطروحة لانقطاع العلاقات المصرية القطرية وتدهور العلاقات الخليجية القطرية هو انسحاب قطر من الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، غير أنه قد يكون خيارا مستبعدا، باعتباره دليل على دعم قطر للعناصر الإرهابية. على جانب أخر، فإن التزام الدول الموقعة على الاتفاقية بتطبيق القرار المصرى بتسليم شخصية مثل عاصم عبدالماجد يتوقف على هذه الدول ذاتها، نظرا لوجود فجوة كبيرة بين القانون وتطبيقه. ويضاعف من هذا الاحتمال هو إدراج المملكة العربية السعودية لجماعة الإخوان كجامعة إرهابية مثل تنظيم داعش وحزب الله السعودى والقاعدة والحوثيين، وهى أغلب الجماعات والحركات التى تدعمها الدوحة، سواء فى مصر أو اليمن أو سوريا. فضلا عن ذلك، تزداد إشكالية العلاقات المصرية القطرية تعقيدا لاسيما مع طرح وزير الخارجية المصرى السفير نبيل فهمى فى اجتماع وزراء الخارجية العرب فى 13 مارس الجارى مبادرة لمواجهة الإرهاب مكونة من ست نقاط، هى تجريم إيواء الإرهابيين، وتسليم المطلوبين للعدالة، وعدم تقديم الدعم المالى والسياسى للمنظمات والجماعات الإرهابية، وضرورة الدعم الكامل للتحقيقات القضائية التى تجري، والدعوة لعقد اجتماعى فورى مشترك لوزراء العدل والداخلية العرب باعتبارهما الجهة المنوط بها تنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، على نحو يشير إلى رغبة القاهرة لحصار التحرك القطرى لدعم الإخوان. شبح العودة تزايد أعباء العمالة المصرية العائدة: إن إحدى السيناريوهات المتوقعة فى حال قطع العلاقات بين القاهرةوالدوحة، هو قيام بعض مؤسسات الدولة القطرية بترحيل أعداد كبيرة من العمالة المصرية، والتى تصل – وفقا لبعض التقديرات غير الرسمية- إلى مائة ألف (وإن كان عدد المصريين المتواجدين فى قطر المسجلين فى كشوف الناخبين يبلغ 42 ألف مصرى خلال مرحلة الاستفتاء على الدستور فى منتصف يناير الماضى وفقا لتصريح السفير المصرى فى الدوحة محمد مرسي)، وإن كان أعداد الجالية المصرية فى قطر تقل عن مثيلاتها فى المملكة العربية (مليون على الأقل) والكويت (500 ألف) والإمارات (242 ألف) بدرجة كبيرة. وما يبرر هذا السلوك هو ما حدث بالنسبة للعمالة المصرية فى قطر فى نهاية عام 1997 فى أعقاب تدهور العلاقات المصرية القطرية على خلفية رفض القاهرة انعقاد المؤتمر الاقتصادى للشرق الأوسط فى الدوحة بما قد يشكل عبئا على البلاد فى حال عودة بعض منها إلى الوطن الأم، لاسيما فى ظل تعقيدات الأزمة الاقتصادية وتبعات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر وتأثر قطاع من الأسر المصرية التى تعيش على التحويلات المالية من الدوحة، لدرجة أن الدكتور جمال حمدان كان يطلق على تحويلات المصريين المغتربين بعمليات «نقل الدم» لشرايين الوطن فى لحظات معينة. انتهاء القطرنة تأثر الاستثمارات القطرية فى القاهرة: على الرغم من التصريحات التى تشير إلى عدم تأثر المشروعات الاقتصادية والاستثمارات التجارية بالخلافات السياسية بين البلدين، غير أن هذا التوجه سوف يتراجع، على الأقل بسبب المحدد النفسي، بل قد نشهد حل لمجلس الأعمال المصرى القطري، وإن كانت الحكومة المصرية تردد دائما بأنها لا تكن أى عداء للمستثمر القطرى فى حال احترامه للقانون المصرى الخاص بالاستثمار الأجنبي. ومن هنا، قد يحدث تحولا خليجيا، وخاصة من جانب السعودية والإمارات إزاء مصر من تقديم المساعدات إلى جذب الاستثمارات وطرح المشروعات، بعد انتهاء ما أطلق عليه “قطرنة” السوق المصرى خلال عام من حكم الإخوان المسلمين. تراجع العلاقات على المستويات الشعبية: إن ازدياد التوتر الناجم عن قطع العلاقات (فى حال حدوثه) بين مصر وقطر سوف ينتقل من المستوى الرسمى ليتم استيعاب جانب كبير منه على المستوى الشعبى وخاصة لدى جماعة المصالح الاقتصادية والمؤسسات الثقافية والقنوات الفضائية والمواقع الالكترونية، وهو قد يصل إلى حد “الكراهية المجتمعية”. ويوجد رصيد من هذه الكراهية لاسيما بعد محاولة التدخل القطرى فى الشأن الداخلى المصرى منذ ثورة 25 يناير، مرورا بفترة حكم المجلس العسكرى وتوغله فى مرحلة حكم الإخوان بل ومحاولة تصدير الفوضى خلال المرحلة الانتقالية الحالية بسبل شتي. خلاصة القول إن هذه واحدة من السيناريوهات المتخيلة لتداعيات صدور قرار سيادى بقطع العلاقات الثنائية فى لحظة ما، لاسيما وأن سلوكيات الطرفين تتجه إلى التصعيد، وخاصة من قبل الدوحة، بعد التصريحات الصادرة عن وزير الخارجية القطرى د.محمد بن خالد العطية فى مؤخرا فى معهد الدراسات السياسية بباريس مؤخرا أن الدول ليست محافظات حتى لا يكون لها الحق فى إبراز توجهاتها الخارجية، وأن استقلال السياسة القطرية أمر غير قابل للتفاوض، بما يشير إلى أن المسار الأكثر ترجيحا للحدوث هو جمود يقود إلى قطع العلاقات المصرية القطرية.