طلاب جامعة حلوان الأهلية يشاركون في اليوم العلمي لقسم المواد الحيوية    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الفصل الدراسي الثاني لعام 2025    «البترول» تكشف حقيقة وجود تسريب في خط غاز بمدينة 6 أكتوبر    "اتصالات النواب" توافق على موازنة القومي لتنظيم الاتصالات بزيادة 35%    ترامب يحث أوكرانيا على المشاركة في محاثات سلام مباشرة مع روسيا    طارق حامد يقود ضمك ضد الرائد في الدوري السعودى للمحترفين    آلاف يتظاهرون في عدة مدن ألمانية تنديدا باليمين المتطرف وحظر البديل    برشلونة يحسم الكلاسيكو بانتصار تاريخي أمام ريال مدريد    أنشيلوتي: نافسنا برشلونة القوي ولكن الهزيمة أنهت آمال الليجا    السيطرة على حريق بعمارة النساجون في تلا بالمنوفية دون خسائر بشرية    إصابة طالبة سقطت من الطابق الثالث داخل مدرسة فى بشتيل بالجيزة    له نصيب من أسماء أعماله.. بطل فيلم "ضاع العمر يا ولدي".. محمود عبد العزيز وبوسي شلبي.. محطات الرحلة ما بين الحب والزواج.. إلى تتر نهاية في غياب البطل    جيش الاحتلال: نقل لواء المظليين من الجبهة السورية إلى غزة لتوسيع الهجوم    النائب محمد طارق يكشف كواليس إقرار قانون تنظيم الفتوى    إصابة 20 طالبة بالإغماء أثناء امتحان عملي بجامعة بنها نتيجة ارتفاع درجات الحرارة    فتحي عبدالوهاب ضيف لميس الحديدي في "كلمة أخيرة" الثلاثاء المقبل    فرص مفاجئة.. اعرف حظ برج الجوزاء في النصف الثاني من مايو 2025    محامية: نشوز الزوج يمثل خطرًا كبيرًا على تماسك الأسرة    أمينة الفتوى: يجوز للمرأة الحائض أداء جميع مناسك الحج عدا الطواف    حملات مكثفة لإزالة الإشغالات والتعديات بمدينة العاشر من رمضان    محافظ أسوان يوجه للإسراع بإستكمال المشروعات المدرجة ضمن خطة الرصف بنسبة 98 %    وزير الخزانة الأمريكي: أحرزنا تقدما ملموسا في المفاوضات التجارية مع الصين    انتشال جثمان شاب غرق في بحر طنوب بالمنوفية ونقله إلى مستشفى تلا    تفاصيل ضبط المتهم بالتعدي على الكلاب الضالة في البحيرة    كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على صحة العيون؟    غدا.. رئيس الوزراء اليوناني يلتقي نظيرته الإيطالية في روما    الصور الأولى من فيلم هيبتا: المناظرة الأخيرة    جنى يسري تتألق وتحرز برونزية بطولة العالم للتايكوندو للناشئين تحت 14 سنة    جامعة القاهرة تبدأ استعداداتها لاستقبال مكتب تنسيق القبول بالجامعات والمعاهد    طرح 3 شواطئ بالإسكندرية للإيجار في مزاد علني| التفاصيل والمواعيد    مصدر مقرب من اللاعب ل في الجول: عمر فايد يرغب باستمرار مشواره الاحترافي    "ليسيه الحرية" يشهد حفل افتتاح الدورة الرابعة من مهرجان المسرح العالمي    الرواق الأزهري للطفل والأسرة بمركز شباب العطوي يواصل فعالياته التوعوية في دمياط    هشام أصلان يرصد تجربة صنع الله إبراهيم ومحطات من مشروعه الأدبي    رئيس ائتلاف ملاك الإيجارات القديمة يرفض مشروع قانون الحكومة    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع سير منظومة العمل بملف التصالح بالمركز التكنولوجي في الواسطى    الخلط والخطأ «2»    انطلاق قافلة دعوية مشتركة بين الأزهر الشريف والأوقاف    خلف الزناتي: تنظيم دورات تدريبية للمعلمين العرب في مصر    مسؤولون أمريكيون: هناك خلافات بين ترامب ونتنياهو بشأن التعامل مع قطاع غزة وإيران    محافظ الشرقية يشهد حفل أداء القسم لأطباء الأسنان دفعة 2023    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    وفاة سيدة أثناء ولادة قيصرية بعيادة خاصة فى سوهاج    وزير الخارجية: إصلاح مجلس الأمن ضرورة ونتشبث بالموقفين الإفريقي والعربي    خبر في الجول - عمر خضر يقترب من الغياب أمام غانا بسبب الإصابة    تأجيل محاكمة 41 متهم ب "لجان العمليات النوعية بالنزهة" استهدفوا محكمة مصر الجديدة    وزير الخارجية يؤكد على موقف مصر الداعي لضرورة إصلاح مجلس الأمن    جامعة بني سويف الأهلية تشارك في الملتقى الأول لمراكز قيادات الجامعات    ممدوح عباس يعلن.. وصول توني بيوليس للقاهرة لدارسة إمكانية التعاون مع الزمالك    ارتفاع كميات القمح المحلي الموردة للشون والصوامع بأسيوط إلى 89 ألف طن    محافظ الدقهلية يحيل مدير مستشفى التأمين الصحي بجديلة ونائبه للتحقيق    ماذا يحدث للشرايين والقلب في ارتفاع الحرارة وطرق الوقاية    عاجل- البترول تعلن نتائج تحليل شكاوى البنزين: 5 عينات غير مطابقة وصرف تعويضات للمتضررين    ضبط 575 سلعة منتهية الصلاحية خلال حملة تموينية ببورسعيد -صور    جامعة القناة تنظم برنامجا تدريبيا حول استخدام لغة الإشارة مع الأميين من ذوي الهمم (صور)    ما حكم من نسي الفاتحة أثناء الصلاة وقرأها بعد السورة؟.. أمين الفتوى يجيب    حياة كريمة بالإسماعيلية.. الكشف على 528 مواطنا خلال قافلة طبية بالقصاصين    سامي قمصان يتحدث عن.. رحيل كولر.. المشاركة في كأس العالم للأندية.. وفرصة عماد النحاس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نوح».. طوفان جديد للمصادرة
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 03 - 2014

إن القضاء على كتاب جيد يعادل قتل إنسان تقريباً، بل هو أسوأ أيضاً على نحو ما، لأن مَن يقتل رجلاً، يقتل كائناً مفكراً صوره الله، لكن مَن يقضى على كتاب جيد، يقتل الفكر ذاته، ويقضي- أكاد أن أجزم- على جوهر تلك الصورة الإلهية.
هكذا عبر الشاعر الإنجليزى جون ميلتون عن رؤيته تجاه مصادرة الأعمال الفكرية، والإبداعية، هذه الرؤية التى أحدثت اتفاقاً بشأنها بين عموم المفكرين، والمثقفين فى العالم، غير أن هذه المقولة التى باتت من قبيل المسلمات، أضحت فى مهب الريح لدينا إزاء حالة الانتكاسة التى تشهدها حرية التعبير بين الحين والآخر. من هنا تبدو الأزمة المثارة بشأن الفيلم الأمريكينوح وعرضه داخل قاعات السينما فى مصر استعادة لأجواء كارثية من القمع الجاهز لحرية الرأى والتعبير، خاصة وأن سياقا عاما بدا ملغوما طيلة الوقت بانفجارات شبيهة وعلى مسارات أخرى مختلفة، من قبيل حبس القاص كرم صابر بتهمة ازدراء الأديان، ومنع المطرب الموهوب محمد محسن من الغناء فى احتفالية عيد الفن، ففى اللحظة التى تتطلع فيها الأمة المصرية صوب عالم أكثر حرية وجمالا وإنسانية، تبدو التصورات القديمة الماضوية حاكمة لحركة الحياة لدينا، فتقحم المؤسسات الدينية نفسها على طريقة نحن هنا وتعلن رفضها لعرض فيلم نوح الذى لم ننتجه، وتتعامل معه من منظور أحادى مغلق، فى حين أن العمل الإبداعى ابن قيم التنوع والاختلاف، ومن ثم فالكلمة الأخيرة بإزائه كلمة لم ينطق بها أحد بعد، فهى بنت جمهرة المتلقين على اختلاف تكويناتهم وتنويعاتهم.
من عجب وعبث أن يتبرع أحد الشيوخ مهددا بإحراق دور العرض السينمائية التى سيعرض فيها الفيلم، بما يخلق مناخا من التوتر المعبر عن رغبة عارمة لدى ممثلى السلطة الدينية فى التكريس لواقع رجعى بامتياز تصادر فيه الأعمال الإبداعية وتخنق حرية التعبير، وبما يعيد للأذهان وعلى الفور أزمة مصادرة رواية الكاتب السورى حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر، والتى أشعلها أحد المتثاقفين من التيار المتأسلم وخرجت المظاهرات فى جامعة الأزهر آنذاك لطلبة لم يقرأوا الرواية أصلا لتزيد المشهد الظلامى برمته تعقيدا والتباسا. وكلنا يتذكر محاولة مصادرة مصادرة «ألف ليلة وليلة» أحد أبرز جذور السرد فى العالم والمؤلف صاحب القيمة الإنسانية والفنية الكبيرة، هذه المصادرة الفجة التى حدثت أيضا مع الشاعر الراحل حلمى سالم وقصيدته شرفة ليلى مراد، والتى تعرضت لقراءات متعسفة تحمل الصبغة الدينية من قبل شيوخ تارة، وأنصاف مثقفين تارة أخرى، وأشباه نقاد تارة ثالثة، خلطوا بين المعتقد الدينى وجماليات الكتابة، ونسوا أن الأدب ابن خيال جديد، ولا يحاكم وفق معايير أخلاقية أو دينية، وإنما عبر معايير جمالية مستمدة من الفن ذاته، ومن نظريات النقد الأدبى وتراكمها المعرفى الرصين عبر فلاسفة ومفكرين ونقاد ثقات.
إن محاولة فرض الوصاية الدينية على الأعمال الإبداعية بتنويعاتها المختلفة يهدر قيمة الدستور بالمعنى السياسي، خاصة وأنه ينص على حرية الرأى والتعبير، وتهدر قيمة التنوع فى الإبداع بالمعنى الأدبي، وبما يعنى أن صيغة التحالف المشبوه بين الرجعية والفساد لم تزل مهيمنة على المشهد الراهن على الرغم من قيام ثورتين مجيدتين. لقد وقفت المؤسسة الدينية من قبل موقفا متزمتا تجاه عرض أعمال فنية مثل، الرسالة، وآلام المسيح والفاروق عمر، ويوسف الصديق، وعرضت الأعمال فى نهاية المطاف ونالت نجاحا تستحقه.
الذهنية التى حالت دون غناء محمد محسن فى الأوبرا، هى نفسها التى صادرت حق كاتب قصة فى أن يعبر بفنه عن رؤيته للعالم، وهى نفسها التى تصنع صخبا فارغا حول عرض فيلم سينمائى لدينا، وهى الذهنية المتحالفة مع التيارات الظلامية عبر التكريس لواقع من المصادرة يحوى إقصاء عمديا لقيمة العقل، وتغييبا أشد قسوة لمنحى الاستنارة، ولذا فنحن مطالبون الآن، بأن نبصر ما تحت قدمينا جيداً، انتصارا لثقافة التقدم، فى مواجهة رياح الرجعية العاتية، والتى تهدد ما هو راسخ من حيوات الثقافة، والإبداع، هذه الحيوات التى لا تعترف بالوصفات الجاهزة، ولا تعتد بالرؤى المعدة سلفا، تلك الحيوات التى نتمناها فى أى ثقافة رفيعة لأمة تنظر إلى الأمام، والتى دشنتها أجيال من المبدعين والمفكرين على اختلافهم وتنوعهم الخلاق، إنها الحيوات الحاملة لنا، باحتمائنا بالإنسان وانتصارنا له. هنا وعبر هذا الفهم، نكتشف جوهر المثقف التنويرى الحقيقي، الذى غاب للأسف، أو حورب، أو قمعه المناخ.
أما السؤال عن دور المؤسسة الثقافية تجاه حماية حرية الرأى والتعبير فقد أصبح عبثيا بامتياز، حيث أكلها الصدأ أو يكاد، بل ويعيش بعض الظلاميين فى جوانبها، وقد استراحت للأسف الشديد إلى تحالف الفساد والظلمة!، ومن ثم أضع جمهرة المثقفين أمام مسئولياتهم تجاه مقاومة تيار رجعي، عابث بنا، ومستبد، يحاول التهامنا جميعا لو صمتنا، عاجز عن رفع رأسه إلينا لو قاومنا، حتى يمكننا النجاة من طوفان المصادرة، أملا فى سفينة نوح التى يجب أن تقلنا صوب عالم حر، ونبيل، وتقدمي، تحترم فيه حرية الرأى والتعبير، وتصان، فلا تهدر أو تقتل على مذبح الرجعية.
لمزيد من مقالات د.يسرى عبد الله


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.