تضم 40 مصنعا على مساحة 620 فدانا، لكنها تحولت أخيرا، من قلعة الصناعة المصرية إلى مصدر دائم للاضرابات والاحتجاجات بسبب عدم الاستجابة لمطالبها المشروعة! إنها شركة الغزل والنسيج بالمحلة التى هبت عليه أخيرا رياح الأمل والتفاؤل بعد زيارة رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب الذى رأى البعض فى زيارته وقراراته بوادر لظهور اقتصادى وطنى يدفع الصناعة المصرية للأمام على غرار طلعت حرب، فهل ينجح محلب فى تحقيق طموحات 11 ألف عامل بالشركة؟ أثمرت الزيارة السريعة التى قام بها رئيس مجلس الوزراء، للغزل والنسيج، عن بوادر لوقف خسائر الشركة التى بلغت نحو 48 مليون جنيه، بواقع 4 ملايين عن كل يوم.. أثمرت تهدئة عمال الشركة، وبعثت فى نفوسهم الطمأنينة بأن عهدًا جديدًا لشركة «غزل المحلة» وكذلك 31 شركة أخرى تابعة للشركة القابضة للغزل والنسيج والقطن، قد بدأ.. وأن «روح طلعت حرب» دبَّتْ من جديد فى أرض الميدان الذى يحمل اسمه، والذى يُعَد أشهر الميادين العمالية فى مصر، والذى أطل عليه «محلب» من إحدى نوافذ قاعة كبار الزوار بالمبنى الإدارى ب «غزل المحلة»، محلب حرص على إمداد الشركة بتسعة آلاف طن من القطن، قبل مجيئه إليها، ليرى بعينه عمليتيْ «الغزل والنسج»، ويسمع بأذنه صوت الماكينات، بديلا عن صوت الاحتجاجات، ويلتقى أصحاب الياقات الزرقاء، ويسمع منهم عن كَثَب مطالبهم، واعدًا إياهم بالعمل فورًا على تلبية «المعقول منها»، وقال: أيها العمال، دقَّت ساعة العمل، وحان وقت الإنتاج.. أمهلونى ثلاثة أشهر فقط؛ لتوفير المواد الخام اللازمة لتشغيل الشركة بكامل طاقتها. كلمة السر " الوطنية" ولعل كلمة السر التى حرَّكت عمال «غزل المحلة» فانصرف كل منهم إلى عمله داخل مصنعه، هى «الوطنية» التى جاءت ب»محلب» إليهم، ودفعت «طلعت حرب» إلى إنشاء شركات وطنية برأسمال مصري؛ للتخلص من التبعية. فقبل 87 عامًا، وبالتحديد فى 26 يوليو 1927، أنشأ طلعت حرب شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبري، ضمن 38 شركة وطنية تابعة لبنك مصر، الذى أسسه فى 7 مايو 1920، وتم تأميمه وشركاته عام 1960، لتشهد «الغزل» مع هذا التاريخ، وخلال الحقبة الناصرية، مرحلة جديدة، حيث أصبحت أهم شركات الغزل والنسيج فى الشرق الأوسط.. إلى أن جاءت الحقبة الساداتية، وتم تطبيق سياسة الانفتاح، عقب حرب أكتوبر، فتدهورت أحوال الطبقة العمالية؛ بسبب الارتفاع المتزايد للأسعار، مما أدى إلى إضراب 30 ألف عامل ب»غزل المحلة» عام 1975؛ احتجاجاً على انخفاض الأجور مقارنة بالأسعار، وخرج العمال إلى الشوارع، مرددين هتاف: «بنبيع البدلة ليه.. كيلو اللحمة بقى بجنيه». تاريخ من الإضرابات العمالية وفى عام 1986 قام عمال المحلة بالإضراب عن العمل، مطالبين بإضافة «أيام الجمعة» إلى الراتب، وأغلقت الشركة لمدة أسبوع، ووافقت الحكومة على إضافة «جمعتين» إلى الراتب طوال عام 1986. وفى عام 1988، اعتصم عمال «غزل المحلة» لمدة يومين؛ احتجاجًا على إلغاء «منحة المدارس» التى تمنح للعمال، وتوقف العمل داخل الشركة. ثم جاء إضراب 7 ديسمبر 2006، وتلاه إضراب 23 سبتمبر 2007، والذى استمر لمدة أسبوع، وترتب عليه أن قامت الحكومة بسداد ديون قدرها 952 مليون جنيه، عن «غزل المحلة». خسائر بالجملة وعلى الرغم من ذلك، فقد بدأ نزيف الخسائر يتوالي.. فوفقًا لتقارير الجهاز المركزى للمحاسبات، خلال السنوات السبع الأخيرة، تكبدت شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبري، خسائر بلغت نحو مليار و954 مليون جنيه، بما يعادل 4.5 مثل رأس مالها البالغ 430 مليون جنيه، وفقًا لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، فى 30 يونيو 2013، منها 39 مليون جنيه عام 2007، و145 مليونًا فى 2008، و135 مليون جنيه عام 2009، بالإضافة إلى 122 مليونًا فى 2010، و159 مليون جنيه عام 2011، بالإضافة إلى 343 مليونًا عام 2012، وأكثر من 440 مليون جنيه عام 2013. وأكد «المركزى للمحاسبات» تراكم مخزون راكد خلال مدة زمنية تتراوح بين 20 و7 سنوات، تقدر قيمته بنحو 630 مليون حنيه، الأمر الذى دفع العمال إلى إصدار بيان بعنوان «الحصاد المر» مطالبين الحكومة بسرعة التدخل لوضع حد لهذه الخسائر، مطالبين بضرورة الإصلاح الإداري، بدءًا بإقالة رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، حيث إن سوء إدارته ل «غزل المحلة» كمفوض عام، ثم كرئيس ل «القابضة» كبَّدت الشركة هذه الخسائر. كما طالبوا بضرورة الإسراع بإجراء الانتخابات العمالية، ومن ثَمَّ، انتخابات مجلس الإدارة؛ معللين ذلك بأن شركة فى حجم «غزل المحلة» لا يمكن أن تدار بفكر شخص واحد، وهو الأمر الذى عالجته حكومة «محلب» بشكل مؤقت، فقامت بتعيين أربعة من رؤساء القطاعات بالشركة بمجلس الإدارة لمعاونة المفوض العام فى شئون الإدارة، لحين إجراء الانتخابات. مطالب معقولة وخلال لقاء المهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء عددًا من قيادات «غزل المحلة» تقدم ممثل العمال محمد سند، رئيس اللجنة النقابية بالشركة، بأهم مطالب عمال المحلة، والتى جاءت «معقولة» (حسب قول رئيس الوزراء)، وتمت الاستجابة الفورية لها، وهي: تطبيق الحد الأدنى للأجور، وإعادة هيكلة الشركة، وضخ الاستثمارات الجديدة لتطوير الشركة كخطة عاجلة فى بعض المواقع التى بها اختناقات فى الإنتاج، وهذه الخطة تتكلف نحو 60 مليون جنيه، بالإضافة إلى إعفاء مبلغ حافز الإثابة وقدره 220 جنيهًا من التأمينات؛ و الحرص على تجديد تراخيص سيارات الشركة، مما له أثر فى رفع التكاليف التى تتكبدها الشركة فى تأجير السيارات، وكذلك تطوير القطاع الطبى من معدات وأطباء وهيئة تمريض، وزيادة بدل طبيعة العمل ليكون نسبة من المرتب، وتحديد مواعيد ثابتة لصرف المكأفاة السنوية، على أن تلتزم الوزارة بهذه المواعيد حفاظا على عدم الاضرابات، وتوفير أتوبيسات من مرفق النقل الداخلى لنقل العمال بالورديات الليلية، وتخصيص حصة من المساكن التى تقوم المحافظة بإنشائها، لمعاشات شركة الغزل، وعددهم 700 أسرة؛ حتى يتم إخلاء السكن الإدارى الخاص بالعاملين بالشركة، مما سيكون له أثر واضح فى إتاحة الفرصة لتسكين شباب العمال. وطالب رئيس اللجنة النقابية ب «غزل المحلة» بقيام الحكومة بمساعدة الشركة فى هذه المرحلة الحرجة، بالتنازل عن مديونيات الطاقة والتأمينات، وقدرها نحو 150 مليون جنيه، منها 128 مليونًا مديونيات الطاقة لوزارتيْ الكهرباء والبترول، و22 مليونًا للتأمينات، بما فى ذلك فوائد هذه المديونيات، وهو الأمر الذى يخفف العبء عن الشركة، ويتيح لها الفرصة الجادة للوقوف على قدميها من جديد.. مشيرًا إلى أن العمال لا يحبذون الإضراب وسيلة للحصول على حقوقهم، وإنما يتطلعون إلى حكومة تتفهم مطالبهم، وتمنحهم حقوقهم فى مواعيدها المحددة؛ حتى يستطيعوا مواجهة غول الأسعار الذى يزداد توحشًا، مؤكدين أنهم فى حاجة ماسة إلى العمل؛ لأنه كلما زاد معدل إنتاجهم زاد دخلهم، وحوافزهم.. ومن ثَمَّ، يعيشون حياة كريمة. قلعة صناعية كبري يذكر أن «مصر للغزل والنسيج» تقع على مساحة840 فدانًا، منها 620 مساحة مصانع، و220 فدانًا مساكن عمالية، ويعمل بها حاليًّا 19 ألفًا، و348 عاملا، بنظام الورديات الثلاث، أكبرها عددًا الوردية النهارية (الصباحية) والتى تبدأ فى السابعة والنصف صباحًا، وتنتهى فى الثالثة والنصف عصرًا، ويبلغ عدد العاملين بها نحو 11 ألف عامل. ويتقاضى هؤلاء العمال أجورًا سنوية تقدر بنحو 630 مليون جنيه. وتضم الشركة 40 مصنعًا، منها 12 بقطاع الغزل، الذى يتكون من 8 مصانع للغزل، و4 مصانع للقطن الطبى والأربطة الجراحية، وتصدير الغزل، وتحرير الخيوط، والزِّوى والتطبيق، ويعمل بهذا القطاع نحو 5 آلاف عامل.. و17 مصنعًا بقطاع النسيج، منها مصنع لتحضيرات النسيج، وآخر للفحص العمومى (الجودة)، ويعمل بهذا القطاع نحو 2000 عامل. كما تضم الشركة 8 مصانع للملابس الجاهزة، ومصنعا للزراير، ويعمل به نحو 4 آلاف عامل، بالإضافة إلى مصنع تجهيز القماش، ويشتمل على 6 أقسام، هي: المصبغة، والنشا، والكستور، والمطبعة، ومطبخ الألوان، والحفر، ويعمل به نحو 1500 عامل.. ومصنع الصوف يشتمل على 6 أقسام أيضًا، هي: غزل الصوف، ونسيجه، والتحضيرات، وتجهيز البطاطين، والقسطرة، والتطريز، ويعمل به نحو1500 عامل. وكذلك تضم الشركة 7 ورش هندسية، للنجارة والكهرباء، والإسطمبات، والتكييف، والمسبك، ويعمل بها نحو 1500 عامل.. فى حين يعمل بالإدارة العامة والأقسام الإدارية نحو 3500، بما فى ذلك إدارات: شئون العاملين، والبيع المحلي، والمشتريات، بالإضافة للقطاع المالي، الذى يضم: الجهاز الحاسب، وإدارة الأفراد، ومطبعة الورق، والأمن والنظام، والإحصاء والتكاليف، وإدارة البيع الخارجي. أما المرافق العامة ل»غزل المحلة» فتتمثل في: النادى الرياضي، وصالات الجيمانيزيم، وملاعب التدريب، وحمام السباحة، ومدرسة التدريب، بالإضافة إلى المستشفى الذى يعمل بسعة 220 سريرًا، ويعالج به العاملون وأسرهم، أى نحو 100 ألف شخص، ويتم تمويله سنويًّا بمبلغ 17 مليون جنيه. ويعمل بقطاع المرافق نحو 800 عامل.