رن جرس الهاتف فى أولى ساعات الفجر هب فزعا من فراشه ساعة لم يتعود فيها أن توقظه هذه الرنة المزعجة، أسرع إلى الهاتف ودقات قلبه تسبقه اليه وتمتم فى سره خير إن شاء الله ورفع السماعة فبادره صوت يرتعش اضطرابا ينبئه بأن ابنه الوحيد أصيب بحادث وحالته خطيرة بالمستشفى عرف ساعتها معنى أن تضيق الدنيا بإنسان.. تجمدت يده على السماعة، وتركها تسقط.. كان أول ما فكر فيه هو.. ماذا سيقول الآن لزوجته؟ ولكنها كانت تقف خلفه سمعت ورأت على وجه زوجها واستشفت الخبر، لم يكن هذا وقت حزن.. كان هناك بصيص أمل، ساروا نحوه ففى سرعة لبسا ثيابهما وأسرعا للسيارة وكانت أطول رحلة فى حياتهما.. بضعة كيلو مترات حسبوها لطولها سفر دهر بأكمله.. هل هى حالة خطيرة فعلا، أم أنها فقط جملة تصحبهما لخبر كارثى؟! مازال الأمل قائما ومر شريط حياة وحيدهما فى سرعة البرق.. يوم مولده أول يوم فى الحضانة.. أول شهادة يدخل غرفته فرحا بها وهو يلوح لوالده بفخر الطفل شوف شهادتى يا بابا!.. الثانوية العامة ومتاعبها وكفاحها وتفوقه.. ثم الجامعة وتوالت أيام السعادة والنجاح.. وبعده الزواج.. فرحة عمر.. وصورة الزفاف مازالت فى أغلى مكان من قلبيهما.. ومن المنزل بعدها أتى الأحفاد وزادت صور السعادة. وصلا إلى باب المستشفى.. توجها إلى مكتب المدير حيث استقبلهما بوجه به من الحزن والجزع ما جعلهما يعرفان الخبر قبل أن ينطق به.. إذن فقد مات الابن الوحيد وكان السبب حجرا لا يساوى قرشا القى فى عرض الطريق حاول تفاديه فكانت الكارثة إنه إهمال جسيم من المسئول عن ملاحظة سلامة الطريق الذى يجب مجازاته عن فقد روح غالية ومعه بالطبع من ألقى هذا العائق قصدا أو إهمالا ولا يكون هذا إلا بدوريات منتظمة لمشرفين على دراجات بخارية تجوب الطرق المهمة بلا انقطاع فتزيل هذه المخالفات أولا بأول وتعتنى بسلامة الطرق من الحفر والمطبات الطبيعية والصناعية.. الشرعى منها وغير الشرعى التى تضطر السائق إلى الانحراف السريع لتفاديها. نعود إلى المستشفى حيث تمت الإجراءت الحزينة من تعرف واستلام واصطحاب، وخرج الموكب الحزين بأغلى وديعة.. وطويت صفحة. واقتصر الحزن على سطور فى صحيفة..!! وقبل هذا الحادث بشهور اخترقت أسياخ حديد بارزة قلب ورأس عالم فاضل فمات على الفور لقد أصبح السير فى الطرق السريعة مخاطرة تتجدد يوميا حتى إننى فى طريقى إلى مدينتى متخذا طريق السويس أنطق بالشهادة قبل الوصول للمنزل وبعده خذ مثلا شاهدت فى مسافة أربعين كيلو مترا بين القاهرة ومدينتى 3 تريلات راكنة بلا أضواء على جانبى الطريق.. وعربتين محملتين بأسياخ حديدية بالطبع مرت على نقاط تفتيش عديدة بلا أى تدخل!!! يجب ألا يكتفى المسئولون بإزالة العوائق فقط ولكن بالتثبت من رخص السائق (وبالمناسبة الحصول على رخصة قيادة أمر سهل جدا.. وسحبها أمر يكاد يكون مستحيلا) ومن إجراء كشف دورى عليه واختبار منشطات وأنه لا يقود سيارة لأكثر من ساعتين وبعدها لابد من التوقف منعا للسرحان والنوم.. وعلى ذكر ذلك أوصى سائقى السيارات بالتأكد من الإطارات والفرامل وألا يقود السائق سيارة مساء إلا فى حالات الضرورة القصوى فللصباح عيون.. وإذا اضطر وغلبه النعاس فليتوقف عند أقرب نقطة حتى يسترد انتباهه. أما عن المشاه الذين يبحثون عن عبور آمن للشارع فتلك قضية أخرى كيف تعبر سيدة معها طفلان صغيران ولد وبنت وعلى كتفها رضيع يتأرجح كالبلاص، شارع رمسيس فلقد شاهدت موقفا جديرا بالسينما الإيطالية حيث استغرق عبورها الشارع ربع ساعة مرت كالدهر أخذت الطفل فى يدها وألقت بنفسها معه فى «لجة السيارات» وهى تحاورها فى رحلة علاقات عامة من استعطاف بعض السائقين ونهر بعضهم الآخر. حتى عبرت الطريق وتركت الطفل ثم عادت ذهابا وإيابا بالطفلة الأخرى.. هل تصدق أن شارع رمسيس من أوله لآخره ليست به نقطة عبور إجبارية للمشاه؟! لقد أصبحت حوادث المشاة أكثر من أن تكون خبرا فى الصحف.. صارت روتينية بل إن منزل كوبرى الفردوس بشارع صلاح سالم لا يخلو يوميا من جثة مغطاة بورق الجرائد.. هذا كله أمام إدارة مرور القاهرة ويتكرر يوميا وبأعداد متزايدة فى الشوارع الرئيسية الطويلة كصلاح سالم والعروبة والهرم وفى الإسكندرية بالطبع طريق الكورنيش الذى يبلغ اتساعه أحيانا تسعين مترا، المشاة هم الأغلبية لا.. بل هم الكل فكل راكب سيارة سوف يكون من المشاة متى ترجل وترك العربة وحمايتهم واجبة فهم الطرف الأضعف.. لا تحدثنى عن كبارى المشاة فليجرب المسئولون الصعود والنزول منها مرة واحدة سيجدونها بعيدة عن تأدية غرضها لارتفاعها أو سوء حالتها. والحل هو إشارات مرور حقيقية تساعدها بعض المطبات الصناعية وتكون تحت عين قوة من الشرطة وترعاها مخالفات رادعة. شارع الشانزلزيه أبو الشوارع به أكثر من عشر إشارات مرور تحمى المشاة وتعاقب المخالف وإنما تكون المدنية حيث تصبح روح الإنسان غالية فى أمور كثيرة منها حماية الضعيف.. من يتحمل جزاء كل هؤلاء الضحايا من الشهداء والجرحى والمعاقين وهذه البيوت التى هدمها سائق أرعن لم يجد من يردعه!! إنها الدولة قبل كل شىء ونصل لنهاية القصة حيث تم التحقيق مع المسئول عن الجريمة.. وهو عادة السائق... والجريمة.. قتل خطأ والعقاب سنة سجن!! وحوالى عشرة آلاف جنيه تعويض؟ ماذا يفيد أسرة مكلومة.. سجن الجانى سنة؟ لابد من مضاعفة الجزاء فمن يقود سيارة بسرعة هائلة متجاهلا كل القواعد مع علمه بأن هذا أمر قد يتسبب فى مقتل.. هو يقترب من جناية القتل العمد ولكن ماذا نقول لمسئولى الدولة وقد ساهموا فيها بعدم توفير الأمان اللازم من الردع المسبق والجزاء الباتر وتوفير الوسائل التى تمنح الأمان للمشاة. أما أن تكتفى الدولة بتعويض عشرة آلاف جنيه مثلا فهذا لا يساوى روحا أزهقت فهو ثمن بخس لا يبلغ ثمن عجل يذبح ويؤكل لحمه.. إنها الدية.. شرع الله وحق خلقه،، تردع وتعوض. د. خليل مصطفى الديوانى