كنت بصحبة والدي في ندوة بالقاهرة وأنا في التاسعة من عمري ،و الكراسي مزدحمة بالحضور ، والميكروفون ينتقل من فرد لآخر ، والجميع منصتون ، بينما أنظر أنا الى عقارب الساعة التي تمشي كالسلحفاة حتى ظننت أنها معطلة ، سيطر علي الملل الشديد ، وفجأة ارتطمت بأذنى عبارة ايقظت كل حواسي، وكأنها « جرس المنبه» الذي يوقظني يوميا لأذهب الى المدرسة ، ووجدت نفسي امسك بالقلم وابحث عن ورقة لأسجل فيها تلك العبارة» أنا عارف ان الحياة عبارة عن قوسين فاضيين ، انت اللي هتملأ الفراغ الموجود فيها ، لو عاوز تملاه بكلمة حلوة لنفسك ، ولو عاوز تملاه بكلمة وحشة برضه لنفسك» .....
هكذا بدأ محمود يوسف خواجة ذو ال 13 ربيعا حواره معي ، ذاك الطفل الذي أضاف الكثير من المبررات التي تقسم على العالم ان مصر ولادة ، مصر الحضارة ، مصر نبع لا ينضب بفعل كل عوامل التعرية والتجريف كنهرها الخالد ، صبي في مقتبل العمر مواليد 26/ 2 / 2001 البحيرة . يرتاد مدرسة الشهيد عبدالمنعم رياض بالصف الأول الاعدادي ، ولد لأب يعمل مهندسا مدنيا ووالدته ربة منزل ، له ثلاثة اخوة ، لكن هواية الوالد في كتابة الشعر هي ما شجعت محمود على القراءة والكتابة . وجدت نفسي متلبسة بآثار فضول عنيف للحديث مع هذا الشخص الرصين الذي غلبت رجاحة عقله وحلاوة لسانه صغر سنه ونعومة أظافره ، فسألته : منذ متى بدأت في كتابة الروايات ؟ فابتسم قائلا : تقريبا وأنا في الصف الخامس الابتدائي كنت اكتب قصصا قصيرة في كراسات المدرسة ، لكن رواياتي الثلاث كتبتها منذ عام تقريبا . واستوقفته قائلة : هل كتبت 3 روايات بالفعل ؟ فانطلق : طبعا بكل تأكيد «هامان» و«المقبرة » نشرتهما الكترونيا على مواقع ومجموعات على الفيس بوك ثم مؤخرا «خلف الجدران » تحت الطبع في دار نشر الرسم بالكلمات وهذا جزء منها «ذهبت إلى بيتى .. أغلقت الباب وأنا أقف أتامل صوت التلفاز الموجود خلف الباب .. فتحت الباب ووجدت أنه مغلق أنا لست بغبى لأنسى التلفاز مفتوحاً .. كيف سمعت صوته من الخارج وعندما فتحت الباب وجدته مغلقاً لا صوت له !! .. ذهبت إلى غرفتي ، أغلقت الباب وأرتديت ملابسى ، ارتديت بدلتى الخاصة وربطت رابطة عنقي جيدا .. قبل أن أفتح الباب .. سمعت صوتا غريبا يقول الله ربى للهدى يهدينى وهو الذى من فضله تكوينى قد جئت للدنيا لطاعة ذاته أدعوه دوماً أن يكون يقينى يا الله .. ما أجمل ذلك الصوت .. أود أن أذهب إلى الصاله لأقول معهم .. فتحت الباب بهدوء وجدت نوراً يخرج من الباب ، فتحت الباب أكثر وأكثر ، أنا مازلت أسمع الأصوات هذه ! .. لم أفتح الباب لآخره ، بالفعل أود الذهاب معهم ولكنى خائف جدًا، توكلت على الله وفتحت الباب». وقاطعته : ما الذي دفعك نحو الكتابة ؟ وكان رده : والدي شجعني في الأول ، وكانت كرة القدم هي هوايتي المفضلة ولكن قدمي أصيبت بالروماتيزم وأصبحت لا اقوى على اللعب أكثر من ربع ساعة،حينها قررت أن أبحث عن طريقة أخرى لأفرغ فيها طاقاتي، دون أن استسلم للقدريات بشكل سلبي لأنني مؤمن جدا بأن داخل كل منا قدرات لا نعلم عنها شيئا الا حين تنتزعها الظروف من داخلنا دون أن ندري عنها شيئا مسبقا « يعني لازم تحصل حاجة تطلع من جوانا حاجة ما نعرفهاش»، وهنا أسرعت الى القراءة لأرتمي بين أحضان الكتب وأنهل من عصيرها فالموهبة تخترق حواجز الصعوبات والمستحيل .... وهنا طالبته بأن أطلع على شهادة ميلاده حتى أقتل ذاك الشك الذي يداعبنى كلما أدهشتني كلماته . ثم سألته والريبة تجتاح خاطري : ولمن تقرأ ، ومن اين لك الكتب ؟ فأجابني دون تردد : بحبها جدا وبقرأ لأحمد خالد توفيق ، وأحمد مراد ، ويوسف زيدان وهيتشكوك واجاثا كريستى، ما هي آخر روايات قرأتها ؟ سألت، فرد بسلاسة مطلقة : عزازيل وظل الأفعى والفيل الأزرق وحاليا أقرأ أولاد حارتنا ....... وهنا سألت نفسي سؤالا في صمت مريب « يا ترى كم مثقفا قرأ تلك الروايات ؟»، ثم تابع حديثه معي : والدي عنده مكتبة ضخمة في البيت احيانا بطلع منها الروايات اللي بتشدني ، وأحيانا أخري بسافر اسكندرية اشتري بعض الكتب بعد أن أدخر لها مبلغا مناسبا من مصروفي،لأننا للأسف نفتقد المكتبات في دمنهور . وحول سؤال : أي أنواع الروايات تفضل ؟ أجاب : أفضل الروايات البوليسية والرعب ولهذا بحب أكتب روايات فيها تشويق وغموض يدفع القاريء الى الالتصاق بها حتى ينهيها دون ملل ورتابة . ثم حان وقت السؤال التقليدي : ما هي أمنياتك بالنسبة للمستقبل؟ تريث قليلا ثم قال : أتمنى أن أكون كاتبا مشهورا ولكن ليس مغرورا ... نفسي أكون قدوة لأولادي ، ونفسي ألتحق بكلية الآداب مثل طه حسين حتى أصقل لغتي ومفرداتي وخبراتي ، كما أرى أنه من الضروري جدا أن نتعلم ما نحب حتى نحب ما نعمل .