لا ينكر أحد فى نقد ذاتى بناء صادق مع النفس أن الإنسان المصرى فى غالبية طوائفه وطبقاته وتوجهاته أصبح فى أمس الحاجة إلى إعادة البناء. إننا نفتقد الإنسان المصرى الذى كان إلى عهد قريب مثالاً يُحتذى فى إيمانه بالقيم وتمسكه بالأخلاق، وكان المجتمع المصرى بذلك متميزاً فى أعماقه بالترابط والتساند ما دام أعضاؤه متآلفين على أصالة الخلق وشرف النوايا ، وكانت مصر بالتالى قوية بأبنائها الأصليين ، عزيزة بأخلاقهم، عالية بكل ما يجمعهم من قيم إنسانية وإجتماعية نابعة عن حضارة متمكنة فى قلوبهم. غير أنه ثمة آفات دخيلة أصبحنا نعانى منها ، ترجع أساساً إلى ظاهرة الخروج عن الأخلاقيات المصرية الأصيلة التى توارثناها فى أعماقنا والتى أعتقد أنها لازالت ماثلة أمام كل وطنى صادق فى إخلاصه لوطنه متمسك بأصوله الحضارية. ولعل من أشد التجاوزات إيلاماً للنفس أن فئة ضالة استمرأت الخروج عن وحدة المجتمع وأمنه وسلامته، فدارت فيه قتلاً وترويعاً، وحرقاً وتخريباً ، وتعدٍ إجرامى على قوات الأمن مشوباً بروح العداوة والتحدى مع الإعلان عن ذلك تشفياً ورغبة فى هدم أواصر المجتمع، وهو جنوح أخلاقى لم تألفه مصر من قبل. وقد صاحب ذلك استجابة بعض ضعاف النفوس أمام الإغراءات المادية المغرضة إلى المشاركة فى ارتكاب تلك الأفعال الإجرامية بما تنطوى عليه من خلل اجتماعى ورِده، وما هى فى الواقع الأخلاقى إلا إهدار للكرامة وضياع لعفة النفس التى كنا نفخر بها. وبعد أن كان المصريون فى توادهم وتآلفهم يحاجون العالم الغربى فى نزعته المادية ، وإذ بطغيانها يداهمنا وصار من بيننا من يقتل بنى وطنه وعشيرته لضلال أصابه أو إغراء أهدر كرامته، وبذلك أصبحنا فى أشد الحاجة إلى العودة إلى الأخلاق المصرية الأصيلة لأنها هى الكفيلة بدحض تلك العوارض الدخيلة. كما أنه من الظواهر الطارئة التى شابت مجتمعنا، الإنحراف الخارج عن آداب لغة التخاطب بين الناس وإهدار الاحترام الواجب توقيره للكبير سناً أو مقاماً، بل والتطاول على شرف الدولة متمثلاً فى قواتنا المسلحة مع أن احترام حصن البلاد ضرب من احترامنا لأنفسنا لأنها مظهر قوتنا ورفعتنا ذ وذلك انطلاقاً من فهم خاطئ للحرية بمظنة أن مرجعها إلى الثورة، وأن ذلك حق وقوة فى التعبير عن الرأى، مع أن مداركنا الأخلاقية التى توارثناها غرست فينا أن المفهوم الصحيح للحرية مغاير تماماً بل مناقض للتجاوزات المخلة بأدب الحوار ، وأن قوة التعبير تكمن أساساً فى ثقافة الحوار الموضوعى ومنطقه لا فى العبارات المستفزة التى تخرج بالحوار عن غاية الأمر منه. فعودة الشعب كباره وشبابه إلى التمسك بالقيم الاجتماعية الأصيلة وثقافة الرؤية الصادقة، مع الثقة بأن التعاون والمشاركة الفعالة بين جناحى الوطن الشعب والأمناء عليه ذ أصبح ضرورة حياة فى الحاضر ةالمستقبل. ولذا فنشر ثقافة الثقة ورائدها حسن النية، أصبح أهم محركات قوى المجتمع نحو الاستقرار والتنمية ، حيث أن غياب هذه الثقافة الأخلاقية يفقد الدولة تماسكها وتكاملها. ولا يغيبن أن اختلاف سلوك الناس وتناقضهم بين قيم وتوجهات غير متناسقة وقد تكون دخيلة، أصبح هو المنفذ الذى يخترقه المغرضون لبث الفوضى والفرقة والصراع الذى نعانى منه فى الآونة الأخيرة. مفاد ذلك أنه لا يكفى أن تهتم حكوماتنا بوضع البرامج الاقتصادية والأمنية وتحويلها إلى أرقام واحصائيات، دون أن تعلن بنفس الدرجة من الأهمية الخطط اللازمة لتوجيه الثقافة إلى مسارها السليم، وإعلاء الأخلاقيات التى غابت عنا فى خضم الأحداث الجارية، ودعم القيم الإيجابية التى كانت راسخة لدينا فى أصولنا الحضارية. لمزيد من مقالات المستشار: أحمد مهدي الديواني