«البورتريه» من أهم إنجازات الفن المصري القديم. ووجوه الفيوم أجمل وأبسط دليل علي صحة هذا الكلام. وهي مستوحاة من الحياة اليومية للمصري القديم ومعتقداته. فكان يري أن «البورتريه» مرحلة ضرورية وأخيرة في تحنيط الموتي وتجهيزهم للدفن، فحين يرقد الجسد في سلام، وتعبر روحه إلي عالم الخلود، يجب أن تكون للجسد علامة معروفة تُسهِّل علي الروح العثورعليه مجددا وتتعرف عليه بواسطة صورة الوجه الحقيقي. وفنون التحنيط كانت متقدمة جدا في عهد المملكة المصرية القديمة ( قبل عام 2800 ق. م )، وكانت حماية الجسد من التحلل والازعاج ضمانة في معتقدهم لسعادة المتوفي وانتقاله للعالم الآخر في دعة وراحة، وتطور التحنيط بتطور المعتقدات المؤمنة بالخلود، وأحيط بهالة أسطورية، بعدما قام الإله « أنوبيس» كبير آلهة العالم القديم بتحنيط «أوزيريس» بعدما جمعت «إيزيس» أشلاء جسده الذي مزقه شقيقه «ست». وظل الاعتقاد باتحاد المتوفي مع « أوزيريس» في العالم الآخر بعد تحنيطه، ومحاكمته. وخلود المتوفي كان مرتبطا بشدة في العقل المصري ببقاء الجسد وملامح الوجه سليمة بعد التحنيط، فتم حفظ الجسد في توابيت حجرية محكمة الغلق والإخفاء، بعيدا عن اللصوص والعابثين، لكن ارتفاع أثمان هذه التوابيت دفع الطبقات المتوسطة والفقيرة إلي ابتكار أقنعة لوجوه الموتي من الكرتون لتوضع علي التوابيت الخشبية الأقل ثمنا من الحجرية التي كانت ترقد فيها جثامين الملوك والنبلاء وكبار رجال الدولة. وكانوا يحمون الأقنعة المرسومة بتثبيت طبقات من نسيج الكتان وورق البردي بالغراء والجبس، ثم قولبتها ورسمها لتكون علي نفس صورة المتوفي، وبدا ذلك في عصر المملكة الوسطي (نحو2000 ق.م). ودفن مومياوات الفقراء ذات الأقنعة كانت تتم بأبسط تكلفة، وفي جبانة عامة علي أطراف الصحراء، وتردم مقابرهم بنتاج الحفر. وهو ما يختلف جذريا عن مقابر الملوك، كما نري مثلا في القناع الذهبي ل «توت عنخ آمون»، والأقنعة الذهبية للأسرة الحاكمة في مقبرة « تانيس». المدهش أن الفنانين الشعبيين الذين أبدعوا هذه البورتريهات كانوا يدورون علي البيوت لرسم سكانها الأحياء، وكان صاحب البيت يضع صورته المرسومة في طاقة علي بوابة منزله بديلا لاسمه، وليتعرف الناس بسهولة علي بيته، وعند وفاته ينقل البورتريه من واجهة بيته إلي التابوت الخشبي الذي يوضع فيه جسده بعد تحنيطه، وظل هذا التقليد المصري موجودا في العهدين البطلمي والروماني، ودفن البطالمة والرومان موتاهم بطريقة المصريين، مع أنهم لم يؤمنوا بعقيدة البعث المصرية. وهذه الرسوم المبهرة للرسامين المجهولين في الفيوم ومناطق أخري من مصر تجاوزت قيمتها الدينية والروحية، وأصبحت ملهمة لمدارس فنية كاملة حول العالم. وظهر لاحقا في القرنين السابع عشر والثامن عشر الرسام المتجول في إنجلترا وبولندا، ورُسمت بورتريهات توابيت للنبلاء المحليين وأشراف المدن، وبعدها ازدهر فن البورتريه في أنحاء أوروبا، وظهر الكبار مثل «فان جوخ» وغيره من فناني البورتريه.