الاحتفال بمولد الإمام الحسين هذا العام جاء مختلفا،شهد حالة من البهجة، واختلطت النكهة السياسية بالروحية حاملة معها عدة صور ومشاهد فالمشهد يحمل في طياته حلقات ذكر ومديح وتواشيح لآل البيت وتأييدا كبيرا للمشير عبد الفتاح السيسى، كما يوجد أيضا بعض الصوفية الذين يؤيدون الفريق سامي عنان حال ترشحه, صورة أخري تمثلت في حالة التنافس بين مشايخ الطرق الصوفية في الانتخابات القادمة للمشيخة. محبو آل البيت عانوا خلال السنوات الماضية من الحملات والدعوات التي نادت بضرورة إلغاء الاحتفال بالموالد مع التأكيد علي هدم الأضرحة والقبور، وهي الحملات التي روج لها التيار السلفي بدعوي ان تلك الاحتفالات لا تمت للدين بصلة , سبق تلك الحملات حالة من الصخب الإعلامي الذي صاحب شائعة انتشار الإصابة بأنفلونزا الخنازير عام 2009 حيث اصدر بعض المحافظين قرارا آنذاك بإلغاء الاحتفال ببعض الموالد خشية الإصابة وانتقال العدوى . ففي كفر الشيخ صدر قرار بإلغاء الاحتفال بمولد سيدي إبراهيم الدسوقي بمدينة دسوق , أعقبه قرار لمحافظ قنا بإلغاء الاحتفال بمولد سيدي عبد الرحيم القنائي وقصر الاحتفال علي الليلة الختامية داخل المسجد او في الساحة الأمامية المكشوفة فقط، وهو مادفع بمشايخ الطرق الصوفية لإطلاق صيحات تحذيرية من خطورة هذه القرارات الأمر الذي برروه بأنه يفتح الباب أمام المريدين لهجر طرقهم والاندماج في تيارات أخري مثل جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات السلفية . البعض فسر تلك التحذيرات علي ان هدفها الأول هو الحفاظ علي سبوبة النذور وتبرعات الموالد التي قررت الحكومة إلغاءها بسبب مرض أنفلونزا الخنازير حيث أكدت إحصائيات وأرقام وزارة الأوقاف ان مبالغ مساجد النذور تقدر ب 52 مليون جنيه تذهب 10 % منها الي الصوفيين . فيما برز اتجاه أخر فسر الأسباب علي انه نوع من الخلط بين ما تتوهمه الحكومة من مخاوف مزعومة لا أساس لها ربطت بين نشر المذهب الشيعي في مصر وبين إقامة موالد آل البيت باعتبارها المدخل للتشيع ومن ثم تغلغل النفوذ الإيراني وهو ما يمثل اتهاما ضمنيا او صريحا للصوفية وملايين الصوفيين بالغفلة بما ينطوي عليه باتهامهم بالخيانة الوطنية. ويبدو ان موالد آل البيت في مصر قد وقعت ضحية للصراعات السياسية من ناحية وبين القرارات العشوائية من ناحية أخري، فنجدها مثلا استخدمت كساحة للحشد الجماهيرى في الانتخابات الرئاسية الماضية اذ حرص كل من المرشحين المحتملين عمرو موسي وحمدين صباحي علي زيارة مولد الحسين في ليلته الختامية والالتقاء بعدد من مشايخ الطرق الصوفية في سرادقاتهم للتأكيد علي ضرورة الالتفاف العام من اجل مصلحة الوطن ومحاربة الظلم والفساد . الليلة الكبيرة لمولد الإمام الحسين شهدت إقبالا غير مسبوق هذا العام وسط إشاعات راجت بين المريدين بإلغائه لدواع أمنية ،حامد النعناعي احد أبناء منطقة الحسين قال الجميع حضروا ولديهم قناعة تصل الي حد اليقين بأنهم محفوظون بفضل الله تعالي وببركة سيدنا الحسين مصر ستظل محفوظة الي ابد الدهر ومن يقول غير ذلك فهو بالتأكيدلا يعرف مصر ولا يعرف من هم أولياء الله الصالحين. الجامع بدا ككتلة من الأنوار المبهرة تنتشر من حوله سرادقات الطرق الصوفية التي تعج بمريديها ومع غروب شمس يوم الثلاثاء الماضي ( الليلة الكبيرة ) لم يكن هناك موطئ قدم وضجيج الميكروفونات يتصاعد مع جميع السرادقات بقراءة القران والخطب والإنشاد تتداخل الأصوات الصاخبة وتتدافع الأجساد المتلاصقة حلقات الذكر تنتشر من داخل المسجد الي ساحته والشوارع الجانبية . روائح البخور والعطارة والشواء تتضوع في الأجواء شوادر الحمص والحلوى بأنواعها تشارك بالإعلان عن بضاعتها باعة الشاي علي الأرصفة باعة المسابح والطراطير الملونة ولعب الأطفال , وعقب صلاة العصر توافدت مواكب الطرق الصوفية أبرزها « زفة الخليفة » وبين البيارق والرايات التي تميز كل طريقة تتم الدورة مع التهليل والإنشاد الجميل والزغاريد. ينحصر اقتصاد المولد في مجموعة من الظواهر أبرزها تأجير الحوانيت والأكشاك المؤقتة لبيع المواد الغذائية والأطعمة المختلفة والملابس الجاهزة والأدوات المنزلية , كما يتوافد بعض الباعة الجائلين لعرض الهدايا وشرائط الكاسيت وبعض المصنوعات اليدوية في العادة ترتفع أسعار البيع خلال هذه الفترة التي يعتبرها الباعة « أيام مفترجة » ويتقبل اغلب المشترين هذه الزيادة في الأسعار « إكراما لصاحب المولد » , كما تتزايد حركة النقل من المدن والقرى المجاورة لمحافظة القاهرة ومن المظاهر اللافتة ازدياد أسواق الكاسيت والاسطوانات المدمجة التي تبيع شرائط مختلفة من ألوان الغناء والقصص الغنائية وأحاديث المشايخ ومن بعض عناوينها «السحر الحلال, الحب الزائف, وتحريم الغناء». المصريون يعتقدون في الإمام الحسين انه المركز صميم البؤرة والمنطلق الي الجهات الأربع الأصلية والفرعية في القاهرة او غيرها من مدن مصرية تلك منزلة مسجد وضريح سيدنا الحسين رضي الله عنه عند المصريين قاطبة . إذا ما قيل علي مسمع من القوم سيدنا فهذا يعني الحسين , وإذا قيل مولانا فهذا يعني الحسين , وإذا قيل الحسين فهذا يعني كثيرا... يعني الاستشهاد من اجل الحق وإقرار العدل وافتداء الجمع بحياة الفرد لكي يتحول الوجود المادي الي معنوي ممتدا فلا زمان يحده ولا مكان يقيده ترتبط الحواس كلها به بمعالمه ونقوشه ومعماره وما ينبعث من ارجائه ذلك العطر الخفي والظلال الهادئة وطوابير الساعين الي الصلاة في رحابة وزيارة مرقد الرأس الشريف.