ليست مصر وحدها التى تعانى أزمة مياه فجرها بناء سد النهضة الاثيوبى ولكن 12 دولة عربية أخرى دخلت معها فى حزام الفقر المائى وأصبحت حصة العربى من المياه تحت حد الندرة.وما لم يتم اتخاذ الاجراءات المناسبة فستعانى كل الدول العربية تقريبا الفقر المائى بحلول عام2025، حيث سيتدنى معدل إمدادات المياه الى 15% فقط مما كان عليه عام 1960 وفقا لتقديرات الأممالمتحدة. مشكلة دولنا معقدة،فثلثا المياه السطحية تأتى من خارج المنطقة العربية ويمتد جزء كبير من مياهها الجوفية الى خارج حدودها وتعتمد كل منها تقريبا فى حاجتها المائية على أنهار ومياه جوفية تقتسمها معها دول مجاورة.فدولة مثل مصر تعتمد كلية على المياه القادمة من خارج أراضيها، ولم يبق سوى موريتانياوالعراق وجزر القمر والصومال والسودان خارج حزام الفقر المائى(1000 مترمكعب للفرد سنويا). ورغم أن العالم العربى يشغل 10% من مساحة العالم وتشكل شعوبه 5% من سكانه ،الا أنهم لا يحصلون سوى على 2٫1% من أمطاره و1٫2% من موارد مياهه المتجددة.وأوضح تقرير الأممالمتحدة أن الجفاف بدأ يزحف على المنطقة العربية نتيجة استنزاف مياهها الجوفية، حيث انخفض مستواها بمقدار 70 مترا فى المغرب وزادت ملوحتها نتيجة تسرب مياه البحر فى قطاع غزة وجفت معظم واحات الصحراء الغربية المصرية.ويتوقع برنامج الأممالمتحدة الانمائى أن تنخفض مصادر المياه المتجددة بنسبة 20% بحلول عام 2030بسبب تغير المناخ بالمنطقة . وتوضح احدى دراساته أن 12 دولة عربية تقع حاليا تحت حد الندرة المائية الشديدة (500 مترمكعب للفرد سنويا) وأن سبعا منها يمكن تصنيفها ضمن الدول التى تعانى الجفاف، حيث تقل حصة الفرد عن 200 مترمكعب سنويا. تعقيد أزمة المياه فى الدول العربية ناتج عن كون معظم مواردها المائية نابعا من خارج أراضيها وليس باستطاعتها التحكم فى جريانها تماما وكذلك التزايد السكانى السريع وما يتطلبه من مشروعات تنمية متسارعة فضلا عن الاسراف فى استهلاك المياه.فمصر مثلا تعتمد على مياه النيل الآتى معظمها من اثيوبيا بنسبة 96% وكذلك السودان بدرجة أقل، فى الوقت الذى يعتمد فيه الأردن وفلسطين على نهر الأردن القادم من اسرائيل ويعتمد العراق وسوريا على نهرى دجلة والفرات القادمين من تركيا.وبينما تواجه دول مثل مصر والسودان انخفاضا فى حصتيهما من مياه النيل بسبب سد النهضة وما قد يعقبه من سدود فى دول المنابع،وهو ما واجهه العراق من قبل بسبب سد أتاتورك التركى، نتوقع أن تفاقم زيادة العرب المتوقعة من 360 مليونا حاليا الى 634 مليونا بحلول عام 2050 حدة الفقرالمائى.أضف الى ذلك سوء استخدام المياه الى حد الاسراف مما يعجل بنضوب مصادر المياه الجوفية ويستنزف مياها كان من الممكن استغلالها فى استصلاح مساحات اضافية من الصحراء لتوسيع الرقعة الزراعية وانتاج الغذاء الذى يستورد العرب أكثر من نصف حاجتهم منه. مستقبل الأزمة ومستواها سيحددهما مدى قدرة الحكومات العربية على ادارتها بتحسين استغلال مواردها الشحيحة وردع دول المنابع عن اقتطاع جزء كبير منها أوتأخير وصولها اليها وكذلك البحث عن بدائل مجدية مثل تحلية مياه البحر واستخدام طريقة الرى بالتنقيط بدلا من الغمر،والحد من الاسراف فى الاستهلاك بمزيد من التوعية وبيع المياه بسعرالتكلفة وتغريم المخالفين.فالمواطن فى دول الخليج يستهلك ضعف استهلاك نظيره الأمريكى رغم شح المياه فى بلاده واعتمادها على تحلية مياه البحر والمياه الجوفية بينما تتوافر مياه الأنهار فى الولاياتالمتحدة. ويستهلك العربى فى غسل أسنانه فقط أربعة جالونات مياه بينما يمكن أن يفعل ذلك بنصف جالون لو أغلق الحنفية خلال استخدام الفرشاة. وبينما تتكلف تحلية متر مكعب من مياه البحر ما يتراوح بين 11 و28 جنيها مصريا يتم بيعه للمستهلك بقروش مما يشجع على الاسراف فى الاستهلاك.ويقدر برنامج الأممالمتحدة الانمائى أن الدول العربية تحتاج الى استثمار نحو 200 مليار دولارعلى مدى عشر سنوات لتوفير احتياجاتها المائية من بينها 4,5 مليار دولار فى مصر وحدها.فالمخزون الاستراتيجى من المياه فى بعض دول الخليج مثلا لا يتعدى استهلاك يوم واحد وفقا لتقرير للبنك الدولى. لمزيد من مقالات عطيه عيسوى