إعلان إسرائيل عن عطاءات جديدة لإقامة 4500 وحدة سكنية جديدة فى الضفة الغربية وبعض أحياء القدس, مع محاولات بعض اليهود المتشددين أكثر من مرة اقتحام باحة المسجد الأقصى بحثا عن الهيكل المزعوم, وتزامنا مع تعثر مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية برعاية أمريكية, كل هذا يعكس المأزق الكبير الذى تعيشه القضية الفلسطينية والتى باتت تتهدد بالأفول والضياع. فالاهتمام بثورات الربيع العربى وتفاعلاته وتداعياته فى العديد من الدول العربية التى تشهد أزمات طاحنة تتراوح مداها من بلد لآخر, قد جاء على حساب الاهتمام بالقضية الأم فى المنطقة وهى القضية الفلسطينية واستمرار الاحتلال الإسرائيلى لأكثر من نصف قرن, فمن ناحية تراجعت القضية الفلسطينية على أجندة الاهتمام الدولى سواء الدول الأوروبية أو الأممالمتحدة, ومن ناحية ثانية انكفأت الدول العربية المؤثرة فى النظام العربى على أزماتها الداخلية ومشكلاتها السياسية والاقتصادية, بل إن الجامعة العربية أخذ دورها فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى يتضاءل منذ مبادرة السلام العربية الشهيرة التى قدمتها عام 2002 ببروت, ولم يكن دورها فى معالجة الأزمات العربية المشتعلة فى ليبيا وسوريا واليمن والعراق ولبنان والسودان, أحسن حالا من دورها فى تلك القضية, فإدراة الأزمات فى تلك الدول نتيجة لضعف الجامعة العربية, الذى هو انعكاس لحالة الدول العربية وانقسامها وتشرذمها, أدت لتزايد الدور الخارجى على حساب الدور العربى الذى تراجع بشكل ملحوظ فى البحث عن حلول لها, وهو ما أدى لتعقد وتشابك تلك الأزمات, حيث إن الدور الخارجى يسعى لتحقيق مصالحه وأجنداته الخاصة على حساب مصالح الشعوب العربية, بل من مصلحته أن تظل نار العنف والصراع الطائفى والدينى والسياسى مشتعلا بما يعيق تقدمها وتطورها السياسى والاقتصادى, ولذلك فإن دوره المزدوج يتجسد فى تغذية مسببات الصراع وفى محاربة أية حلول ناجعة له وهو ما انعكس فى الحالتين العراقية والسورية. وبالطبع فإن إسرائيل هى المستفيد الأكبر مما يجرى من صراعات وأزمات فى العالم العربى لانشغال تلك الدول عن القضية الفلسطينية, وتوظيفها لتلك الصراعات لتنفيذ مخططاتها فى استكمال تهويد القدس وتغيير هويتها السياسية والديموغرافية بإقامة المستوطنات السرطانية وغير الشرعية فى أحيائها وفى الضفة الغربية فى سباق مع الزمن لفرض سياسة الأمر الواقع فى أى تسوية سياسية مستقبلية. بل إن مفاوضات السلام الحالية, والتى انطلقت فى يوليو الماضى برعاية وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى, بعد جمودها ثلاث سنوات, تواجه نفس التحديات وذات المصير الذى واجهتها مفاوضات السلام بين الجانبين لمدة عقدين منذ اتفاق أوسلو, حيث المماطلة والمراوغة الإسرائيلية وطرح الشروط التعجيزية مثل الاعتراف بيهودية إسرائيل ورفض تقديم تنازلات جوهرية فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائى الأربع وهى الحدود والأمن ووضع القدس ومصير اللاجئين, وتختزل المفاوضات دائما إلى قضايا فرعية من قبيل الإفراج عن بعض الأسرى وتخفيف إجراءات الحصار, وقد ساعدها فى ذلك بالطبع الانحياز الأمريكى المستمر لمواقفها وتوجهاتها, وهو ما ظهر جليا فى المفاوضات الحالية, فرغم مرور أكثر من تسعة أشهر على انطلاقها فى واشنطن لم يظهر ما يبشر بأن هناك اختراقا حقيقيا سوف يحدث هذه المرة, وقد تبقى أقل من أربعة أشهر على انتهائها, كما أن جولات جون كيرى المكوكية للمنطقة, والتى تجاوزت الاثنتى عشرة, نجحت فقط فى منع انهيار المباحثات لكنها لم تحدث حلحلة حقيقية, رغم ما طرحه فى زيارته الأخيرة من تقديم اتفاق إطار جديد يكون بديلا عن اتفاق أوسلو فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائى, وطرحت إسرائيل العديد من المشروعات المعرقلة والمرفوضة فلسطينيا مثل مشروع المثلث حيث تتم مبادلة أراض داخل الخط الأخضر بمناطق المستوطنات الإسرائيلية الكبيرة فى الضفة والقدس, كذلك مشروع السيطرة على غور الأردن, وكلها تعكس عدم تغيير حقيقى فى العقلية الإسرئيلية ونظرتها للسلام ولشكل التسوية النهائى, فإسرائيل تريد السلام على طريقتها يتمثل فى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح أشبه بكانتونات فى الضفة وغزة, وتريد الاحتفاظ بالقدس كعاصمة موحدة لها وترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وهو الأمر المرفوض فلسطينيا شعبيا ورسميا. ومادام لم تؤد أى تسوية لقضايا الوضع النهائى إلى تحقيق سلام عادل وشامل يستند لمرجعية قرارات الأممالمتحدة ويؤدى إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية فى إطار حل الدولتين, وتسوية مشكلة اللاجئين, فإن أى سلام أو تسوية سوف تكون هشة وستظل القضية الفلسطينية معلقة وتواجه خطر الموت التدريجى مع مرور الوقت, وتراجع الدور العربى واستمرار الانحياز الأمريكى, وإصرار الحكومة اليمينية الدينية المتشددة فى إسرائيل بزعامة نيتانياهو على فرض رؤيتها للسلام. الخطر الأكبر الآن على القضية الفلسطينية لا ينبع فقط من إسرائيل, بل أيضا من التخاذل العربى وتشرذم المواقف العربية وانخراط الدول العربية فى حالة استقطاب وصراع وصدام لن تفيد سوى أعدائه وعلى رأسهم إسرائيل ويتيح لها الفرصة للقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية وإدخالها فى طور النسيان. لمزيد من مقالات احمد سيد احمد