التقى السيد نبيل فهمى وزير الخارجية المصرية مع رئيس الائتلاف الوطنى السورى المعارض السيد أحمد الجربا فى القاهرة يوم السبت الماضي، كما التقى أيضاعقب هذا اللقاء السيد حسن عبدالعظيم المنسق العام لجبهة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطى التى تعبر عن معارضة الداخل وترفض التدخل الخارجى فى الأزمة السورية. وأوردت بعض المصادر الصحفية عقب اللقاءين أن مصر تتبنى مبادرة لتوحيد المعارضة السورية، وهو ما يثير التساؤل: هل يسمح الوضع الميدانى فى سوريا فى الوقت الحالى بتوحيد قوى المعارضة؟ وما هو ثقل المعارضة السورية بشقيها الداخلى والخارجى فى ملف الأزمة السورية بعناصرها المختلفة؟ والسؤال الأهم: هل من المناسب أن تتدخل مصر فى ملف المعارضة فى هذا التوقيت؟ وهل تملك من الأدوات التى تسمح لها بالتعامل مع عناصر فى الأزمة السورية وتأكيد حضورها؟ وهل هناك قبول للدور المصرى من جانب القوى الفاعلة فى الأزمة؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن يتضح من الملاحظات التالية: أن الائتلاف الوطنى للمعارضة السورية الذى يرأسه السيد أحمد الجربا يضم كتلا مختلفة تم دمجها فى هذا الإطار بضغوط إقليمية ودولية، وتتفاوت أجنداتها ومواقفها وإن اتفقت جميعها على ضرورة رحيل النظام، وكانت ترفض المشاركة فى مؤتمر جنيف 2، إلا أنها اضطرت تحت الضغوط الدولية للمشاركة، وإن كانت أحد الكتل الأساسية فيها قد رفضت المشاركة وهى المجلس الوطنى الأقرب إلى تيار الإخوان المسلمين. أن الائتلاف الوطنى للقوى المعارضة رغم تصدره المشهد السياسى المعارض فإنه يفتقد الثقل الميدانى فى سوريا، فمازالت قياداته تعقد لقاءاتها فى الخليج وتركيا وغيرها، كما يعتقد أنها فقدت تقريبا القدرة على التأثير على الأجنحة العسكرية المعارضة، والدليل الواضح على ذلك أن هيئة أركان جيش سوريا الحر الذى أعلن الائتلاف أنه الجناح العسكرى للمعارضة قد تراجع ثقله ونفوذه العسكرى لمصلحة التنظيمات والفصائل العسكرية الأخرى المقاتلة على اختلافها، ولعل عدم مشاركة العميد سليم رئيس هيئة الأركان أو أى من القيادات الكبرى فى الوفد الذى حضر جنيف يعبر بوضوح عن حجم ونفوذ هذا الجيش، ويعبر فى الوقت نفسه عن مدى ما يملكه الائتلاف الوطنى من تأثير على الواقع العسكرى فى سوريا. أن الصراع القائم حالياً بين عدد من التنظيمات العسكرية خاصة فى مواجهة دولة الإسلام فى العراق والشام داعش يجرى بين فصائل متشددة وأخرى أكثر تشدداً دون مشاركة أو مواقف مؤثرة للائتلاف الوطنى للمعارضة على حركتها وهو ما يخدم النظام فى النهاية ويؤكد أن ائتلاف المعارضة منفصل عن الواقع الميدانى العسكري. أن معارضة الداخل ممثلة بصورة أساسية فى هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطى عبارة عن مجموعات وأحزاب بعضها كان على هامش حزب البعث داخل النظام السياسى وقياداته كانت مشاركة فى النظام حتى فترة قريبة إلا أنها ترفض الأدوار الإقليمية والدولية فى الأزمة وترفض الحل العسكرى وهناك تفاوت كبير بين قياداتها وقيادات الائتلاف الوطنى للمعارضة ورفضت ولا تزال المشاركة فى جنيف 2 لاختلاف أجندتها عن أجندة الائتلاف وعدم وجود الأرضية التى يمكن أن تجمعها مع هذا الائتلاف. الملاحظ كذلك أنه عقب لقاءات السيد وزير الخارجية بتيارى المعارضة أوضح السيد الجربا رئيس الائتلاف الوطنى أن الكلام عن عقد لقاء للمعارضة السورية ليس على الأجندة المصرية أو على أجندة الائتلاف كما أن الاجتماع الذى عقده رئيس الائتلاف الوطنى للمعارضة برئيس هيئة التنسيق الوطنية فى القاهرة لم يحرز أى تقدم على مستوى مشاركة معارضة الداخل فى الجولة الثانية للمفاوضات حيث لايزال الخلاف قائماً على تشكيل الوفد والأجندة السياسية ومن الواضح أن المسافة لا تزال واسعة بين الفريقين، وهو ما يثير السؤال فى النهاية حول الجدوى من دخول مصر إلى ملف المعارضة السورية أو البحث فى إمكان التقريب بين فصائلها حيث إن الواقع الميدانى فى سوريا يؤكد أن الأزمة سوف تبقى مشتعلة بصرف النظر عما يحدث فى جنيف وأن النظام ما زال حتى هذه اللحظ متماسكا ويستعصى على السقوط وأن المواقف الدولية والإقليمية باتت قريبة بوضوح من ترجيح الحل السياسى للأزمة مع ما يمكن أن يستغرقه ذلك من وقت وتلاشى أى فرص لحل عسكرى وهو ما يطمئن النظام بصورة كبيرة، كما أن الضغوط الخارجية والإقليمية لتوحيد المعارضة لا تزال تصطدم بتباين وجهات النظر بين قيادات المعارضة التى لا تملك فى مجملها تأكيد حضورها الفعلى فى تغيير مسارات الأزمة دون الاعتماد على قوى الخارج.. ولعل الموقف المصرى الذى عبر فيه السيد نبيل فهمى وزير الخارجية على هامش مؤتمر جنيف كان موقفا متوازنا وعبر عن خطوط عريضة تؤكد حرص مصر على وقف نزيف الدم والمحافظة على الكيان السوري. إلا أن التفكير فى الدخول فى ملف الأزمة بصورة أكبر فى هذا التوقيت قد لا تتوافر له فرص النجاح بسبب الظروف السورية ذاتها ومواقف الأطراف المختلفة المتفاعلة داخل هذه الأزمة، كما أن مصر لا تزال فى حاجة للبحث عن أدوات تسمح لها بالتعامل المؤثر فى تلك الأزمة بما يخدم متطلبات الأمن القومى المصرى فى النهاية فواقع المعارضة يستعصى على التوفيق بين أطرافها وإن كانت استضافة رموزها المختلفة فى مصر وعقد كبار المسئولين لقاءات مع قياداتها أمرا مطلوبا وجهدا مقدرا لوزارة الخارجية حتى لا تغيب مصر عن الساحة السورية وهو أمر يسهم فى قرب مصر من تطورات الأزمة مع الحرص على ألا نعلى من سقف التوقعات بهذا الخصوص فإن تصاعد المواجهة العسكرية فى سوريا يحمل كثيراً من التداعيات السلبية على الأمن القومى المصرى خاصة تصاعد نفوذ تنظيمات مثل داعش وجبهة النصرة وهى روافد للقاعدة تضم عناصر جهادية من دول إقليمية وكذلك عناصر من مصر والقضية تحتاج إلى توسيع مجالات الاهتمام المصرى بمختلف عناصر الأزمة السورية وربما كان التنسيق المصرى فيما يتعلق بالمعارضة السياسية السورية وكذلك التطورات السياسية فى الأزمة بصورة كبيرة مع بعض القوى خاصة دول الخليج وعلى رأسها السعودية يمكن أن يتيح فرصا أوسع لإعادة تحالف إقليمى يوازن التحالف الراهن بين تركيا وإيران وكذلك التوجه التركى لإعادة العلاقات مع إسرائيل والذى يضيق مساحات الحركة أمام كل من مصر والسعودية ويحد من إمكان استعادة مصردورها كقوة إقليمية مؤثرة وهو هدف يسعى إليه السيد نبيل فهمى وزير الخارجية منذ توليه منصبه. إن الواقع الحالى للمعارضة السورية لا يتيح أى مبادرات تتحمل مصر مسئوليتها وإن كان الحوار مع أطراف الأزمة يجب أن يبقى مجالا للحركة تستثمر بما يخدم المصالح المصرية فى النهاية. لمزيد من مقالات د. محمد مجاهد الزيات