يخوض العراق حربا شرسة منذ الأسبوع الأخير من العام الماضى لاستعادة سيطرته على محافظة الأنبار غرب البلاد حيث كادت أن تسقط فى يد تنظيم «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» المعروف اختصارا باسم «داعش» الذى تمكن بالفعل من السيطرة المؤقتة على مدن الفلوجة وجانب من الرمادى مما هدد بشكل مباشر أمن كل من العراقوسوريا والأردن ولبنان! وكانت الأوضاع فى الرمادى قد شهدت تحسنا طفيفا، حيث استأنفت مؤسسات حكومية نشاطها وسط إجراءات أمنية مشددة، رغم استمرار الاشتباكات المتقطعة وعمليات الكر والفر بين المتصارعين،الا ان امس الاول كشف احمد ابو ريشة رئيس مؤتمر "صحوة العراق" عن اصدار تنظيم داعش عملة خاصة بما يسمى «إمارة الأنبار» وقام بعرض العملة على تليفونه المحمول مشيرا الى ان اسفل يمين الدينار توجد صورة لاسامة بن لادن ويحمل توقيع وزير مالية «داعش». أما مدينة الفلوجة، فمازالت خارج سيطرة القوات العراقية التى تفرض حولها حصارا محكما متواصلا، بينما استمر انتشار مسلحين من «داعش» وآخرين من العشائر (توجهاتهم متأرجحة مع وضد الحكومة) حول المدينة. الأنبار ..لماذا؟ البعد الإستراتيجى واللوجستى لمحافظة الأنبار هو السبب وراء اهتمام تنظيم «داعش» بالاستيلاء عليها وفصلها عن العراق وإقامة إمارة بها فغالبية سكان المحافظة من السنة وهو ما يوفر موردا بشريا هاما ودعما سياسيا لكيان انفصالى على أساس طائفى فى مواجهة المناطق الشيعية بالعراق.بينما تمثل مساحة الانبار ثلث مساحة العراق ويبلغ عدد سكانها مليونا وأربعمائة وست وثمانين ألف نسمة (5.71%) من سكان العراق.وتعتبر مدينة الرمادى المركز الإدارى للمحافظة (100كيلومتر من بغداد) وتتركز فيها الأنشطة التجارية والزراعية والسياحية والصناعية المختلفة وهى الأكثر سكانا فى غرب العراق. أما مدينة الفلوجة (60 كيلو مترا من بغداد) فتقع شرق الرمادى وتشرف على تقاطع مواصلات الطريق السريع مما يؤهلها لأن تكون مركزا للنقل والمواصلات. وتتميز محافظة الأنبار بشبكة طرق محلية واسعة تربط أطراف المحافظة ببعضها، وتوجد شبكة طرق خارجية سريعة مع المحافظات المجاورة، ويمر الخط السريع من بغداد مارا بالفلوجة الرمادى الرطبة إلى الحدود العراقية السورية، وأيضا بإتجاه طريبيل على الحدود العراقية الأردنية، وهناك تفرع من الطريق السريع بإتجاه منفذ «عرعر» على الحدود العراقية السعودية. بالإضافة لوجود شبكات السكك الحديدية الحديثة التى ترتبط مع المحافظات وعدة مطارات فى المحافظة وبالتالى تعد المحافظة كنزا إستراتيجيا لوجستيا لتنظيم "داعش" الذى ينشط فى رقعة تمتد من غرب العراق إلى شمال سوريا ولبنان. فالمنطقة والطبيعة الجغرافية الموحشة لحدود تمتد فى الصحراء 600 كيلومتر تسهل تسلل المهربين والمقاتلين، كما أن الروابط العشائرية الممتدة عبر الحدود تسهل من حركة المقاتلين ذهابا وإيابا من سوريا خلال الصراع. ويرفض بعض أهالى المنطقة الاعتراف حتى بالحدود الدولية. كما تكمن أبرز عقبة فى العداء السياسى والطائفى الذى يكنه سكان محافظة الأنبار «السنة» للحكومة المركزية بقيادة الشيعة مما يضعف سلطتها هناك. وكان تنظيم «داعش» قد استغل حالة الفراغ الأمنى فى الفلوجة والرمادى لإقتحام المدينتين، حيث انشغلت قوات الشرطة والجيش والعشائر بفض اعتصام للقوى السنية المناوئة للحكومة حتى يوم 2 يناير، وأخلت قوات الشرطة مراكزها فى الفلوجة والرمادى، وانشغل الجيش بقتال مسلحى العشائر الرافضين لفض الاعتصام منذ يوم 30 ديسمبر 2013. وعلى الرغم من إخلاء الاعتصام على الطريق السريع المؤدى إلى سوريا والأردن، سلميا، يوم 30 ديسمبر2013، فإن مسلحى العشائر السنية الرافضة لفض الاعتصام شنوا هجمات انتقامية ضد قوات الجيش. وباختصار، فإن المعركة فى الأنبار تدور بين أربعة أطراف مقاتلة، الأول هو عناصر تنظيم «داعش»، والثانى هو قوات «الصحوة» التى تقف إلى جانب الشرطة والجيش، والثالث هو «العشائر» ذات الموقف المتأرجح حيث يدعم فريق الحكومة بينما يعاديها فريق آخر، بالإضافة لما يعرف بالمجلس العسكرى الذى أعلن تأسيسه فى بداية العام الحالى بالفلوجة ويتكون من مجموعات مسلحة أعلنت فى الثالث من يناير الحالى تشكيل هذا المجلس لقتال القوات الأمنية دون توضيح دقيق حول موقف المجلس من تنظيم "داعش".