بكرت الأطراف الدولية بدعوتها قيام مؤتمر لحل الأزمة السورية, لم يكن في الأفق علامات تشير إلي إمكانية إقلاع قطار التسوية من المحطة السويسرية, رغبة بعض الدول, لو افترضنا أنها موجودة, والتكتيكات السياسية التي تمارسها أطراف الصراع في إطار اللعبة السياسية, مؤشرات لا تكفي لصناعة حل للأزمة. ليست الأطراف الحاضرة للمؤتمر هي التي تتحكم بساحة الصراع, تطورات الحرب حولتها إلي مجرد واجهات, هذا الأمر ينطبق علي كل الأطراف المنخرطة بالأزمة, الداخلية منها والخارجية, فللحرب بنيتها الخاصة والدافعة إلي استمرار عمل آلتها, هذه البنية موجودة في قلب النظام السوري وفي قلب الثورة, وداخل وزارات الدفاع والحرب ووزارات الخارجية لدي كل الدول. للحرب أيضا صيرورتها, وهي تصر علي إكمالها, ليس للأمر علاقة بالحتميات ولا تنجيما بالغيب, بل القضية لها علاقة ببنية تشكلت بحكم الأمر الواقع وكنمط استجابة لظروف واقعية, ثم صارت بحكم الأمر الواقع أيضا نظاما متكاملا له مدخلاته ومخرجاته وينطوي علي مؤيديه الضامنين لاستمرارهم, كما ينطوي علي نمط من العلاقات التي يصبح فصمها مستحيلا. ويندرج الأمر أيضا علي البعد الإقليمي المحيط للحرب, والحاضن لها, خاصة في ظل وجود خريطة متشابكة ومعقدة, اثنيا وجغرافيا, كالخريطة التي ينطوي عليها المشهد السوري, إذ يتضح أن أول عنصر تضربه هذه الأزمة بتفاعلاتها وارتداداتها, هي الحدود التي تتحول إلي حالة سائلة تتشكل علي هامشها جملة من المصالح الجديدة تقوم علي تهريب الأسلحة واللاجئين, كما هو حاصل الأن علي حدود سورية باتجاهاتها المختلفة مع تركيا والعراق والأردن, حيث تنمو في هذه المناطق وبحكم التمازج الديمغرافي وروابط القرابة والنسب علي الحدود, شبكات من العلاقات ذات الطبيعة المتضاربة والتي تتداخل فيها عوامل القرابة والمصلحة ناهيك عن إمكانية تعرض تلك المنظومة من العلاقات إلي أنواع من الاختراق الإستخباراتي بمستوياته الإقليمية والدولية. يحصل ذلك بالتزامن مع تضعضع المراكز الأساسية في الإقليم جراء صدمة الحرب ونتيجة انحراف بنية صناعة القرار في تلك المراكز عن مهمتها الرئيسية وتحولها إلي طرف صراعي, استجابة لطبيعتها الأيديولوجية والإثنية في الغالب, وهو الأمر الذي يضيف تعقيدات علي هذا النوع من الأزمات لا يلبث أن يندمج بها ويحولها إلي معطي ثابت ونهائي, ولعل المثال العراقي بهذا الخصوص الأكثر سطوعا, حيث تندمج القيادة الوطنية العراقية في إطار مخطط مذهبي يكاد يطغي علي البعد الوطني العراقي مما يزيد من التعقيدات الإقليمية بزيادة منسوب الأبعاد اللا سياسية في الإشكالية القائمة ويعقد تاليا أدوات الحل وممكناته, ويكاد الأمر ذاته ينطبق علي الأداء السياسي لنظام الحكم في سورية, حيث كشفت الأزمة عن انحراف خطير باتجاه مذهبة الصراع وإغراقه بالتعقيدات الما قبل دولتيه وانخراط بنية صناعة القرار السوري في خضم الصراع المذهبي, رغم استمرار الخطاب القومي والحداثي والذي لا يعدو كونه قشرة أزالتها السلوكيات المناقضة. أيضا ولد اندراج الأزمة في السياق الدولي جملة من التعقيدات المتشابهة, إذ لم تقف القضية علي تعميق خطوط الانقسام الدولي, تلك نتيجة, أما الواقع, فيتزامن مع تفجر الأزمة وتطورها في ظرف دولي منحرف كان يبحث عن منابر يعبر من خلالها عن حالة الانحراف تلك وحالة الثورة علي عالم القطبية الأوحد الذي فرضته أمريكا علي العالم عقب انتصارها علي الشيوعية وأرادت ان تحوله إلي معطي نهائي ونهاية للتاريخ. وفوق ذلك فقد تشكلت داخل تلك القوي بني ومراكز لها علاقة بالأزمة السورية, ربما ليس بالتعيين الدقيق, سورية جغرافية ونظام سياسي, وإنما بوصفها حالة سياسية إستراتجية, وبصفتها مختبرا لصراع القوي وفحص مديات القدرة وحدودها. وعلي هامش تلك التعقيدات السابقة يجري طرح حل الأزمة السورية, دون عناء محاولة تفكيك تلك التعقيدات التي تكتنفها تلك الشبكة, وهو ما يمكن تفسيره وفق إطار احتمالين لا ثالث لهما. الأول: أن جميع الأطراف الذاهبة للتفاوض إنما ذهبت لتستكشف مدي الوهن الذي أصاب الطرف الآخر, أو ما هي استعداداته للمرحلة المقباة, وفي الحالتين جاءت تلك الأطراف معتمرة خوذتها العسكرية وبالتالي تخلو جيوبها من أي مبادرة سياسية حقيقية. الثاني: إن الحرب صارت فوق قدرة الأطراف علي الحل, وبالتالي فإن كل طرف يذهب بقصد إجراء عملية تلاقح للمقاربات المختلفة عسي أن ينتج عن ذلك مقاربة تضمن مصالح الأطراف كلها وتفتح نافذة للخروج من هذا الكباش الذي بات يهدد بالانسحاب علي ملفات دولية عديدة. في الحالتين, يظهر أن حل الأزمة لازال عجرا, لم ينضج بعد, ولازالت الأمور, رغم كارثيتها علي الحيز السوري وقاطنيه, بحاجة لجولات أكثر سخونة تكون كفيلة بإنضاج ثمرة الحل, وهنا ثمة سؤال يطرح نفسه بإلحاح, تري ما هو النمط الصراعي المقدر أن تتخذه مسارات الأزمة لتهيئة الحل المطلوب وإعادة صياغة المشهد السوري بحيث يصبح قابلا للاستثمار التفاوضي, أو لتوليد الحلول التي يرغب بها كل من طرفي الصراع, وخاصة الأطراف الدولية الفاعلة والمؤثرة؟. لا شئ سوي إضافة مزيد من التفجير علي مشهد متفجر أصلا, هكذا يقول المنطق والخبرة التاريخية لمثل هذا النمط من الصراعات. لمزيد من مقالات غازى دحمان