وزير التعليم العالي: جاهزية مكتب التنسيق الرئيسي بجامعة القاهرة لبدء أعماله    الأزهر الشريف: سحبنا بيان غزة حتى لا يؤثر على المفاوضات الجارية    زلزال يضرب بحر "أندامان" في الهند    غزل المحلة يخوض 3 مباريات ودية في معسكر بالقاهرة    تعيين اللواء أسامة نصر مديرًا لأمن الغربية    «سينما يوليو».. شاهد على تأسيس الجمهورية الأولى    الكشف على 394 مواطنًا وإجراء 10 عمليات جراحية في اليوم الأول لقافلة شمال سيناء    تجدد القتال لليوم الثالث بين كمبوديا وتايلاند ووقوع ضحايا ومصابين    رئيس هيئة قناة السويس: نلتزم بالدور المحوري للقناة في تحقيق الاستدامة لسلاسل الإمداد العالمية    الأهلي يعلن إعارة يوسف عبد الحفيظ إلى فاركو    محمد شريف: شارة قيادة الأهلي تاريخ ومسؤولية    عقوبة الإيقاف في الدوري الأمريكي تثير غضب ميسي    وزير الشباب: تتويج محمد زكريا وأمينة عرفي بلقبي بطولة العالم للاسكواش يؤكد التفوق المصري العالمي    مصر تستورد 391 ألف طن من الذرة وفول الصويا لدعم احتياجات السوق المحلية    الداخلية تكشف ملابسات فيديو طفل يقود سيارة وتضبط المتورطين في الجيزة    تعرف على موعد الصمت الدعائي لانتخابات مجلس الشيوخ 2025    كلمتهم واحدة.. أبراج «عنيدة» لا تتراجع عن رأيها أبدًا    سميرة عبدالعزيز في ندوة تكريمها: الفن حياتي.. وبرنامج «قال الفيلسوف» هو الأقرب لقلبي    دور العرض السينمائية تقرر رفع فيلم سيكو سيكو من شاشاتها.. تعرف على السبب    عالم أزهري: تجنُّب أذى الأقارب ليس من قطيعة الرحم بشرط    بنك الأهلى فاروس يقترب من إغلاق إصدارين للصكوك ب8 مليارات جنيه فى الاستثمار الطبى والإنشاءات    تقرير فلسطيني: إسرائيل تسيطر على 84% من المياه بالضفة    ناهد السباعي تتربع على عرش التريند بسبب إطلالة جريئة    وكيل صحة الدقهلية يوجه المستشفيات برفع كفاءة الأداء والتوسع في التخصصات الدقيقة    إخلاء سبيل زوجة والد الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    الرئيس السيسي ونظيره الفرنسي يؤكدان ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية لأهالي قطاع غزة    صور| ترامب يلعب الجولف في مستهل زيارته إلى أسكتلندا «قبل تظاهرات مرتقبة»    بيراميدز يقترب من حسم صفقة البرازيلي إيفرتون دا سيلفا مقابل 3 ملايين يورو (خاص)    أحمد حسن كوكا يقترب من الاتفاق السعودي في صفقة انتقال حر    أكسيوس عن مصادر: أعضاء بإدارة ترامب يقرون سرا بعدم جدوى استراتيجيتهم بغزة    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    الأزهر يرد على فتوى تحليل الحشيش: إدمان مُحرّم وإن اختلفت المُسميات    محافظ البحيرة: 8 سيارات لتوفير المياه في المناطق المتضررة بكفر الدوار    محافظ المنيا يضع حجر الأساس المرحلة الاولى من مبادرة "بيوت الخير"    نجاح جراحة ميكروسكوبية دقيقة لاستئصال ورم في المخ بمستشفى سوهاج الجامعي    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    وزير الزراعة اللبناني: حرب إسرائيل على لبنان كبدت المزارعين خسائر ب 800 مليون دولار    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتائج الربيع العربي : الحالة التنافسية « في مصر »والحالة الصراعية «في سوريا » ونمط المهادنة«في المغرب»
نشر في القاهرة يوم 06 - 12 - 2011

في الأيام القليلة الماضية، تشعبت الأحداث في المنطقة العربية، ومحيطها الشرق أوسطي، بصورة غاية في الكثافة والتصعيد إلي حد " التسخين " و " الصدام "، بدرجات غير مسبوقة، علي هذا النحو، منذ عدة عقود، وطبعا جاء هذا التسخين والتصعيد في سياق " موجة " التغيير السياسي التي تجتاح المنطقة منذ أوائل عام 2011 مما اصطلح علي تسميته بالربيع العربي . ولأن الانتفاضات والثورات والاحتجاجات العربية التي ملأت فضاءات المنطقة جاءت " سياسية " بامتياز، مقدمةً المطلب الديمقراطي علي ما عداه من مطالب اجتماعية مشروعة، فإن ذلك دل في جوهره علي سقوط نظريات " الاستثناء " أو " الاستعصاء " الديمقراطي العربي، هذا، مع ملاحظة أن " الانطلاقة " العربية علي درب الانتقال الديمقراطي تكتنفها صعوبات عميقة وجذرية، حتي أنها بشيء من اللاتفاؤل، تهدد بالعودة إلي المربع الأول . علي كل، في هذا السياق، يفيدنا أن نطرح " جردة " مبدئية لثورات الربيع العربي منذ اندلاعها، وحتي اليوم . فهناك الثورات التي شهدت فورة شعبية جامحة، وهادرة، وجاءت نتائجها سريعة، وتمثلها ثورتا تونس 19 ديسمبر 2010 حتي سقوط الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير ، وثورة مصر في 25 يناير 2011 حتي سقوط الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير 2011 . ثم تأتي في الدرجة الثانية زمنيا ثورات ليبيا واليمن وسوريا منذ شهر مارس 2011، وهي انتفاضات عانت الأمرين علي أيدي زعمائها الذين تشبثوا بالسلطة بتصميم بالغ أبان أمام المجتمع الدولي نوعية " الاستبداد العربي "، وصولا إلي سقوط القذافي وقتله، وموافقة علي صالح في اليمن علي نقل السلطة أخيرا، وما يجري حاليا من محاولات لإقناع الرئيس السوري بشار الأسد لنقل السلطة، علما بأن حالات ليبيا واليمن وسوريا تحولت إلي انتفاضات مسلحة أو مسلحة جزئيا ، وما اكتنف ذلك من تدخلات إقليمية ودولية. وفي الساحة العربية أيضا، هناك الحالة الثالثة للانتقال الديمقراطي، في الدول التي شهدت قلاقل شعبية لم ترق إلي مستوي الثورة، كما في المغرب، والأردن، وسلطنة عمان، والجزائر، والسودان . هذا التطور العربي شديد الأهمية بتنوعاته علي المستويات العربية والإقليمية والعالمية، ُيمكنِنا من إجراء عملية " تنميط " مبدئية وحالية لحالات الانتقال الديمقراطي في المنطقة العربية، وتداعياتها الحالية والمتوقعة، وهو ما يتوزع بين ثلاثة أنماط هي : النمط التنافسي، والنمط الصراعي، والنمط التهادني، علما بأن عملية الانتقال الديمقراطي هي عملية process مستمرة، ولا تتحقق مرة واحدة وكفي . أولا- النمط التنافسي 1- تمثل مصر حالة مثالية للنمط التنافسي / الانقسامي والذي مر بعدة مراحل منذ سقوط مبارك في 11 فبراير، وتولي المجلس العسكري الأعلي الحكم في مصر واضطلاعه بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، بالرغم من وجود حكومة بجواره، غير أن الثابت أن المجلس العسكري باشر جميع شئون الحكم بإرادة منفردة . وفي ظل الدور الموسع للمجلس العسكري كان يمكن حل المشكلات بطريقة سلسة، والاستمرار فيما أطلق عليه " خطة الانتقال الديمقراطي " أي بإجراء الانتخابات التشريعية، وانتخاب المجلس التأسيسي لوضع الدستور، وصولا إلي مرحلة انتخابات الرئاسة، ومن ثمة عودة العسكريين إلي ثكناتهم، حسبما كانت الخطة المتصورة في أعقاب ثورة 25 يناير، وحسب وعود المجلس العسكري، غير أن الحالة المصرية تطورت إلي مشهد تنافسي حاد بين التيار الإسلامي، والقوي السياسية التقليدية، والمجلس العسكري، علي نيل أكبر نصيب ممكن من " كعكة السلطة " . وعلي مدي عشرة أشهر، سعي كل طرف لفرض سيطرته واستعراض قوته بغض النظر عن إرادة الشعب المصري الحقيقية . 2- و قبل أسبوع من إجراء الانتخابات المقرر بدؤها في 28 نوفمبر، انفجر الموقف في مصر مرة أخري بصورة أعادت للأذهان موقف الانتفاضة الشعبية العارمة في 25 يناير، وعاد شباب الثورة للاعتصام في ميدان التحرير منذ 18، 19 نوفمبر ، ليبدو الأمر وكأن قطار الثورة لم يتحرك من مكانه، ولم يتم إحراز أية خطوة علي طريق تحقيق أهداف الثورة . والحقيقة أن كافة الرؤي التي علقت علي تجدد الثورة المصرية أرجعتها عموما إلي عدة أسباب منها : 1- التباطؤ الشديد في اتخاذ القرارات من جانب الحكومة والمجلس العسكري،علي مدي عشرة أشهر، خاصة فيما يتعلق بالأمور الملحة، وما يتعلق بالمشكلات الحياتية التي يعاني منها المصريون، وخاصة فيما يتعلق بالحالة الأمنية التي وصلت إلي درجة تنذر بخطر ماحق . 2- عدم تحقيق أيه نتائج حقيقية فيما يتعلق باسترداد المليارات المصرية التي هربها مبارك وأبناؤه ورجال حكمه إلي الخارج، وإعلان مؤسسات غربية أن الحكومة المصرية لم تأخذ إجراءات مباشرة ورسمية في هذا الصدد . 3- تسرب الإحساس لدي المصريين أن نظام مبارك مايزال فاعلا، وموجودا، ويمارس الحكم، برعاية القائمين علي الحكم، خاصة وأن " المحاكمات " تسير بسرعة السلحفاة . 4- استشعار غالبية المصريين، بعد إعلان وثيقة السلمي، وما تضمنته من امتيازات تتعلق بميزانية الجيش، واستئثاره بما يتعلق بشئون المؤسسة العسكرية، أن المجلس الأعلي يريد تحقيق امتيازات للجيش، وجعله فوق المؤسسات، وتحدث البعض عن رغبة المجلس العسكري في تمديد مدة وجوده علي قمة السلطة السياسية . 5- الصدام الذي وقع بين مجموعة من المعتصمين في التحرير وقوات الأمن (شرطة، وجيش ) في 19 نوفمبر وقسوة الأمن المصري في مواجهة المواطنين العزل، ما أغضب جموع المصريين الذين اندفعوا مجددا إلي ميدان التحرير، ثم بعد ذلك الصدام الدموي في شارع محمد محمود أمام وزارة الداخلية، وسقوط 41 قتيلا . وفي هذا السياق، تمحور المطلب الرئيسي المعلن لمعتصمي التحرير في " انسحاب المجلس العسكري " وتسليم السلطة للمدنيين، وتخلل ذلك المطالبة بتشكيل " حكومة انقاذ وطني " بدلا من حكومة عصام شرف التي لم تكن سوي هيئة سكرتارية للمجلس العسكري بدون صلاحيات حقيقية . والحقيقة أن هذه اللحظة تحديدا أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن المجتمع المصري منذ فبراير 2011 لم يتوصل بعد إلي " خطة مستقبلية مفصلة " تقبل بها الجماعة المصرية بخصوص مستقبلها السياسي وتأمين عملية الانتقال الديمقراطي ، وما أكثر الخلافات التي وقعت " مجتمعيا " بين من يريدون تقديم عملية اختيار الدستور علي اجراء الانتخابات، وما أكثر الخلافات التي وقعت بين من يؤيدون المجلس العسكري، ومن يطالبون برحيله فورا، وما أكثر الخلافات والانقسامات التي وقعت بين الأحزاب والقوي السياسية والائتلافات السياسية، حيث ظهرت القوي السياسية بمظهر الساعي لتحقيق مآرب شخصية وحزبية والحصول علي أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان أكثر من أي شيء آخر، وما أكثر التفتيت الذي مرت به الأطراف السياسية الفاعلة، وهكذا، مثلت مصر، بكل معني الكلمة نموذجا معبرا للنمط التنافسي / الانقسامي . وهنا، لابد من التذكير بأن اعتصامات التحرير للمرة الثانية أثمرت بعض النتائج ، فقد سقطت حكومة عصام شرف، وتم تكليف رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري بتشكيل حكومة جديدة (ورفض معتصمو التحرير القبول بالجنزوري ) كما تعهد المجلس العسكري مجددا بتسليم السلطة في موعد أقصاه الأول من يوليو القادم، وتقرر تشكيل مجلس استشاري مدني يعمل إلي جوار الحكومة والمجلس العسكري، علي أن تنتهي مهمته بانتهاء انتخابات مجلسي الشعب والشوري في مارس 2012 6- في ظل هذا المناخ، أجريت انتخابات المرحلة الأولي لانتخاب مجلس الشعب، والتي تقرر أن تجري علي يومين 28، 29 نوفمبر، بمشاركة أكثر من 50 حزبا سياسيا، وتقدم 36 حزبا وائتلافا ب 199 قائمة حزبية، تضم 1452 مرشحا، إضافة إلي 108 مرشحين من الأحزاب والمستقلين علي المقاعد الفردية . ومثل مرشحو 7 أحزاب وائتلافات أكثر من 50 % من مرشحي الأحزاب بالمرحلة الأولي وهي : العدالة والحرية ( الإخواني ) 135 مرشحا ، يليه الوسط الإسلامي 112 مرشحا، والنور السلفي 108 مرشحين، وتحالف الكتلة المصرية ( الليبرالي ) 104 مرشحين، وائتلاف الثورة مستمرة 88 مرشحا . أما عن التحالفات فقد ضمت " التحالف الديمقراطي من أجل مصر "، و " تحالف القوي الإسلامية "، و "تحالف الثورة مستمرة "، و" الكتلة المصرية " . 7- كان يمكن أن تمر اللحظة الانتخابية بكثير من التفاؤل، خاصة مع الإقبال الشعبي الكبير علي التصويت، وانخفاض نسبة العنف إلي حد كبير، وخضوع الانتخابات لمراقبين مصريين وأجانب، غير أن تصريحات صدرت عن المجلس العسكري أثارت جدلا وتساؤلات حول أسلوب المجلس العسكري في الحكم، ومنها تصريح اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون القانونية والدستورية ( أنه لا يحق لمجلس الشعب المقبل سحب الثقة من الحكومة الحالية، أو إقالتها أو اختيار أعضاء الحكومة المقبلة، وذلك طبقا للإعلان الدستوري الذي ينص علي أن تشكيل الحكومة من سلطات رئيس الجمهورية، لأن النظام المصري رئاسي برلماني دستوري قانوني وليس برلمانيا ) . يذكر أن البرلمان في عهد مبارك كان من حقه سحب الثقة من وزير أو الوزارة كاملة، بناء علي استجواب برلماني، ولكن بإجراءات معقدة تجعل للسلطة التنفيذية الكلمة العليا، غير أن الإعلان الدستوري المشار إليه والذي صدر في مارس 2011 قلص سلطات البرلمان بالنسبة للحكومة في الرقابة علي أعمالها فقط . وفي السياق العام ، بدا واضحا إصرار المجلس العسكري علي القيام بدور " حامي الشرعية " بدلا من صاحب الحق الطبيعي في ذلك وهو الشعب . لذلك أثيرت تساؤلات مهمة : وماذا بعد الانتخابات ؟ وهل ستوافق الأغلبية البرلمانية علي نص الإعلان الدستوري الذي سحب منها حق تشكيل حكومة شرعية منتخبة ؟ وهل سيتم تعديل صلاحيات المجلس العسكري بعد صدور الدستور ؟ وهل يصيغ المجلس العسكري قانون الانتخابات الرئاسية الجديدة ؟ أم سيجري اتباع قانون الانتخابات الرئاسية الذي كان ساريا في عهد مبارك ؟ 8- ومع ذلك، مثلت اللحظة الانتخابية رغبة شعبية صادقة في ترميم الكثير من الشقوق والانقسامات والإحباطات في الساحة المصرية، وكانت في جوهرها انحيازا لمصالح مصر العليا والرغبة في بناء المستقبل، ليس لصالح طرف ما، ولكن لصالح مصر والمصريين جميعا، إذن فلحظة الانتخابات مثلت وعيا مصريا يعلو علي الانقسامات المصطنعة بين التحرير والعباسية، ويعلو ويتسامي أيضا علي انقسامات القوي السياسية علي اختلاف أطيافها، فالانتخابات بالنسبة للمصريين، في المرحلة الحالية، مقصودة لذاتها، إعلاء لقيمتها في الاستجابة لطموحه المستقبلي. 9- وفي المرحلة القادمة، ربما سيكون من مهماتها الرئيسية أمام القوي السياسية التوصل إلي صيغة مجتمعية مقبولة للعلاقة بين المؤسستين العسكرية والسياسية، فالجيش المصري ليس بالمؤسسة الهينة في بنية مؤسسات السلطة في مصر، ولقد عاش العسكريون مواكبين للسلطة السياسية وليسوا بعيدين عنها علي مدي عدة عقود، كما أن الجيش المصري له أدوار مدنية مجتمعية ومشروعاتية واسعة النطاق، وبالتالي، فإن سحبه من الحياة السياسية والمدنية لن يتأتي بين يوم وليلة، ولابد من الاعتراف بدور الجيش في حماية الثورة ونصرتها في أيامها الأولي، ولقد كانت بحق لحظة فارقة وتاريخية بكل المقاييس . غير أن الجديد هو أن مصر تعيش الآن في ظل لحظة إعادة تأسيس، أي وضع أسس للبناء المستقبلي لدولة ديمقراطية حديثة، وكما هو متعارف عليه في الدول الديمقراطية فإن للمؤسسة العسكرية نطاقها بحيث لا تتدخل في الحياة السياسية، وهذا المبدأ " الديمقراطي " سيحتاج من الجماعة السياسية في مصر جهودا كبيرة في المرحلة القادمة حتي يتم التوصل إلي صيغة مقبولة لتنظيم العلاقة العسكرية المدنية الشائكة . وسوف يساعد كثيرا في الوصول إلي هذا الهدف الكبير أن تعترف المؤسسة العسكرية بأن ما وقع في مصر في يناير 2011 هو " ثورة " هزت وخلخلت وأسقطت الكثير من الحقائق والثوابت، فقد سقطت لدي المصريين وإلي الأبد " ثقافة الخوف من السلطة "، وسقطت " نظريات الحكم الفرعوني "، وسقطت نظرية " تأليه الحاكم "، ويشرع المصريون في بناء ثقافة سياسية مدنية حديثة تقوم علي الحوار والمساءلة وحق الاختلاف والتعددية الفكرية والسياسية، وحماية حقوق الإنسان، والمشاركة في دوائر صناعة القرار لبناء مستقبل مصر . ثانيا - نمط الصراع الإقليمي 1- هذا النمط الصراعي اكتسب هذا الاسم لأنه ينطوي علي
درجات متداخلة ومعقدة من الحالة الصراعية علي المستويات الداخلية، والإقليمية، والعالمية بصورة متشابكة ومعقدة، وهو ما تمثله حالة " سوريا " بامتياز، حتي مع الاعتراف بأن كل الحالات هي بصورة ما صراعية، ولكننا نركز هنا علي مقتضيات اللحظة الراهنة "، أي بعد 11 شهرا من عمر الثورات العربية، ففي النموذج السوري، تقترن الأحداث الداخلية بالغة العنف والاضطرابات بدوائر الصراع الإقليمي علي مستوي منطقة الخليج، واحتمالات التدخل الدولي المباشر، ومخاطر نشوب حرب أهلية تنتقل من سوريا إلي دول الجوار ( لبنان والعراق وإيران وتركيا ) واحتمالات بلقنة مساحة واسعة تمتد علي مساحة واسعة بما في ذلك الدول الخليجية . ويقول أنتوني سكينر محلل شئون الشرق الأوسط في مؤسسة ميبلكروفت في لندن إن مشكلة سوريا أن حالتها غير ليبيا، فالصراع له تداعيات إقليمية واسعة النطاق وصولا إلي منطقة الخليج، ويركز آخرون علي علاقة الموقف الداخلي في سوريا، ومصير النظام السوري، ورغبة الغرب في إسقاط النظام الإيراني، وهو ما يبدأ بخسارة إيران للورقة السورية . 2- وفي المرحلة الحالية نشهد فصولا متتابعة و حالة "صراعية " مباشرة بين النظام السوري ومؤيديه إقليميا ودوليا ) من ناحية، والجامعة العربية ومن يؤيدونها إقليميا وعالميا من ناحية أخري ، مع إصرار النظام السوري علي رفض " الحل العربي " ورفضه القبول ببعثة المراقبة العربية التي وافقت عليها الجامعة للتحقق مما يجري داخل سوريا ( من مجازر يراها العالم كله ) واتجاه " آليات "الجامعة العربية لفرض العقوبات الاقتصادية علي سوريا بالتعاون مع تركيا (منع سفر شخصيات سورية إلي الدول العربية، ووقف التعاملات التجارية مع النظام، ووقف التعامل مع البنك المركزي السوري، ومنع تبادل السلع إلا تلك التي تؤثر علي معيشة السوريين )، هذا فضلا عن التطورات المحتملة في الحالة السورية، إذا ما تطور الموقف إلي مستوي صدور قرار من مجلس الأمن الدولي، وبالتالي فتح المجال للتدخل الدولي في الحالة السورية . وهنا لابد من ملاحظة أن الشعب السوري، مع كل معاناته الاقتصادية، يري أن العقوبات التي فرضتها الجامعة العربية غير كافية علي الإطلاق، ولن تؤثر علي نظام بشار الأسد، لأن جبهة العراق ولبنان مفتوحة أمامه، وبالتالي، فإن العقوبات الصادرة من الجامعة لاتؤثر علي النظام، وهي عبارة عن " مهلة " مفتوحة لبشار الأسد لاستمرار قمعه الدموي للمحتجين السوريين . 3- ويكتنف النموذج السوري وتداعياته درجة عالية من "الصراع " الإقليمي والتطورات المرشحة للتصاعد، ففي خضم تصلب النظام السوري في مواقفه، ورفضه التعاون علي أي مستوي، تابع ذلك بالسماح بدخول متطوعين من العراق وإيران ولبنان أي عناصر من رجال مقتدي الصدر والحرس الثوري الإيراني وحزب الله وحركة أمل، للمشاركة في التصدي للمتظاهرين ومعارضي النظام السوري، كما ترددت أنباء عن قيام عناصر عراقية بشراء أجهزة تنصت علي الهاتف الجوال من دول أوروبية ، لحساب النظام السوري، لتعقب اتصالات منظمي الاحتجاجات . 4- علي صعيد آخر، وفيما يتصل بقوة بالنمط الصراعي السوري، هناك ما يتعلق بالتصعيد السعودي الإيراني علي خلفية تطورات العلاقة الخليجية السورية . ففي بدايات شهر نوفمبر أكد ولي العهد السعودي الجديد نايف بن عبد العزيز أنه " لا تفاهم مع إيران " وجاء ذلك علي خلفية الاتهام الأمريكي لإيران بالضلوع في مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن . وبمنظور آخر، تبدو سوريا وكأنها حقل للكثير من الصراعات بين عدة أطراف، وهناك توقعات أن يجري استغلال الحالة السورية لكسب النفوذ من جانب قوي إقليمية ودولية وهي تحديدا : روسيا، وإيران، وتركيا . 5- وفيما نظر إليه علي أنه أخطر عناصر تصعيد الصراع الإقليمي ما أكدته مصادر بحرينية ومؤداه أن دوائر استخباراتية سعودية وبحرينية تمكنت من اعتقال عدد من الأشخاص ينتمون إلي " خلايا نائمة " ترعاها ( دولة إقليمية ) للقيام بعمليات تخريب في السعودية والكويت والبحرين، انتقاما من الموقف الخليجي تجاه نظام بشار الأسد، وفي محاولة لتخفيف الضغط عليه . 6- وتكتمل صورة عناصر النمط الصراعي بمتابعة ما تشهده المنطقة الشرقية في السعودية وهي المركز الرئيسي لشيعة السعودية الذين يشكلون 10 % من سكان المملكة ( 19 مليون نسمة ) حيث وقعت صدامات أمنية أسفرت عن سقوط عدد من القتلي، وقالت عدة مصادر إن شيعة القطيف السعودية يشكون من تحيز السلطات ضدهم ، فيما يتعلق بالحقوق السياسية والمراكز الإدارية، ويطالبون بتحسين أوضاعهم خاصة أن المنطقة الشرقية هي الأغني بالثروة النفطية، وهي أكثر المناطق تهميشا في المملكة، ويتردد أن تسخين الموقف في القطيف يقصد به إثارة القلاقل في السعودية، انتقاما من تشددها نحو سوريا، وقد قامت خلايا منسوبة إلي مايعرف ب"حزب الله الحجاز " بشن هجمات علي قيادات شيعية توصف بأنها معتدلة في المنطقة الشرقية . 7- علي الصعيد الدولي تتقاطع عدة دوائر كتداعيات للأزمة السورية، فمن ناحية أكدت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة أن قوات الجيش والأمن السورية ارتكبت جرائم ضد الإنسانية تشمل القتل والتعذيب والاغتصاب، وأن حكومة الرئيس بشار الأسد تتحمل المسئولية عن تلك الجرائم، وأن سياسات وتوجيهات صدرت علي أعلي المستويات في القوات المسلحة والحكومة لإساءة معاملة المدنيين، ومن المقرر عرض التقرير في مارس القادم علي الدورة التاسعة عشرة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . ومن ناحية أخري، تتسع دائرة المواجهات الدولية المحتملة علي خلفية الأزمة، حيث أعلنت روسيا عن إرسال مجموعة من السفن الحربية الروسية التي تضم حاملة الطائرات " الأدميرال كوزنيتسوف " إلي ميناء طرطوس السوري، مما شكل مفاجأة في مسار الأزمة السورية، وجاء بمثابة رسائل لكل من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكذلك للجامعة العربية، ما فسرته بعض المصادر علي أنه موقف دفاعي من جانب روسيا عن سوريا . وبالفعل، قامت الأطراف والقوي الموالية للنظام السوري بتصوير الأنباء التي أكدت وصول ثلاث بوارج حربية روسية إلي ميناء طرطوس علي أنه "إعلان حماية " من جانب روسيا لمن يهمه الأمر، وفي مواجهة أية احتمالات للتدخل الدولي الغربي في روسيا . وهنا لابد من أن نذكر أن ارسال حاملة الطائرات الروسية إلي طرطوس سيتم في ربيع العام القادم، كما أن هذه الزيارة محددة سلفا منذ عام 2010، وسوف تقوم البوارج الحربية الروسية أيضا بزيارة بيروت وجنوة وقبرص . مع ذلك ، تؤكد دوائر عربية وأجنبية أن زيارة البوارج الروسية لها صلة مباشرة بما يجري في سوريا، بينما علق عضو المجلس الوطني السوري أديب الشيشكلي أن روسيا لا تعمل اليوم علي حماية النظام السوري بقدر ما تبحث عن صفقة وثمن ما تريده من الأمريكيين والأوروبيين والعرب، مشيرا إلي أن روسيا هي اليوم أكثر ما تكون قربا لبيع النظام السوري، لأنها تدرك أنه أصبح آيلا للسقوط . 8- غير أن دائرة الصراع المحتمل تتسع، حيث وصلت بالفعل إلي قرب السواحل السورية حاملة الطائرات الأمريكية "جورج اتش بوش " حيث تؤكد مصادر الخارجية الأمريكية أن حاملة الطائرات " بوش " موجودة في البحر المتوسط كجزء من قطع الأسطول السادس، ولكن مصادر أخري قالت إن تحركات الحاملة من غرب المتوسط إلي شرقه لها علاقة بجهود إسقاط الرئيس بشار الأسد، وتوتر العلاقات بين أمريكا وإيران . ثالثا- نموذج المهادنة 1- تمثل المغرب نمطا نموذجيا لحالة " المهادنة " حيث سعت المؤسسة الملكية لاحتواء المطالب الإصلاحية ومحاولة الاستجابة لها بقدر يرضي المعارضين، فقد تم طرح دستور جديد تم إقراره بأغلبية كبيرة في استفتاء يوليو الماضي، وتضمن تنازل الملك عن بعض سلطاته لصالح الحكومة والبرلمان، ثم أجريت الانتخابات التشريعية في 25 نوفمبر، وأسفرت عن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل بأكبر عدد من مقاعد البرلمان، وكانت أولي كلمات عبد الإله بن كيران الأمين العام للحزب بعد الفوز تؤكد " الولاء " للمؤسسة الملكية، والعمل مع الفرقاء السياسيين الآخرين علي أساس مبدأي : الديمقراطية والحكم الرشيد، وأكد بن كيران ( الذي كلفه الملك بتشكيل الحكومة ) أن المغاربة يحرصون علي نظامهم الملكي، ولكنهم يريدون له أن يتطور معهم . 2- وجاء فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل ب 107 من مقاعد البرلمان البالغة 395 مقعدا بما يساوق الحالة العربية بعد ثورات الربيع العربي وصعود الإسلاميين إلي الحكم في تونس ومصر، وكان العدالة والتنمية المغربي قد فاز بثمانية مقاعد في انتخابات 1997، وتصاعدت شعبيته وحصل علي 42 مقعدا في انتخابات 2002 وكانت أول انتخابات بعد تولي الملك محمد السادس الحكم، ثم زاد نصيب الحزب في انتخابات 2007 ليحصل علي 47 مقعدا . ومثل كل الأحزاب الإسلامية، حرص حزب العدالة والتنمية المغربي علي تبني قضايا يتجاوب معها الناس بقوة من باب التدين ومنها معارضة المهرجانات الموسيقية الصيفية وبيع المشروبات الكحولية، بالإضافة إلي القضايا الحياتية ومنها الدعوة لمحاربة الفساد والبطالة والفقر، ويمزج الحزب خطابه السياسي والديني أسوة بالأحزاب الإسلامية في الساحة العربية حاليا . 3- ويلفت الانتباه في الحالة المغربية أن نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية كانت تدور حول 45 %، وهي نسبة اعتبرت أقل من المتوقع، وعزاها البعض إلي مطالب عدة أحزاب بمقاطعة الانتخابات، وهي ملاحظة مهمة بالنظر إلي دور المعارضة السياسية التي منحها الدستور الجديد صلاحيات معتبرة . ويقول محمد الطوزي رئيس المركز المغربي للأبحاث الاجتماعية إن نتائج الانتخابات تشكل أرضية لإعادة تشكيل المجال السياسي المغربي في اتجاه استقطاب ثنائي علي النحو التالي : قطب أول محافظ يعتمد المرجعية الإسلامية، ويتمحور حول حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال، وهما الحزبان الأولان في الانتخابات، ويشكلان مركز القوة في الحكومة التي تتشكل، والقطب الثاني هو قطب يساري حداثي، يدور حول حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتلتف حوله فصائل اليسار المغربي الذي يستعد لمهام المرحلة المقبلة . وسيكون علي الحكومة الجديدة الإعداد لنحو 20 قانونا تتعلق بالمؤسسات التي أنشئت بمقتضي الدستور الجديد ومنها : مجلس الأمن القومي، والمجلس الدستوري، فضلا عن تنظيم عمل الحكومة والبرلمان . 4- غير أن نموذج المهادنة المغربي ليس خلوا من المعارضة التي تنتقد الإصلاحات وتراها غير كافية، وهناك من المغاربة من يشيرون إلي نماذج تونس ومصر وليبيا حيث " تحررت قواها السياسية " بدرجات أكبر، وينتقد كثيرون استمرار تمتع المؤسسة الملكية بالكثير من الصلاحيات السياسية، وهناك حركة 20 فبراير التي تثير اعتراضات قوية، وقد تشهد الحالة المغربية تطورات مستقبلية .

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.