آثار تأييد الحكومة السودانية الكامل وغير المشروط لمشروع بناء ما سمي بسد النهضة الإثيوبي دهشة واستغراب بل واستهجان الكثير من الأوساط في مصر, وذلك لتجاوز حكومة الخرطوم ثوابت العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين ووافقت منفردة علي كامل وجهة النظر الإثيوبية ضاربة عرض الحائط بوجهة النظر المصرية وآراء الخبراء الفنيين والاستراتيجيين. موقف الحكومة السودانية لم يأت عقب التطورات التي شهدتها مصر عقب ثورة30 يونيو كما يظن البعض, وإنما كان موقف الخرطوم هو الموقف نفسه في أيام حكم الإخوان المسلمين. الذين يعتبر تنظيمهم, هو التنظيم الأب للاسلامويين الذين يحكمون السودان.. وفي حقيقة الأمر أن موقف الخرطوم المحير يحتاج ممن يريد فك طلاسمه التأمل في الأزمة الداخلية التي يواجهها النظام الحاكم في السودان, فظروف الحرب التي يقودها ضد قوات المعارضة السودانية وواقع ميدان هذه الحرب يجعل من العسير علي الخرطوم أن ترفض لإثيوبيا طلبا. تتولي إثيوبيا إدارة المفاوضات بين حكومة السودان والمعارضة المسلحة التي تسمي الجبهة الثورية, وهي تحالف يضم قوات الحركة الشعبية لشمال السودان, وحركات دارفور المسلحة وبعض الناشطين, كما تتولي إثيوبيا المفاوضات بين السودان وحكومة جنوب السودان حول النزاع في تبعية منطقة أبيي الغنية بالنفط لأي من البلدين.. فضلا عن أن الحكومة الإثيوبية تمتلك ورقة استخدام دعم قوات المعارضة المسلحة التي يتواجد قسم منها بالقرب من المنطقة التي تنوي اثيوبيا بناء السد فيها. كانت المعارضة السودانية في السابق تسيطر علي كامل حدود السودان في تلك المنطقة, عندما كانت إثيوبيا تتحالف معها, بل وكان للدعم الكبير الذي قدمته إثيوبيا في منتصف تسعينيات القرن الماضي لقوات الحركة الشعبية بقيادة زعيمها الراحل الدكتور جون قرنق, كان لذلك الدعم الأثر الحاسم في تغيير موازين الحرب ليس في جنوب النيل الأزرق وحسب, بل وفي كامل جنوب السودان. فبعد أن تمكنت قوات الخرطوم حينها من شبه السيطرة علي كامل أراضي جنوب السودان وأحال هزائم فاصلة متتالية بقوات قرنق في بدايات تسعينات القرن الماضي, أدي الدعم الإثيوبي بفتح مخازن أديس أبابا المكتظة بالسلاح لقوات الجنوب, وتم نقل الذخائر والأسلحة الثقيلة والدبابات بطائرات النقل العملاقة لجنوب السودان عبر دولة حليفة وجارة للجنوب. كل ذلك الدعم أفضي إلي امتلاك قوات قرنق لزمام المبادرة في ميادين المعارك حينها واستطاعت قواته استعادة الكثير من مناطق الجنوب من أيدي قوات الخرطوم, وسيطرت علي مناطق لم تكن تسيطر عليها من قبل, ونتج عن كل ذلك الدعم الإثيوبي لقرنق مع غيره من العوامل, الي الواقع الميداني الذي فرض قرنق به علي الخرطوم فيما بعد توقيع اتفاقية نيفاشا بكينيا عام2005, تلك الاتفاقية التي ترتب عليها انفصال جنوب السودان عن شماله وإنشاء دولة جنوب السودان المستقلة. رغم الظروف الانتقالية التي تعيشها مصر الآن بعد ثورتها, إلا أنني أري أنه يجب أن تكون من أولويات الرئيس والحكومة المنتخبة القادمة, العمل من أجل إيجاد حل جذري لقضايا الحرب والحكم في السودان, فالوضع في جنوب الوادي عمق مصر الاستراتيجي يتطلب من مصر تدخلا حصيفا ينهي الحرب الأهلية ويمهد السبيل لاستقرار السودان وانتخاب حكومة راشدة له, لأن تطور الأزمة السودانية وفق النسق الذي يجري الآن ربما أدي لزوال الدولة السودانية وتكرار السيناريو الصومالي علي حدود مصر الجنوبية. تواجه حكومة الاسلامويين في الخرطوم أزمات اقتصادية خانقة كما تواجه فوق ذلك انقسامات داخلية تتفاقم يوما بعد يوم كانت آخر تجليات تلك الانقسامات والخلافات الداخلية إقالة نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه ومساعد الرئيس نافع علي نافع ومسؤول ملف البترول والمال عوض الجاز محمد احمد وخرج قبلهم مغاضبا الدكتور غازي صلاح الدين ومعه مجموعة وكونوا حزبا جديدا وطال الانقسام حتي المؤسسات العسكرية والأمنية فيما عرف بالمحاولة الانقلابية التي اعتقلت فيها السلطات رئيس جهاز الخابرات السابق صلاح قوش وقائد قوات الدفاع الشعبي العميد محمد ابراهيم وغيرهم من منسوبي القوات المسلحة والأمن وأفرج عنهم فيما بعد. هذا بالإضافة للمفاصلة التي تمت قبل ذلك بأكثر من عقد من الزمان بين الرئيس عمر البشير وزعيم الإسلاميين في السودان الدكتور حسن الترابي الذي تتأثر بأفكاره كبري القوات المتمردة في إقليم دارفور- حركة العدل والمساواة- بل وكان ينتمي جل قياداتها العليا لحزب الترابي قبل تكوينهم لحركتهم التي تقاتل الآن مع تنظيم المعارضة المسلحة المسمي بالجبهة الثورية السودانية تري الأحزاب التي كانت تحكم السودان قبل انقلاب الاسلامويين بقيادة عمر البشير بان حل الأزمة السودانية يكمن في مؤتمر دستوري جامع لأهل السودان والأحزاب التي كانت تحكم السودان قبل انقلاب البشير. لمزيد من مقالات الشيخ الحسين