خرج المصريون من تجربة السنوات الثلاث الماضية أكثر تصميما علي تصحيح مسارات بدت غائمة وخطيرة, ورشحت وطنهم لمصير غير معلوم وهددت هوية الدولة ووجودها للمرة الأولي في تاريخها.. خرج المصريون في30 يونيو الماضي وهم يريدون استرداد الدولة المسلوبة وفعلوها بدعم جيشهم الوطني, لكن أبواق الشر في الخارج رفضت خياراتهم وتعالت علي انتصارهم لقيم طالما عاش المصريون في كنفها طويلا, رغم وجود شوائب نعترف بها ونقرها تعتري دولة المواطنة ودولة القانون. بعد اختبار الدستور يومي14 و15 يناير الحالي, أيقنت القوي السياسية أن المسار القائم لخريطة المستقبل في حاجة إلي تعديل, فكانت الدعوة لتعديلها من أجل البدء بانتخابات الرئاسة يليها انتخابات مجلس النواب, وهو ما يراه جموع المصريين أمرا حتميا لانتخاب رئيس يملك تفويضا شعبيا ويكون قادرا علي التعامل بحسم مع ملفات حرجة, مثل الوضع الاقتصادي والبطالة والإرهاب الداخلي والوضع الإقليمي المضطرب والتهديدات علي حدودنا التي باتت شأنا داخليا صرفا بفعل ما تصدره من جماعات إرهابية مارقة لا هم لها سوي تقويض مسار الإصلاح السياسي في مصر ودفن إرادة المصريين تحت ركام التفجيرات والتهديدات المتواصلة بإحالة حياتهم إلي جحيم. خرج المصريون في الاستفتاء علي الدستور قبل أسبوعين برسالة عن الأمة التي تتوق إلي مستقبل أفضل وقيادة أفضل وفي غمار تلك الحالة ظهر المشير عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي والقائد العام للقوات المسلحة, كأبرز مرشح للرئاسة تفضله غالبية واضحة من المصريين, وأصبح الرجل ظاهرة في شوارع وميادين مصر, رجل تريده أغلبية شعبية رئيسا في صورة نقيضة لما آل إليه الوضع- بعد تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في11 فبراير2011 إثر ثورة25 يناير المجيدة ضد الفساد والتوريث نتيجة لتشتت القوي الثورية ونجاح جماعة الإخوان في استثمار هذه الأوضاع للوصول إلي الحكم, ثم تحت رئاسة الجماعة الإرهابية قبل30 يونيو. كل الدلائل تشير إلي انتخابات حرة يستطيع من يشاء الترشح والدعاية لنفسه في ظل رقابة وطنية ودولية غير مسبوقة في تاريخ البلاد وفي النهاية سيقول الشعب كلمته في مستقبل الحكم بلا ضغوط أو تزوير لإرادته. ......................... رغم وضوح الإرادة الشعبية, هناك قوي خارجية دأبت منذ مابعد انتصار السادس من أكتوبر1973 علي التدخل في أقدار ومصائر مصر والوطن العربي.. فبدأت بإبرام صفقة بين نظام السادات مبارك وجماعات الإسلام السياسي التي دفعت مصر فاتورتها غاليا. وبعد ثورة25 يناير علي هذا النظام لاتبالي تلك القوي بدماء الشهداء من أجل الحرية والعدالة والكرامة والاستقلال الوطني ورفض التبعية ولا باختيارات المصريين ورغبتهم في بناء دولة مدنية حديثة طال انتظارها.. دولة تؤمن بالمساواة بين مواطنيها, وتنشد العدالة الاجتماعية طريقا جديدا, وترفع من مكانة العلم باعتباره الوسيلة لإرساء دعائم الحداثة واللحاق بقطار الدولة المتقدمة. لا يروق للبعض في الخارج أن تنفض مصر غبار الجهل والرغبة الشيطانية في ممارسة الاستبداد باسم الدين وتوظيف مقدرات الوطن لمصلحة جماعة كان ظهورها علي الساحة المصرية نذير شؤم وبداية قسمة في المجتمع المصري حاولت من خلالها اللعب علي مشاعر التدين والدفاع عن العقيدة, بينما الأهداف الحقيقية كانت إقامة دولة استبدادية سلطوية يحكمها مجموعة أقسمت قسما سريا لتحقيق مآربها علي حساب الأوطان. لقد فاقت مصر علي مخططاتهم.. وفاقت من عثرتها- حتي لو رأيت قنبلة هنا أو تفجيرا هناك- ولم تفق عواصم غربية من وهم فرض ديمقراطية مشوهة تأتي بعصابات مجرمة إلي الحكم وتهدد الأوطان في وحدتها. في الأيام الأخيرة, جاء مبعوثون غربيون إلي مصر لإقناع بعض ساستها ومسئوليها وبعض رموز قواها السياسية والثورية بمواقف لا تعبر عن إرادة المصريين إنما تعبر عن مواقف أمريكية وبريطانية وألمانية, ووصل الأمر بمسئول أوروبي سابق رفيع المستوي إلي الطلب من البعض التدخل لإقناع المشير السيسي بعدم الإقدام علي خطوة الترشح للرئاسة حتي لا يثير الأمر غضب العواصمالغربية وهو ما قوبل من معظم من التقاهم هذا المسئول بانتقادات وغضب بينما توجد قلة ما زالت تردد الخطاب القديم بمراعاة مواقف الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية وتجنب ردود الفعل السلبية وهو سيناريو يبدو أقرب إلي ما كان البعض ينصح الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بفعله في عام1956 بالتراجع عن قرار تأميم قناة السويس خشية ردود فعل الاستعمار بل ونصح بعضهم ناصر بأن يسلم نفسه للسفارة البريطانية عندما وقع العدوان الثلاثي علي مصر!!! ..................... المصريون اليوم في واحدة من المرات التي يعرفون فيها طريقهم حتي وإن بدا للبعض أن هناك شوائب وغبارا يخيم علي المشهد الحالي.. المصريون يستدعون وقفاتهم الوطنية في1956 وفي حرب الاستنزاف وفي حربهم المجيدة عام1973 من أجل الحفاظ علي كيان دولتهم العريقة ومن أجل إنقاذ وحدة الوطن ومستقبله.... ولو امتلك من يريد أن يقفز أو يصادر إرادة المصريين الشجاعة فعليه أن يظهر أمام الرأي العام ويعلن عن مواقفه بلا مواربة أو إلتفاف ويواجهون الشعب بما لديهم من مخاوف وهواجس وان يوفر له بدائل تليق بدفاعه عن مستقبله وحريته ووسطيته وليس الاختفاء وراء عبارات تفتقر إلي البراهين التي تدعمها! .................... السؤال الكبير اليوم هو: لماذا تصر أمريكا وبريطانيا وألمانيا تحديدا علي الالتفاف علي إرادة الشعب المصري لتمرير سيناريوهات مكروهة من غالبية الشعب وتقفز علي إرادة30 يونيو بمحاولة بعث الجماعة الإرهابية ومن يدور في فلكها من جديد لإعادتهم إلي حكم مصر مرة أخري برغم ما لحق بالبلاد من كوارث وأضرار جسيمة في أمنها وسمعتها علي يد تلك العصابات المجرمة في عام واحد فقط؟! والأهم: هل يعتقد هؤلاء أن الشعب المصري يقبل مثل تلك السياسات المكشوفة ويرهن مستقبله- من جديد- في قبضة تلك الجماعات المتطرفة وظهيرها المريب في الغرب.. الإجابة يملكها المصريون وحدهم ولا تملكها عواصم الغرب برغم الصخب الدائر والنفخ في الفتن الطائفية والتطرف فالشعب لم يعد يسمع أصواتهم الفجة وتصريحاتهم الرثة بل بات يستمع إلي صوت ضميره الوطني! لمزيد من مقالات محمد عبد الهادى علام