مني بيكر أستاذة مصرية متخصصة في مجال دراسات الترجمة,ومديرة مركز الترجمة والدراسات الدولية في جامعة مانشستر بانجلترا. درست فيالجامعة الأمريكيةبالقاهرة, حيث حصلت علي درجة بكالوريوس فياللغة الإنجليزيةوالأدب المقارن, ثم حصلت علي درجة الماجستير فياللغويات التطبيقيةمنجامعة برمنجهام. وفي عام1995 انتقلت إلي جامعة مانشسترحيث أصبحت محاضرة بها في عام1997, وتترأس مني بيكر حاليا مركز الترجمة هناك. ومني بيكر مؤسسة دار نشر سان جيرومSt.Jerome ومديرة التحرير بها, كما أسست المجلة العالمية المترجمTheTranslator, وأعلنت أخيرا عن شرائها وزوجها- دار روتليدج للنشر المتخصصة في نشر الأعمال الخاصة بدراسات الترجمة. أصبحت مني بيكر عضوا فخريا في الجمعية الدولية للمترجمين المحترفين والمترجمين الفوريينIAPTI في عام2009, وألقت في إطار هذه الجمعية خطابا حول أخلاقيات الترجمة التحريرية والفورية في المناهج الدراسية, كما أنها نائبة رئيس الجمعية الدولية للترجمة ودراسات المثاقفةIATIS. ركزت مني بيكر- كباحثة- اهتمامها علي الترجمة والصراع, ودور الأخلاق في مجال البحوث والتدريب في دراسات الترجمة, وتطبيق نظرية السرد علي الترجمة التحريرية والفورية, والجمعيات الناشطة في الترجمة ودراسات ترجمة المتون. كما نشرت كثيرا من الأبحاث علي نطاق واسع في هذه المجالات. ولمني بيكر بحوث تهتم بالصراع في الشرق الأوسط, والتواصل بين الثقافات, كما يحتوي موقعها الإلكتروني علي أقسام تدعو إلي مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية, ولها آراء عامة حول الشرق الأوسط, كما تدعو إلي مقاطعة المنتجات والخدمات الإسرائيلية. وقعت في عام2002 رسالة مفتوحة تدعو إلي مقاطعة المؤسسات الإسرائيلية, وواجهت انتقادات كثيرة حين أقالت أكاديميين إسرائيليين اثنين: هما الدكتورة مريام شلزنجر من جامعة بار إيلان, والبروفيسور جدعون توري منجامعة تل أبيببإسرائيل من هيئتي تحرير مجلتيها المترجم وملخصات الترجمة وذلك لانتمائهما لمؤسسات إسرائيلية. وضعت مني بيكر نظرية في الترجمة أسمتها نظرية السرد في كتابها الذي يحمل عنوان الترجمة والصراع: حكاية سردية والصادر عام.2006 وتعرف السرد بحدوتة تتضمن مشاركين وعدة أحداث تقع في زمان ومكان ما. هذه الأحداث لها حبكة تساعدنا علي فهم مغزي الأحداث والعلاقة بين المشاركين فيها. وتقول مني بيكر في كتابها إن السرد عبارة عن حدوتة نعيشها كل يوم, وتخضع لتغيرات جذرية وفق تجارب كل واحد منا. وتميز بين أربعة أنواع من السرد: أولا الحدوتة الوجودية وتعني بها القصص الشخصية التي يحكيها كل منا عن نفسه, وثانيا: القصص العامة التي ترويها العائلة أو المؤسسات أو وسائل الإعلام أو الأمة بكاملها, وثالثا: السرد التصوري أو النظامي وهي قصص يضعها الخبراء في مجال ما لشرح تخصصهم, ورابعا: الحدوتة العليا وهي حدوتة نحن فيها ممثلون في فترة زمنية تاريخية مثل عصر النهضة, والعولمة, والحرب الباردة... إلخ. ولنظرية السرد عند مني بيكر أربعة أركان تفسر لنا كيف تشكل الحكايات عالمنا هي: السلطة الزمنية إذ أن الحكايات يجب أن تكون محكومة بزمان ومكان, والعلاقات بمعني أن الحكايات جزء من المحيط الاجتماعي والثقافي, وحبكة سببية بمعني أن الأحداث يمكن أن تري بشكل مختلف من قبل أطراف مختلفة, وأخيرا جوانب الاستيلاء الانتقائي بمعني أن بعض التفاصيل في الحكايات يمكن استبعادها أو تسليط الضوء عليها. وتركز مني بيكر في نظريتها علي مفهوم رئيسي ذي وظيفة تحليلية ألا وهو التأطير, وهو استراتيجية ديناميكية تساعد علي المشاركة في رسم صورة العالم. فالتأطير يضع حدودا لحدوتة ما, ويوجه اهتمامنا بهذه الحدوتة. تقول مني بيكر في كتابها إن هذا المفهوم يوضح كيف يمكن وضع نفس الحدوتة في أطر مختلفة من قبل قصاصين مختلفين. وتري أن المترجمين التحريريين والفوريين يجب ألا يكونوا سلبيين, بل يجب أن يكونوا مشاركين نشطين في التفاعل بين اللغات والثقافات, وهنا تستخدم مفهوم الإطار لتبين كيف يمكن للمترجمين أن يبرزوا جوانب الحدوتة المتضمنة في النص الأصلي أو يهدموها, أو يعدلوها. وتقول إن إعادة تأطير الحدوتة يمكن القيام به من خلال أدوات لغوية وغير لغوية. وتضع مني بيكر أربع استراتيجيات لتغيير إطار النص الأصلي عند ترجمته هي: تغيير السياق الزماني والمكاني للحدوتة بإضافة أو حذف بعض جوانب الحدوتة وذلك عن طريق استخدام بعض المفردات منها لطف التعبير عن شيء بغيض, وإعادة توزيع أماكن المشاركين في الحدوتة, وإعادة تشكيل العلاقة بين عناصرها. وتتطرق مني بيكر للترجمة السياسية فتقول إن المترجمين الفوريين في مثل هذه السياقات يكونوا واقعين تحت مستوي عال من التوتر, وعليه فإنهم قد يلجأون إلي الترجمة الحرفية( أي أنهم يرددون بالضبط نفس حدودة المتحدث). وحيث إنها تؤمن بأن الترجمة الفورية السياسية هامة في تشكيل صورة الناس عن الثقافات والعالم فإنها توصي بإجراء المزيد من الدراسات لفهم دوافع الاستراتيجيات التي يتبعها المترجمون السياسيون لتحسين أدائهم. وتصف مني بيكر المترجم بالوسيط, ولكنها تشدد علي أن الوساطة لا تعني ترديد كلام المتحدث بالحرف الواحد, إذ أنها تؤمن بأن ذلك شأن الآلات لا البشر. وتقول إن ما يحدث في الواقع هو أن المترجمين يفسرون ما يسمعونه وفق آرائهم ثم ينقلونه إلي المستمع, وتضرب مثالا بالمصطلح الذي كان شائعا قبل عدة سنوات وهو الحرب علي الإرهاب. تشير مني بيكر في كتابها إلي وجود أربع قصص أو حكايات أو حواديت رئيسية في خطابات الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب. أولها وأشهرها هي التي شبه فيها هجمات الحادي عشر من سبتمبر2011 بالحرب العالمية الثانية, وبالتحديد بما حدث في خليج بيرل هاربر. يقول بوش في إحدي خطبه لقد عرف الأمريكيون الحروب, لكن علي مدار136 عاما كانوا يشنون حروبا علي أرض أجنبية, باستثناء يوم الأحد الشهير في عام1941. ويصور خطابه الذي ألقاه في العشرين من سبتمبر من عام2001 الهجمات علي أنها عمل من أعمال الحرب التي أجبر الأمريكيون علي الدخول فيها, تماما مثلما كان الحال في الحرب العالمية الثانية. علاوة علي ذلك, يذكرنا بوش في هذه الحدوتة بالدور البطولي الذي لعبته أمريكا في هزيمة الفاشية والنازية. وقد ركز بوش علي ذلك في نفس الخطاب حين تحدث عن المهاجمين فقال إنهم يسيرون في طريق الفاشية والنازية والشمولية. الحدوتة الثانية- التي تشير إليها مني بيكر لتشرح نظريتها- تتعلق بالحرب علي الشيوعية خلال الحرب الباردة. وحين يصف بوش الهجوم بأنه خطر علي أسلوب حياتنا في خطاب العشرين من سبتمبر2001, فإنه يوحي بوجود تشابه بين ما يحدث آنذاك وما حدث في زمن الحرب الباردة. ذلك أن الخطر علي أسلوب حياة الأمريكيين تعبير استخدمه لتبرير وقوف الأمريكيين ضد شيوعية الاتحاد السوفيتي. ولعل ربط الهجمات بالنضال الخالد بين الحضارة والهمجية حدوتة أخري تستحق الاهتمام. فمنفذو الهجمات وصفوا بالهمجيين الجدد. كما أن ثنائية الحضارة والهمجية توحي بأن منفذي الهجمات تحركهم نزعات وحشية تذكرنا بهمجيين أمثال جنكيز خان. القصة الأخيرة التي أثارتها اللغة المستخدمة بعد حادث الحادي عشر من سبتمبر هو وصف منفذي الهجمات بأنهم خطر علي العولمة والتقدم الاقتصادي. وكان السبب في ذلك هو أن الهجوم استهدف مركز التجارة العالمي, الذي يعد رمزا للاقتصاد العالمي. وبمعني آخر يريد بوش أن يقول إن العولمة هي الحضارة; وعليه فإن أي هجوم علي الحضارة هجوم علي العولمة. ويعزز هذه الحكاية استخدامه المفرط لكلمة الحرية التي ترتبط حتما بالحرية الاقتصادية. تقول مني بيكر إن اللغة المشحونة عاطفيا تمثل مشكلة للمترجمين الفوريين في المقام الأول, وعليهم أن يكونوا علي دراية كاملة بهذا النوع من اللغة, وهم بحاجة إلي أن يضعوا في الاعتبار ان الترجمة الحرفية ستشير إلي وجود أيديولوجية معادية. وعليه فإن قرارات المترجمين الفوريين حول الكيفية التي يتناولون بها اللغة المشحونة عاطفيا ستؤثر علي قناعات المستمعين للخطاب في الجلسة المترجمة وعلي الرسالة التي يهدفون إلي توصيلها للمشاركين الآخرين حين يأتي دورهم في الحديث. أخيرا قامت الدكتورة مني بيكر في شهر ديسمبر الماضي بزيارة لجامعة القاهرة وألقت محاضرة في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب, ووقعت بروتوكول تعاون مع القسم يتم بمقتضاه بدء برنامج ماجستير في الترجمة بالتعاون مع جامعة مانشستر. كما قامت في الشهر نفسه بزيارة مشابهة لكلية آداب جامعة الأسكندرية وألقت محاضرة حول نظريتها الجديدة وفتحت بابا للحوار مع الطلاب حول النظرية وأعربت عن سعادتها واندهاشها لمتابعة الطلاب المصريين لأحدث النظريات في الترجمة.