أعرف أنك موضوعية وغير متحيزة لأي تيار وتكرهين العنف, فلماذا لا تعترضين علي دماء الطلاب التي تسيل كل يوم, ألا تتعاطفين مع الأمهات؟ كلمات وجهت إلي ممن يدعي الحيادية وأنه لا يؤيد الاخوان, لكنه يرفض أن يقتلوا, ويطلق عليهم إرهابيون دون بينة علي حد قوله. لقد تعهدت ألا أدخل في أي مناقشات مع محبي الاخوان أو مؤيدي حقوق الإنسان الإخوانية فقط, دون الدخول في جدال, إذا كان لدماء الإخوان حرمة فماذا عن دماء الشرطة والجيش والشعب؟ لكن هذه المرة أقسم محدثي إنه ليس من مؤيدي الإخوان, وإنما من مؤيدي حقوق الإنسان فقط لاغير, وإن الصاق كل ما يحدث بجماعة الاخوان أو بعض الجماعات الإسلامية ظلم بين, ولماذا لا تكون لعبة مخابرات؟ ثم ختم كلامه متسائلا: هل تملكين أنت بشكل شخصي دليلا؟ نعم سيدي أنا وكل جيلي نملك الدليل, فلن أتحدث عن أن أول من فجر قنابل في الشوارع هم الإخوان عام1946 في وجود حسن البنا, بل سوف أحدثك علي ما عشته وشاهدته, فأنا أنتمي للجيل الذي عاصر فترة المد الديني في بداياته منتصف السبعينيات, نحن من شاهدنا صغارا مقتل الشيخ الذهبي علي أيدي بعض الجماعات الإسلامية( والتي كان يتزعمها أحد أعضاء الإخوان المسلمين القطبيين) بشكل وحشي, وحتي الآن لا نعرف ما وجه تكفير الرجل إلا أنه أعلن رأيه صراحة فيهم وقال: في الإسلام ليس من حق أحد أن يكفر مسلما شهد بأنه لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنه لا يجوز لأفراد أن يأخذوا بيدهم سلطة الحكم علي المجتمع ويصدروا عليه أحكاما وينفذوا هذه الأحكام. لقد هزت هذه الحادثة وجداننا, وعلي الرغم من ذلك قالوا أنه أمر عارض من قلة متطرفة انحرفت عن خط الجماعة, ولولا القبض علي قائدها واعترافاته لقالوا إنه تدبير أمن دولة, وأما ما حدث لنا في بداية الثمانينيات عندما التحقت بجامعة القاهرة من جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فحدث ولا حرج, فلقد كان هؤلاء يحملون عصيا صغيرة ويدخلون المدرجات في شكل جماعي ويأمرون بالفصل بين الطالبات والطلاب, وإلقاء الزجاجات الحارقة علي مسرح كلية التجارة في أثناء تأدية الطلاب البروفات وكادوا يفتكون بهم, وكانو يعلنون صراحة انتماءهم لجماعة الإخوان ويتعمدون الجلوس في جماعات بالقرب من الشباب والفتيات غير المحجبات ويتحدثون بصوت مرتفع, عن أننا في مجتمع كافر فحق علينا الجهاد, ثم يقرأ أحدهم بصوت مرتفع من كتب بعض مشايخهم أو كتب سيد قطب والتي تؤكد في مجملها إهدار دم من لا يطبق شرع الله, ويتوعدون من لا يهتدي فله منا بئس المصير كلمات كنا نسمعها طوال فترة دراستنا بالجامعة. نحن من عاصرنا تفجيرات الثمانينيات والتسعينيات, هل سمعت سيدي عن القنابل المسمارية هذه قنبلة كانت تصنع علي أيدي الجماعات وتوضع في كيس أسود في بعض الشوارع التي يطلقون عليها المناطق السياحية وعندما تنفجر تنتشر المسامير لتستقر في صدور وأعين المارة, هل جربت أن تمشي في الشارع وأنت تتوجس شرا, وأنت لا تعرف هل هذه منطقة آمنة أم منطقة خطرة, هل تنفجر بجوارك سيارة أو تلقي جانبك قنبلة؟ هذا هو دليلي وتجربتي الخاصة وعلي ما أعتقد هي تجربة جيل كامل. قد لا يكون إخوانيا من يفجر نفسه ومن يقتل جنديا أو شرطيا أو مواطنا يعلق صورة لا يرضي عنها, لكنه اعتنق مبادئ زعيمهم سيد قطب وهو التيار الإخواني المسيطر الآن في تكفير المجتمع وإحلال دمه, قد لا يكون إخوانيا لكنه فعل ذلك من أجلهم, قد لا يكون إخوانيا لكنه استجاب لدعواتهم للكفاح من أجل عودة شرعيتهم. لا تطلب مني الموضوعية بعد كل الذعر الذي عشنا فيه لسنوات طوال, لا تطالبني بالموضوعية عندما يقتل من يقف في عمله او يمشي في شارعه ذاهبا إلي بيته ومن يقتل في مظاهرة غير بريئة من العنف, بل إن الانحياز ضدهم, هو النتيجة الطبيعية, والآن بعد الانفجارات التي حدثت في الجيزة والانفجار الذي حدث في مديرية أمن القاهرة والتي أعلم أنها تقترب من منزلك, أوجه اليك سؤالا ما شعورك الآن بعد أن هز الانفجار جدران منزلك, ماذا فعلت سيدي؟ هل أسرعت للاطمئنان علي أولادك, هل أسرعت إلي الهاتف لتطمئن علي والدتك واخوانك, ما هو شعورك سيدي وأنت تجلس غير آمن وتشدد علي أولادك واخواتك ألا يخرجوا, هل تشعر الآن بأهمية حقوق الإنسان وهو حق الإنسان في الشعور بالأمان؟ هل تجد أنه أمر ضروري وملح؟ هل تعتقد أنه عمل مخابراتي كما تظن؟ قد يطلق ذلك علي تفجير قنبلة عن بعد, أو إحراق سيارة بعد هروب راكبيها مثلا, لكن أن يفجر شخص نفسه بتعليمات من المخابرات؟ من أجل ماذا؟ تأييد للشرطة لإلصاق التهمة بالأخوان حتي يكرههم الشعب! وهل هم في حاجة إلي ذلك؟ بل أن المقصود مما يفعلونه ليس فقط تحقيقا لقناعتهم بضرورة نشر الفوضي بل أيضا كي يتشكك المحايدون أمثالك! نعم سيدي, أنا مع حقوق الانسان في حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الكلمة وحرية المعارضة, وأيضا مع الحق في الشعور بالأمان, ومن حقك أن تتعاطف ومن حقي ألا أكون موضوعية. لمزيد من مقالات د. بثينة عبد الرؤوف رمضان