من أكبر الكبائر قتل النفس التي عصمها الله عز وجل,بالإسلام بالنسبة لسائر المسلمين,أو بالأمان بالنسبة لمن وجد علي أرض بلد مسلم مؤبدا بأن كان من أهله,كالنصاري من المصريين,أو مؤقتا وهم من يدخلون بلاد المسلمين للسياحة ونحوها مدة ويعودون إلي بلادهم,فالجميع آمن علي نفسه وماله وعرضه,ما لم يرتكب من الجنايات ما يحل عقوبته من قبل القضاء فقط في شيء من ذلك. والقتل العمد العدوان إما أن يكون للغير وإما أن يكون للنفس, وإما يجمع بينهما: فإن كان للغير فإن كان قتلا غير مصحوب بالتخويف والإرهاب للمقتول, وهو المعروف فقهيا يجرائم القتل العادية كالتي تحدث بين الناس في الخصومات فعقوبته القصاص من القاتل مالم يعفوا أولياء الدم لقوله تعالي: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثي بالأنثي فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدي بعد ذلك فله عذاب أليم وقوله تعالي: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا. وإن كانت جريمة القتل مصحوبة بتخويف المقتول وإرهابه فالجريمة أشد, وعقوباتها من أغلظ العقوبات التي وردت في الشريعة الإسلامية علي الإطلاق, وهو ما يعرف بعقوبات الحرابة أو الإفساد في الأرض, أو قطع الطريق, وقد تصل عقوبة الجاني فيها إلي الصلب الذي لم يرد في شرعنا إلا في هذا الموضع لقوله تعالي: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم. فإن كان القتل قتلا لنفس القاتل,وهو مايعرف بالانتحار, كتناول السم أو القفز في ماء مغرق أو نار محرقة أو الإضراب عن الطعام والشراب حتي الموت,فهو أشد تحريما من قتل الإنسان لغيره,لأن الإنسان لا يملك نفسه حتي يرخص له بقلتها, ولأن قاتل غيره قد يعفو عنه أولياء الدم أو يقبلون الدية فيتوب فيتوب الله عليه, أو يقتل قصاصا فيسقط إثم القتل عنه,لأن العقوبات جوابر,فمن عوقب علي جريمته في الدنيا سقطت عنه عقوبة الآخرة, ولأن جريمة الانتحار ورد فيها تفصيل لعقوبة الجاني في الآخرة لم يرد في قاتل غيره, وهي أنه يعذب إضافة إلي عذاب النار بالانتحار المتكرر بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه, وقد يكون هذا العذاب مخلدا لانهاية له,كلما قتل نفسه عاد مرة أخري لقوله- صلي الله عليه وسلم- فيما رواه الإمام البخاري: من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا, ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا, ومن تردي من جبل فقتل نفسه فهو يتردي في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا. ولما تعارض الخلود في النار المذكور في الحديث مع ما هو معلوم من دخول المسلم النار وإن عذب, حمل الحديث علي المنتحر غير المسلم, أو يكون المنتحر حتي لو كان مسلما مستثني من دخول الجنة, وليس هنا محل الحديث عن تفصيل الأمر,فيكفي أن المنتحر يعذب في نار جهنم بمثل ماقتل به نفسه في الدنيا, وهذا لا خلاف عليه كما في الحديث الصحيح الآخر: ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة. أما النوع الثالث من القتل: وهو الجمع بين قتل الإنسان لنفسه ولغيره معا, ومن أمثال ذلك العمليات الانتحارية, وهي إما أن تكون في مقاومة مشروعة في حرب المسلمين مع غيرهم, وقد اختلف العلماء في حكم المنفذ لهذا الهجوم هل هو من الشهادة أولا؟ وأظنه من أعلي درجات الشهادة إن لم يوجد منه بد لانتصار المسلمين ودفع الهزيمة. أما إذا كانت الهجمات الانتحارية للإضرار بالمعصومين كالتفجيرات الإرهابية التي تنفذ في أراضي المسلمين ضد المواطنين أو قوات الشرطة أو الجيش, فهذه جريمة مكتملة الأركان تجمع كل أنواع القتل السابق ذكرها, فهي جريمة قتل للغير عدوانا, وجريمة قتل للنفس إن كانت بواسطة تفجير الانتحاري لنفسه, وجريمة حرابة أو إفساد في الأرض لما يصاحبها من ترويع للآمنين وإتلاف للأنفس والممتلكات, ومن العجيب أن يري بغض الجهلاء المتطفلين علي مائدة العلوم الشرعية والإفتاء: أن هذا من الجهاد المشروع, وهذا من أشد ما ابتلينا به في زماننا,وحسبنا الله ونعم الوكيل.