خبر صغير منذ عدة أسابيع يفيد بلقاء الدكتور حازم الببلاوي رئيس مجلس الوزراء مع مجموعة من المستثمرين العرب لحل مشكلاتهم. ونظرا لأنه لم يصدر عن هذا اللقاء أية أخبار تفيد عن مضمونه, أثار ذلك إهتمامنا بالبحث عن ماهية تلك المشكلات التي دعت رئيس الوزراء للقاء بهذه المجموعة من المستثمرين العرب. وقبل أن نتطرق لهذا اللقاء لابد أن نعرف أن رئيس الوزراء بتشكيله للجنة برئاسة أسامة صالح وزير الإستثمار, وبلقائه المباشر مع وزيري الزراعة والتجارة والصناعة تمكن من إنقاذ استثمارات لا تقل عن49 مليار جنيه في قطاع من أهم القطاعات الحيوية بالنسبة لمصر ألا وهو قطاع الأسمدة. التحية لا تشمل أيضا الدكتور الببلاوي فقط ولكنها تشمل وزراء سهروا علي الموضوع يتمثلون في وزراء الاستثمار والصناعة والزراعة. والحل الذي توصل إليه الوزراء الثلاثة تمثل في قيام وزير الصناعة والتجارة بإلغاء القرار الوزاري رقم685 لعام2013 بشأن الإجراءات التي يستلزم اتخاذها لتوفير احتياجات البلاد من الأسمدة الأزوتية, والعودة للقرارات السابقة المعمول بها في هذا الشآن. وكان القرار الذي تم وقفه أو إلغاؤه وفقا للقواعد المنفذة له يلزم الشركات المنتجة عامة وخاصة ببيع ما يزيد علي نصف إنتاجها للدولة ممثلة في وزارة الزراعة بالسعر المدعم الذي يقل بنحو50% عن سعر التصدير حيث يتم توريد الطن المدعم بسعر1400 جنيه بينما سعر طن التصدير يصل إلي2800 جنيه. وفي الوقت نفسه فرض القرار رسم تصدير قيمته400 جنيه علي كل طن في حال عدم التزام الشركات بتسليم الكميات المتفق عليها. المشكلة أن القرار الذي صدر لتوفير الأسمدة للفلاح المصري بسعر مدعم بما يحقق الاستقرار في حجم الإنتاج الزراعي وأسعاره للمستهلك لن يحقق الهدف منه حيث يتم تسليم الكميات المنتجة لوسطاء يحققون أرباحا خيالية من فارق السعر بالسوق السوداء. وفي مذكرة عاجلة طلبت أربع شركات لقاء السيد رئيس مجلس الوزراء لشرح خطورة الموقف وبحث الخروج من الأزمة حيث سبق لهذه الشركات توقيع اتفاقات في بداية شهر نوفمبر الماضي مع وزارة الزراعة بناء علي تقدير الوزارة للفجوة بين الإنتاج والاستهلاك في حدود9 ملايين طن علما بأن حجم الإستهلاك الفعلي لعام2012 لم يزد علي7.5 مليون طن, وفوجئت الشركات المنتجة عامة وخاصة بقرار وزير الصناعة في نهاية شهر نوفمبر الماضي الذي يرفع تقدير الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك إلي12 مليون طن وهو مايعني إلزام الشركات ببيع50% من إنتاجها بالسعر المدعم الذي يقل بنحو النصف عن سعر التصدير, وإذا أضفنا أن كمية الغاز المسلمة للمصانع المنتجة لا تزيد علي85% من احتياجاتها للتشغيل الكامل لمصانعها ترتفع النسبة المقرر تسليمها للدولة بالسعر المدعم إلي65%, وهو ما يؤدي لخسائر فادحة للشركات ستعوقها عن الاستمرار في الإنتاج. وفي خطابها لرئيس الوزراء أفادت الشركات المنتجة بأنه بمجرد وصول قرار وزير الصناعة للموانئ تم منع البواخر من دخول الميناء لشحن كميات الأسمدة المتعاقد عليها للتصدير, الأمر الذي ترتب عليه تعطل عملية التصدير وتعرض الشركات لغرامات بالآف الدولارات عن تأخر البواخر, وغرامات من قبل المستوردين نتيجة تأخر تسليم الشحنات المتعاقد عليها, والتأثير السلبي علي سمعة الشركات المصرية ومدي التزامها بتعاقداتها, وأيضا الإضرار بسمعة مصر التصديرية. وتفاقمت الأزمة لدي الشركات الخاصة التي تعرضت لسلسلة من العقبات, أولها إلغاء تصنيفها كشركات مناطق حرة, ثم إلتزامها بتوريد نسبة من إنتاجها بسعر يقل10% عن سعر التصدير, ثم تعرضها لقرار ملزم ببيع25% من إنتاجها من سماد اليوريا بالسعر المدعم, وأخيرا القرار الأخير الذي كاد أن يفجر أزمة لولا مبادرة وزير الصناعة بإلغائه, وكان يلزم الشركات ببيع نصف إنتاجها بنصف قيمة التصدير, مع حصولها علي الغاز الطبيعي وهو الخامة الرئيسية في تصنيع الأسمدة بسعر4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية وهو ضعف السعر الذي تدفعه شركات القطاع العام أو الحكومية؟؟؟ وكانت الشركات العامة وفق قرار لرئيس الوزراء رقم1669 لعام2003 ممنوعة من التصدير وملزمة بتوجيه كامل إنتاجها للسوق المحلية, وبعد أن تم السماح لهذه الشركات مؤخرا بالتصدير أصبحت هناك ازدواجية في المعايير بين تعامل الدولة مع الشركات العامة والشركات الخاصة الاستثمارية فيما يتعلق بسعر الحصول علي مستلزمات الإنتاج وفي مقدمتها الغاز مع إلزام الشركات الخاصة بتوجيه نصف إنتاجها للسوق المحلية بالسعر المدعم, وهو دور اجتماعي لا يجب أن تتحمله الشركات الخاصة ولا أيضا العامة, فدور هذه الشركات هو الإنتاج وتشغيل العمالة والربحية ودفع ضرائب, وإذا رغبت الدولة في دعم الإنتاج الزراعي فليكن ذلك من جيبها الخاص وليس من جيوب المستثمرين المصريين والأجانب!! وإذا كانت الأزمة في الأسمدة الآزوتية تبدأ من نهاية شهر مارس وحتي نهاية أغسطس, فلماذا يتم إلزام الشركات في غير هذه الشهور ببيع إنتاجها بالسعر المدعم علي مدي12 شهرا في السنة, ولماذا لا نلزم الشركات بالمساندة في شهور الأزمة فقط, ونترك لها تحقيق هامش ربح مناسب بتصدير إنتاجها في الشهور الأخري؟ وقد تأكد لرئيس الوزراء وللجنة المشكلة برئاسة وزير الاستثمار أن هذا القرار سيستفيد منه في الأساس السماسرة وتجار التجزئة الذين بدأوا بالفعل في تشوين كميات كبيرة من الأسمدة لبيعها في السوق السوداء ويحصل الفلاح علي الشيكارة بسعر150 جنيها أي بزيادة75 جنيها عن السعر المدعم لماذا ؟ بالتأكيد قرار وزير الصناعة وهو وزير سياسي مشهود له بالوطنية كان يهدف لحل أزمة في سوق الأسمدة, ولكن تبين أنه حتي لو باعت الشركات كامل إنتاجها بالسعر المدعم المشكلة لن تنتهي لأن المستفيد هو تجار السوق السوداء ومافيا الأسمدة. وهو ما أدي لقناعة وزير الصناعة بعدم جدوي القرار وبأن تطبيقه سيؤدي لضرر كبير يلحق باستثمارات مهمة فبادر بإلغاء القرار أو وقف سريانه. سوق الأسمدة في مصر يعمل به نحو4 شركات عامة, و5 شركات خاصة منها شركتان فقط80% من استثماراتها لمستثمرين عرب ومصريين, و3 شركات90% من مساهميها لمؤسسات وبنوك عامة مصرية ولكنها تتبع القانون159, ومن ثم فقد قام المستثمرون المصريون والعرب في السوق المصرية بتوجيه6.5 مليار دولار لإقامة مصنعين لإنتاج الأسمدة في الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لا تضع قيودا علي الإنتاج أو التصدير, كما يحصلون علي الغاز الطبيعي بسعر أرخص بكثير عن مصر! اجتماع رئيس الوزراء وتشكيله للجنة المشار إليها, ومبادرة وزير الصناعة بوقف سريان القرار أنقد استثمارات مهمة يعمل بها أكثر من36 الف عامل مصري, كما انها استثمارات في صناعة تصديرية تدر دخلا كبيرا من النقد الأجنبي للبلاد. الأسمدة ضرورية للإنتاج الزراعي المحلي الذي يغطي أقل من40% من احتياجات السوق المصرية والباقي يتم استيراده من الخارج في شكل منتجات غذائية من خضر وفاكهة أو منتجات غذائية مصنعة أو قمح لإنتاج الخبز, والفلاح المصري لن يتحمل التكلفة العالية للسماد أو عدم وجوده في الأسواق, ولذلك تكاتفت الشركات المنتجة لتغطية الفجوة التي قدرتها وزارة الزراعة بتسعة ملايين طن وتم الاتفاق بينها وبين الشركات علي هذه الكمية في7 نوفمبر الماضي, وتأكد الاتفاق في21 نوفمبر الماضي بحضور وزيري الزراعة والتنمية المحلية. لكن المشكلة ستظل قائمة حتي ولو تم توريد كامل إنتاج الشركات للدولة بالسعر المدعم لأن حلقة الوسطاء تخلق المشكلة, وعندما يكون هناك سعرين لابد من ظهور السوق السوداء. هذا دفع وإحدي الشركات الخاصة المنتجة للسماد إلي إرسال خطاب لوزير الصناعة يدعو لتشكيل لجنة لدراسة صناعة الأسمدة في مصر, وعوائدها علي كافة القطاعات الاقتصادية المختلفة, علي أن تمثل هذه اللجنة من وزارة الصناعة والتجارة الخارجية, ووزارة الزراعة, ووزارة البترول للوصول لحل جذري يضمن تشغيل المصانع بعائد معقول يتناسب مع تكلفة الاستثمار ويقترب من عائد سندات الخزانة مع إمكان توجيه الأرباح الإضافية لدعم الفلاح أو زيادة العائد لوزارة البترول وفقا لما تراه الحكومة في هذا الشأن. المستثمرون بالقطاعين الخاص والعام يقترحون أن تتولي الشركات المنتجة إنشاء منافذ للتوزيع ليحصل منها الفلاح مباشرة علي السماد المدعم من الكمية المتفق عليها بسند حيازته الزراعية وذلك وفق تقدير لحجم الفجوة يتراوح من7.5 مليون إلي9 ملايين طن, وأن تخفض الدولة سعر الغاز الطبيعي للشركات الخاصة في الكمية التي سيتم بيعها للسوق المحلية بالسعر المدعم أسوة بالشركات العامة والحكومية, مع إلغاء رسم التصدير غير المبرر خاصة في هذا التوقيت الذي تحتاج فيه الدولة لكل دولار يدخل البلد.