أخيرا صدر الدستور ونص علي أن الثقافة حق لكل مواطن تكفله الدولة......... الخ المادة48, ولسوف ترتب هذه المادة علي الدولة التزاما بتبني مشروعا ثقافي ومعرفيا شاملا يغطي كل أقاليم وقري ونجوع الوطن المصري حتي لا يكون الدستور مجرد عبارات إنشائية ومحسنات بديعية... ونحاول أن نتتبع هنا بداية وتتطور فكرة الثقافة الشعبية في مصر منذ أربعينيات القرن الماضي ليبني عليها من يريد أن يبني حقا. يعد العلامة احمد امين من المثقفين الاوائل الذين تنبهوا لاهمية نشر الثقافة والمعرفة بين فئات الشعب بل ربما يكون هو الاول الذي وضع الفكرة في حيز التطبيق العملي, ففي العام1945 تولي شئون الادارة الثقافية في وزارة المعارف العمومية فقام بتنشيط العمل في هذه الإدارة وخرج بالمحاضرات والدروس من حرم الجامعية الي حيث يوجد الشعب وبسطاء الناس من غير المتعلمين وتحولت هذه الادارة الثقافية علي يدي احمد امين الي الجامعة الشعبية ثم مؤسسة الثقافة الشعبية فيما بعد.. رأي احمد امين اهمية تثقيف الشعب باجمعه بطرق مختلفة في المدارس وخارج المدارس وتنطوي رؤيته هذه علي ابعاد تقدمية في تعليم الناس لم تكن مطروقة في عصره ذلك انه يمكن نشر الثقافة بالسماع وبالمشاهدة وبغيرهما من الوسائل دون قراءة او كتابة بين الاميين او المتعثرين في القراءة والكتابة. وتضمن برنامج الجامعة الشعبية ايضا التعليم المهني الالة الكاتبة التدبير المنزلي, فنون الطهي وغير ذلك من المهن والعروض السينمائية للعمال في المصانع وللفلاحين في القري وقد رصدت الدولة لهذة المؤسسة ميزانية بلغت سبعين الف جنيه سنويا ووصل عدد المنتفعين بها الي سبعة عشر الف مواطن ومواطنة.. عندما كان احمد امين مشغولا بالعمل الثقافي في الجامعة الشعبية كان الشاب سعد كامل المؤسس الثاني للثقافة الشعبية منخرطا في العمل الوطني قريبا من حزب مصر الفتاة قوي الصلة بالمناضلين فتحي رضوان, محمد ابراهيم كامل, حسين توفيق وكان يتردد علي كلية الاداب يستمع لمحاضرات طه حسين وكان احمد امين استاذا لا معا في كلية الاداب ايضا تعرف سعد كامل علي الشاعر عبدالرحمن الشرقاوي والشاعر كمال عبدالحليم وعلي الدكتور لويس عوض وعز الدين فودة مؤسس كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بعد ثورة23 يوليو وتعرف علي الدكتور علي بدوي والدكتور عبدالرازق السنهوري, انهم جميعا ابناء جيل واحد انصهروا في ماعون واحد ماعون الثقافة الوطنية المصرية. هذا يدلل ويؤكد ان الثقافة و الوطنية وجهان لعملة واحدة وان الثقافة هي مرادف الوطنية ووجهها الاخر... وتقوم ثورة يوليو1952.. وبعد ازمة مارس1954 يقع الخلاف بين عبدالناصر واليسار ويغيب سعد كامل في معتقل الواحات ثم يخرج منه مريضا الي المستشفي.. وكان طبيبه الدكتور احمد عكاشة الذي عرض امره علي شقيقه الدكتور ثروت عكاشة وكان مكلفا من الرئيس جمال عبدالناصر بتنفيذ خطة للعمل الثقافي بين الجماهير في كل انحاء مصر فيكلفه عكاشة بدوره بقيادة مشروع النهضة الثقافية وهذه هي المرحلة الثانية في تاريخ الثقافة الجماهيرية وكانت المرحلة الاولي ما بين عامي63 و66 وهي تأسيس الفنان التشكيلي عز الدين نجيب لقصري ثقافة الانفوشي وبورسعيد, في المرحلة الثانية توهجت الثقافة الجماهيرية بقيادة سعد كامل وانتشرت قوافل الثقافة في ربوع مصر واحتفل الفلاحون بالمسرح في الاجران وساحات الحصاد وعرضت الافلام في الميادين وساحات القري.... وسوف تبقي تجربة عز الدين نجيب في كفر الشيخ والعمل الثقافي الذي احياه وقام به مع مجموعة الفنانين والأدباء من أبناء هذه المحافظة نموذجا رائعا للتفاعل الحي والتواصل بين الثقافة والمجتمع وقد سجل عز الدين تجربته هذه في كتابه الصامتون. مثلما اسس سعد كامل الثقافة الجماهيرية مستلهما تجربة الجامعة الشعبية التي انشأها احمد امين في الاربعينيات كذلك المشروع الثقافي والمعرفي لعموم مصر في ايامنا هذه يجب ان يبني علي تجارب الثقافة الجماهيرية السابقة ومن قبلها الجامعة الشعبية مستفيدا من الخبرات المتراكمة متبنيا الايجابيات ومتجنبا السلبيات.