بين علماء الدين أن الإسراف في هدايا العام الجديد نوع من أنواع التعدي علي المال العام ويعد إسرافا مبالغا فيه, وإغلالا, وأوضحوا أن عقوبة إهدار المال العام شديدة في الدنيا والآخرة. ويكفي أن نقرأ قول الحق سبحانه وتعالي: وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس. وطالب علماء الدين بضرورة وضع عقوبة رادعة لكل من تسول له نفسه التعدي علي المال العام والخاص مطالبين بضرورة سن قانون يجرم هذا الفعل المشين وان تكون عقوبته رادعة لضعاف النفوس الذين يسعون في الأرض فسادا, مؤكدين أن مصر تمر بمرحلة فارقة الكل مطالب فيها بضرورة العمل والحفاظ علي المال العام والخاص لبناء مصر القوية المتعافية اقتصاديا. ويقول الدكتور أحمد محمود كريمة أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف إن الهبات والهدايا في التشريع الإسلامي علي تفصيل: إن كانت من باب المودة الخالصة لوجه الله الكريم, دون منافع أو مآرب فهي مندوبة بلسان الشرع, قال رسول الله صلي الله عليه وسلم,( تهادوا تحابوا) وقد قبل النبي, صلي الله عليه وسلم, الهدايا من باب تآلف القلوب, وجبر الخواطر وتعميق الصلات بين أفراد المجتمع, قبلها النبي, صلي الله عليه وسلم, من مسلمين وغير مسلمين, من موسرين و معسرين, ومن رجال ونساء, وهذا من مكارم أخلاقه ومحامد صفاته, أما إذا كانت الهدايا والهبات الظاهر يخالف الباطن, بمعني أنها رشوة مغلفة, توصلا لمصالح معينة, علي غير السبيل المشروع, إما بتسهيل المحرم أو أكل أموال الناس بالباطل, أو التعدي علي حقوق الآخرين, فهذا حرام شرعا, لقول النبي, صلي الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن الرجل ليأتي يوم القيامة, يحمل علي كتفيه أو علي عنقه شاة لها رغاء وبقرة لها خوار أي في معرض الكلام عن خيانة الأمانات وأخذ الرشاوي تحت ستار الهدايا, وتكون الهدايا مكروهة, إن كانت خالصة عن الشوائب إلا أن فيها نوع إسراف وتبذير, قال تعالي:( ولا تجعل يدك مغلولة إلي عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا) وينبغي علي أهل الورع, الابتعاد بالكلية عن هذه الهدايا والهبات, لأن أقل ما يقال فيها لاسيما للمسئولين شبهات, فقد قال صلي الله عليه وسلم,( الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات, فمن اتقي الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه, ومن وقع في الشبهات كراع يرعي حول الحمي), ومن باب التواصي بالحق الأولي شرعا توجيه قيمة هذه الهدايا إلي ذوي الحاجات والمشروعات العامة والتخفيف عن كاهل الدولة, وإعانة ميزانية الدولة, فهي أولي بهذه الأموال قال تعالي:( وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان). من جانبه أوضح الدكتور محمد سعدي, الأستاذ بجامعة الأزهر, أن الإسراف في هدايا العام الجديد نوع من أنواع التبذير والإسراف, وتقع تحت طائلة إهدار المال العام, وقد نهي الإسلام عن الإسراف والاعتداء علي المال العام أو الخاص وشدد علي ذلك. وحفظ الممتلكات العامة أو الخاصة مما يدعو إليه شرعنا, ويحث علي حفظه وصونه ويحرم ويجرم الاعتداء عليه. وأوضح أن أسباب الاعتداء علي المال العام لضعفاء النفوس من عدم تمكن الإيمان فيهم, وتقصير القوانين الرادعة وقديما قالوا:( من أمن العقوبة أساء الأدب), ومن هذه الأسباب تقصير الأجهزة الرقابية, وهؤلاء جميعا يعتبروا ممن تعدوا علي المال العام يعتبرون من ألد أعداء الأمة, لأن المال العام من أسباب قوة البلاد, والذي يفسد هذا المال ويعتدي عليه إنما هو عدو من أعداء الأمة. والواجب هو حراسة المال العام وصونه من الضياع أو إفساد المفسدين من العابثين, وتشتد الحرمة إذا أتت الجناية ممن ائتمنهم الشعب علي حفظ ماله العام. أدلة التحريم وفي السياق ذاته قال الدكتور محمد عبد العاطي عباس, رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة القاهرة, إن من أدلة تحريم المال العام أن النبي صلي الله عليه وسلم, استعمل رجلا علي الصدقة, فلما قدم قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقام النبي صلي الله عليه وسلم وتكلم, وكان مما قال:( فهلا جلست في بيت أبيك وأمك, حتي تأتيك هديتك إن كنت صادقا؟) وقد جاء في صحيح البخاري أنه: كان علي ثقل النبي صلي الله عليه وسلم, رجل يقال له: كركرة, فمات, فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( هو في النار), فذهبوا ينظرون إليه, فوجدوا عباءة قد غلها( سرقها). وقال إن هذا وغيره يرشد إلي أن المتعدي علي المال العام يعد غالا, وعقوبة الغال عقوبة شديدة في الدنيا والآخرة, ويكفي أن نقرأ قول الحق سبحانه وتعالي:( وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفي كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) آل عمران شروط التوبة وأضاف: إن أهم شروط التوبة في هذا المقام رد المال المنهوب إلي خزينة الدولة, وذلك لما لما روي أحمد وأبو داود والترمذي عن سمرة بن جندب- رضي الله عنه- عن النبي- صلي الله عليه وسلم- قال:( علي اليد ما أخذت, حتي تؤديه) كما عليه أن ينهي شركاءه في هذه الجريمة ويجعلهم يردون ما نهبوا أو أن يبلغ السلطات عنهم صونا للمال العام لأن الواجب علي من يجد أمامه نهبا لدار أو مسكن أو ممتلكات عامة أو خاصة ألا يقف ساكنا بل عليه أن يعمل جاهدا علي إنكار هذا المنكر كل بقدر طاقته واستطاعته ففي الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:( من رأي منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, فإن لم يستطع فبقلبه, وذلك أضعف الإيمان). وشدد علي ضرورة أن تضرب الدولة بيد من حديد وتتعامل بكل حزم مع من تسول له نفسه أن يتعدي علي الممتلكات, وألا ترخي العنان للموظفين, بل تحكم الرقابة عليهم, ومن تورط في أمر أجرت عليه القانون حتي تستقيم الأحوال.