قبل أيام قليلة من بدء شهر الصوم, أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في الأسواق وقررت زيادة استيراد ياميش رمضان وإنتاج الخبز بأكثر من ربع مليون رغيف يوميا, كما تزامنت مع حالة الطوارئ في الأسواق هجمة إعلامية شرسة للقنوات الفضائية للترويج لمئات المسابقات والبرامج والمسلسلات التليفزيونية الرمضانية, وعلي الرغم من تزايد الأزمة المالية إلا أن الشواهد تؤكد أن الشهر الفضيل الذي انزل فيه القرآن الكريم تحول إلي مناسبة سنوية للإسراف والترويح عن النفس!! وأكد علماء الدين وخبراء الاقتصاد الإسلامي أن الإسراف والتبذير ليسا من أخلاق الإسلام في شيء سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور, ويتنافيان مع ما شرع لأجله الصوم من إحساس الغني بالفقير وتربية النفس وتأديبها. ويري الدكتور محمد العوضي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن الإسراف والتبذير يعدان من أعظم المخاطر الاجتماعية والاقتصادية والسيكولوجية التي تهدد الإنسان والدول والأمم ولذلك يجمع جمهور الفقهاء والعلماء والدعاة وغيرهم علي أنها من نماذج الفساد الاقتصادي والاجتماعي الواجب تجنبه.. مبينا أن الإسراف والتبذير من السفه المالي ويعتبر إهدارا للموارد الاقتصادية وهلاكا للأموال وزيادة في النفقات بدون فائدة وتبديدا للطاقات, ولذلك فإنهما يسببان الإرهاق لميزانية الأسرة والدولة ويعوقا, التنمية, وبالرغم من تيقن معظم المسلمين من حرمة الإسراف والتبذير إلا أن هناك المليارات من الأموال تبدد في هذا المجال, وذلك في الوقت الذي تعاني فيه بعض الدول الإسلامية من الفقر المدقع ونقص في الضروريات والحاجات الأصلية للحياة العادية, وحذر من الوقوع أسري للفضائيات والإعلانات التجارية التي تستهدف الوصول إلي جيوب الصائمين وتركهم أسري للديون التي تثقل كاهلهم. وأوضح الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, أن الشريعة الإسلامية تحرم الإسراف والتبذير بكل صوره وأشكاله وذلك لحكم عظيمة وأهداف سامية تبرز في تنمية معني القصد في الغني والفقر وضبط الإنفاق في حالات اليسر والعسر, وأضاف قائلا: الإسراف والتبذير في الشهر الكريم يتنافي والحكمة من مشروعية الصوم إذ انه في الأصل شرع ليشعر الغني بالفقير لا أن يتزايد الغني في ممارسة ما يمارسه من أفعال تكرس للضغينة بينه وبين الفقير. كما أن الإسراف والتبذير إفتاك يهدد الأمم والمجتمعات ويبدد الأموال والثروات وهو سبب للعقوبات العاجلة والآجلة وهو سبب للترف الذي ذمه الله وعابه وتوعد أهله في كتابه, كما أنه سبب يؤدي بصاحبه إلي الكبر وطلب العلو في الأرض, وفي ذلك قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة وهو ما يبين أن الإسراف قد يستلزم المخيلة وهو الكبر وهو ما ينشأ عن فضيلة يتراءاها الإنسان من نفسه, وأن الإسراف والتبذير يؤدي إلي إضاعة المال وتبديد الثروات, وهو أيضا سبب من أسباب الضلال في الدين والدنيا وعدم الهداية لصالح المعاش والمعاد ثم إن عقوبة الله تعالي للمسرفين تمثلت في أن جعلهم إخوانا للشياطين, كما حرم الإسلام التبذير والإسراف لما فيهما من سفه وتفاخر, بينما الإسلام شريعته تحث علي الوسطية في كل شيء والعدل في كل شيء والإسراف فيه خروج عن المألوف وافتعال للإنفاق في غير فائدة وتبديد للثروات فيما لا عائد من ورائه. تحقيق: محمد عبد الخالق