لابد أن تقف مصر.. لتكون نواة قوة. نواة إرادة. نواة أمل, ولتصنع من2014 بداية طريق محمد حسنين هيكل بيد علي القلب, وفرحة مؤجلة بانتصار لم يكتمل.. وبمشاعر يغلبها القلق علي مستقبل تختفي ملامحه خلف سحب دخان الغاز المسيل للدموع التي أصبح ظهورها أمرا مألوفا هذه الأيام.. يخطو المصريون غدا إلي2014: معاركه وأسئلته وتوقعاته, وفي صدورهم أحلام بارتفاع السماء وأماني لم يسعفهم الوقت بتحقيقها رغم ثورتين غيرتا الأحوال علي أرضهم مرتين! القلق مفهوم.. والأماني التي تشبه شمسا في معركة مع غيوم شتاء عنيد, تبدو بلا حدود. لكن قدرها أن تظل تواجه بعقبات وتضطر لأن تحارب علي أكثر من جبهة مفتوحة, ربما يكون أخطرها هو جولات الصراع اللانهائي مع الاخوان, الذين فقدوا عقولهم منذ سحب الشعب الثقة من رئيسهم, فقرروا أن ينتقموا من مصر كلها بأي حيلة وبأي شيء تطوله أياديهم, وبأقصي درجات العنف والقسوة.. ثم الاقتصاد المريض الذي تحاصره مشاكل من كل نوع وتشل حركته, كما لو كان سيارة جار عليها الزمن وفقدت إطاراتها ومحركها ومع ذلك مطلوب منها أن تطير.. ومن متاعب الاقتصاد إلي تحركات وأطماع ونوايا الذين لا يريدون عربا وعجما الخير لمصر, ولا يسعدهم أن تقف علي قدميها من جديد. وأضف بعد ذلك تحديات الفوضي الضاربة علي حدودنا شرقا وغربا وجنوبا والتي يمكن ان تصل تفاعلاتها وشظاياها الي أي مكان في مصر, فضلا عن الأجواء القابلة للاشتعال لأهون سبب, مع أول رصاصة وأول مظاهرة وأول شرارة لتجعل من الاستقرار سرابا لا يمسك به أحد. من جانبهم, لا يري علماء السياسة أي شيء غريبا في حالة السيولة والسخونة ومظاهر الارتباك والتخبط المتكررة من حولنا, ويعتبرونها مسألة طبيعية تماما بعد أي انفجار ثوري من ذلك الذي شهدناه في2011 وفي الصيف الماضي. ولكي يطمئنونا أو يثيروا قلقنا فإنهم يقولون إن الأمور لا تستقر بعد نشاط بركاني من هذا النوع الا بعد أن يخمد البركان ويهدأ غباره وتبرد حممه, وهو ما يمكن ان يستغرق في الطبيعة بضع سنوات:10 مثلا. وفي حالة مصر كما تنبأ الدكتور سعد الدين ابراهيم أخيرا فإن الحكاية لن تطول إلي هذا الحد وربما تتطلب عاما اخر 2014 كله أو ربما أكثر بقليل! علي أي حال, ورغم أن دواعي اللياقة مع بداية سنة جديدة, كانت تقتضي مني أن أكون متفائلا ومجاملا ومبتهجا وأن أخفي أي أنباء سيئة.. فإنني لا أظن أن أحدا سيفاجأ الان بالتوقعات التي أطلقتها وحدة الايكونومست للمعلومات قبل أيام, وصنفت مصر فيها ضمن مجموعة الخطر لدول ستشهد بشكل مؤكد موجات عدم استقرار واضطرابات اجتماعية وسياسية خلال.2014 القائمة تتقاسمها معنا18 دولة ليس مصادفة أن بينها7 بلدان عربية, غير محظوظة هي الأخري: سوريا والعراق وليبيا واليمن والسودان والبحرين ولبنان وأغلبها لا يزال يعاني بشكل أو اخر مثلنا تقلصات ما بعد الربيع العربي. كما بدا لافتا في هذه التوقعات أن3 دول عربية خليجية( الامارات والسعودية والكويت) تتراجع فيها احتمالات الاضطراب التي تهز أنظمة دول كثيرة علي امتداد قارات العالم( امسكوا الخشب)! تستطيع باطمئنان إذن أن تتوقع ألا تختفي سريعا مشاهد الفوضي والثأر والكراهية والعناد في شوارعنا, أو شواهد الاضطراب والاحتقان والانقسام والاستقطاب غير المسبوق في حياتنا. والسيناريو الأرجح في2014 في ظل كل هذا الفوران هو أن تستمر معنا حتي أجل غير مسمي جولات الكر والفر التي تتقاطع فيها مساعي الدولة لفرض سيطرتها واستعادة الاستقرار الغائب, مع محاولات اختراق هذه السيطرة والتمرد عليها سواء في الميادين أو الجامعات أو فوق رمال سيناء أو عبر الحدود.. وبلا أي راحة أو هدنه! لهذا ولغيره, فإن أهم ما يجب أن ننشغل به في عام جديد, هو خطوات حكومة يونيو وهي تحاول في هذه الظروف الضاغطة إعادة الحياة الي طبيعتها, بالاشتباك مع قوي الارهاب وتحريك الاقتصاد, والتصدي لأي تدخلات خارجية( كانت تسمي أصابع في عهد الاخوان!) ثم وهي تتحرك لتنفيذ وعودها باستكمال التحول الديمقراطي من خلال انتخاب رئيس وبرلمان جديدين( أيهما أولا).. إلي آخر بنود خريطة الطريق. المهمة صعبة إلي أقصي مدي, وبإمكانك ان تظل تواصل انتقادك لهذه الحكومة علي أي هفوة, أو تقرر الوقوف خلفها وبجانبها, محتفظا طوال الوقت بحقك في محاسبتها. وسيكون لافتا لو أن أجهزة الأمن ألزمت نفسها بشكل صارم وبكل انضباط بتطبيق القانون حتي مع الخصوم, وأن تظل توازن بين ضرورات الأمن وشروط الحرية.. حتي لا تفاجأ في أي لحظة بأن هناك بين الثوار من يمكن ان ينتقل بسهولة إلي خانة الخصوم لو أن مساحة حق التعبير أصبحت معرضة للخطر مع أي خطأ أو تجاوز! وإذا كان بيننا من يردد بين وقت وآخر التساؤل الدائم: مصر رايحة علي فين؟ فربما لا يكون هناك وقت أفضل من الآن لكي نضيف إلي السؤال ما يساورنا من مخاوف مبررة لضياع3 سنوات كاملة, دون أن نقترب كثيرا أو قليلا من أي هدف مما ثار الملايين من أجله( ليس مرة واحدة وإنما اثنتان).. وأن نحاسب أنفسنا بعد ذلك علي أننا استسلمنا لموجات متكررة من التفاؤل والتشاؤم, وتوقفنا فقط عند طرح سؤال: إلي أين؟ دون أن ننشغل كما ينبغي بالبحث عن اجابته الصحيحة, أو التأكد من أننا نسير بالضبط في الطريق الذي يحقق لنا ما نريد وما نستحق.. وإذا ما نجحنا بعد ذلك, خلال سنة أو أكثر, في تحقيق حلم ليلة ثورة.. سيكون بإمكاننا أن نتبادل التهنئة بلا قلق كلما حل أي عام جديد.. هابي نيو يير! لمزيد من مقالات عاصم القرش