إن الهوية مفهوم معقد مبني علي إلتقاء الفردية بالجماعية وهي إشكالية بدأت تفرض نفسها سواء في الحياة العامة أو في الأعمال الأدبية المختلفة. فالأدب ما هو إلا إجابة جمالية لمجموعة من الأسئلة يطرحها مجتمع في فترة محددة, وهذه الأسئلة بالنسبة لبلاد المغرب العربي ليست لها سوي إجابة واحدة: أزمة الهوية, فكلما تعرضنا لعمل أدبي مغربي مكتوب باللغة الفرنسية وجدنا تكرار لمجموعة من التيمات والإشارات تتعلق كلها بهذه الإشكالية, فكيف يمكن الكتابة بلغة هي أولا لغة الآخر؟ وتتشابه أعمال الكتاب المغاربة في مضمونها واهتمامها سواء تنوعت الأعمال أو تشابهت فهي تتضمن خصائص مشتركة تميزها, وأحيانا نشعر أن هذه النصوص هي أساسا نفس النص رغم تباينها لأنها تشتمل علي عناصر متشابهه وتبدو فيها ذات الإنسان واحدة ومتعددة في آن واحد, فهذه الروايات تلتقي فيها الثقافات والهويات ونجد فيها عالمين يلتقيان من خلال عبارتي: المغرب واللغة الفرنسية فتتداخل الثقافات وتتداخل النصوص وكل رواية تصبح صدي للآخر ويبدو الإنسان مجموعة من العبارات والروايات. وتظهرهذه الهوية المزدوجة تحت أشكال متعددة: ازدواجية الشخصية وازدواجية اللغة وازدواجية النص. إن ميلاد أدب مغربي ناطق بالفرنسية في السنوات(1945-1950) قد أثار ردود فعل عنيفة, فكتاب هذا الأدب بالنسبة للبعض لا يمثلون المجتمع المغربي لأنهم يستخدمون اللغة الفرنسية كأداة للتعبير ولأنهم ينشرون إنتاجهم في فرنسا وينالون جوائز أجنبية ويكتبون للقارئ الفرنسي. وقبل الاستعمار كانت هناك شخصية مغربية تجد ذاتها في أدب يعبر عنها وثقافة خاصة بها, حاول الاستعمار أن يمحو هذه الشخصية وأن يغير من طبيعتها وقيمها الثقافية فأصبح الكتاب المغاربة عاجزين عن أن يحكوا بالعربية ما يحسونه بها, كما أصبحوا محرومين من لغتهم الأم, فكان عليهم أن يجدوا وسيلة للتعبير ألا وهي اللغة الفرنسية, وكان عليهم أيضا أن يبحثوا عن ناشرين لأعمالهم وعن قراء يقرأون هذه الأعمال. إن الكاتب المغربي يعيش موزعا بين الشرق والغرب.. بين لغتين وثقافتين.. بين أسلوبين للتفكير, فهو يكتب بلغة المستعمر مستخدما موضوعات عربية أصيلة, ولذا كان هذا الأدب أدب عربي أصيل رغم كتابته بالفرنسية, فكتاب هذا الأدب لا يرون في الفرنسية إلا علامات يستخدمونها بطريقتهم للتعبير عن مشاعرهم وتطلعاتهم. لقد اعتقد الكثيرون أن هذا الأدب الناطق بالفرنسية سيختفي بعد الاستقلال لأنه ظهر مصاحبا للاستعمار وسينتهي بنهايته, ولكن هذا الأدب استمر إنتاجه بجانب الكتابات الأخري باللغة العربية. إن البحث عن الذات والتعبير عنها بلغة الآخر لعجزنا عن التعبير بلغتنا الأصيلة هو التناقض الذي يعاني منه هؤلاء الأدباء, حيث إن وجود ثقافتين متناقضتين جنبا إلي جنب يخلق الكثير من المشاكل الأليمة ويجعل هؤلاء الكتاب الشبان يتساءلون عن هويتهم.. لقد لفظهم الشرق ورفضهم الغرب واكتشفوا النفي الحقيقي, نتيجة لانتزاع جذورهم وبسبب هويتهم الضائعة. ويبدو الوضع بعد الاستقلال غريبا وغائما: هل ينبغي علي الكاتب أن يلتزم الصمت أم يستكمل دوره؟ كيف يمكن أن يجد مكانا له في الثقافة القومية بجانب الآداب العربية والأدب الشعبي الشفوي؟ إن الكاتب المغربي الذي يكتب بالفرنسية لا يطلب أكثر من حرية التعبير عن نفسه, لأنه ليس لديه لغة أخري يتقنها, وهو يحاول أن يعلن استقلاله عن اللغة الفرنسية بالطرق الآتية: الانغماس في لغته وثقافاته الأصلية وفي جذور التراث المغربي الثقافي والتاريخي. %. %'' %. %. ...'':''''. ''''()(+)':' إليها'. لمزيد من مقالات د.غراء مهنا