بينما ينظر اغلبنا لاحتفالات رأس السنة باعتبارها فرصة لكسر الروتين أو مناسبة للتواصل مع الأصدقاء فإن كثيرا من المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال حول العالم ينتظرون المناسبة بفارغ الصبر كل عام, ليس تشوقا للإحتفال بها طبعا ولكن لأن الإحتفالات تمثل الدجاجة التي تبيض ذهبا لهم حيث تشير التقديرات إلي أن بني البشر في جميع انحاء الارض ينفقون ما يزيد علي تريليون دولار امريكي علي احتفالات رأس السنة, وهو رقم يزداد سنويا بانتظام. الاوجه الرئيسية للإنفاق خلال هذه الليلة المميزة تتمثل في إعلانات التهاني وهدايا رأس السنة وأشجار الكريسماس ورسائل المحمول والهدايا الذهبية والفنادق وكذلك المطبوعات من كروت المعايدة وغيرها, ولا ننسي بالطبع حصة شركات الطيران من تورتة التريليون دولار باعتبار أن عشرات الملايين حول العالم يفضلون الاحتفال بالمناسبة في بلد آخر غير بلادهم من باب التغيير. وإذا كان من المقبول مثلا أن ينفق الأمريكان ما يقترب من10 مليارات دولار علي احتفالات رأس السنة بحسب إحصائيات عام2013, فإنه تجاوز الإنفاق علي هذه الليلة في بلد يعاني من الديون وعدم الاستقرار الاقتصادي مثل مصر5 مليارات جنيه مثلما ذكرت دراسة إحصائية أعدتها جامعة حلوان في بداية العام الحالي( وفي دراسات آخري لاكاديميين آخرين تجاوز الرقم السبعة مليارات) يبقي أمر غير مفهوم ولا مستساغ خصوصا إذا قارناه بكمية المظاهرات والوقفات الفئوية لمئات الآلاف من الموظفين والعمال المطالبين بزيادة رواتبهم أو تعيين المؤقتين او غيرها من المطالب التي تعكس- او هكذا يجب فهمها- معاناتهم المعيشية, إذ لا يمكن تخيل أن هؤلاء يتظاهرون من اجل الحصول علي أموال ينفقونها علي الاحتفال برأس السنة!!. قبل أن نضرب كفا بكف علي احوال المصريين وكأننا لسنا منهم فأن الإحتفال بالعام الجديد إحقاقا للحق عادة شبه مقدسة في جميع أنحاء العالم ولأغلب بني البشر, الفقراء منهم والأغنياء, حتي ان كثيرا من الدراسات كشفت عن ان مواطني الدول الفقيرة يدخرون طوال العام لتوفير تكاليف الإحتفال بالمناسبة بمستوي من الفخامة يقارب مستوي احتفالات الاغنياء, فمثلا في روسيا كشفت دراسة لمؤسسةDeloitte عن إن إنفاق الأسرة الروسية الواحدة علي الاحتفال برأس السنة يتجاوز19 ألف روبل, أي ما يعادل580 دولارا, مشيرة الي ان ما يخصصه الروس لهذه المناسبة يفوق ما يخصصه الألمان الاغني لها. أما في فرنسا فقد ذكر موقع إلكتروني خاص بأحد المراكز التجارية الكبيرة بالعاصمة باريس, أنهم أجروا دراسة علي مبيعات اليوم الذي يسبق ليلة رأس السنة, فوجدوا أن ما يقدر ب14 مليون مستهلك, تسوقوا في هذا اليوم, بتكلفة بلغت مليارا و45 مليون يورو. وهذا الرقم طبعا لا يشمل سهرات رأس السنة وهداياها والرسائل النصية القصيرة علي الهواتف للمعايدة علي الأصدقاء والاقارب والاحباء, وهي تمثل بمفردها بابا هائلا للإنفاق حسبما تشير البيانات الصادرة من جمعية معلومات الهاتف المحمول البريطانية التي ذكرت أن المحتفلين بالعام الجديد في بريطانيا تبادلوا إرسال200 مليون رسالة خلال الساعات القليلة قبل وبعد منتصف ليلة الأول من يناير. واذا كانت الحكمة القديمة تقول إن كلنا في الهم شرق فأنه يبدو أننا في الصرف ايضا كذلك حيث كشفت نتائج مسح اقتصادي في تايلاند أجري عام2003 أي قبل10 سنوات أن الإنفاق المتوقع للمواطنين هناك علي هدايا رأس السنة فقط يصل إلي3.3 مليار باهت تايلندي(5.82 مليون دولار), وهذا الرقم تضاعف عدة مرات طبعا في السنوات التالية. وفي لبنان قدر احد الخبراء قيمة انفاق اللبنانيين علي سهرات رأس السنة بحوالي50 مليون دولار, نصفها ينفقه الاغنياء, بينما ينفق الفقراء واصحاب المداخيل المتوسطة النصف الآخر, حيث تتراوح التكلفة بين800 دولار للشخص الواحد في سهرتي فندق فينيسيا الشهير, و50 دولارا في حانات الجميزة الصغيرة, علما بان متوسط دخل الموظف اللبناني( المعلن) هو500 دولار شهريا. نصل إلي دبي التي تسعي منذ سنوات لتقديم احتفالاتها المميزة بالعام الجديد عند برج خليفة رائعتها المعمارية الشهيرة كواحدة من المزارات المهمة للاحتفال بهذه المناسبة مثل حفل دار الأوبرا في سيدني, وبرج إيفل في باريس, وساحة تايمز سكوير في نيويورك, فقد نجحت الإمارة الصغيرة في جذب حوالي مليون و400 الف زائر لمشاهدة احتفالات رأس السنة الماضية, ورغم الانفاق الكبير علي اقامة هذه الاحتفالات الذي قدرته بعض الاحصائيات غير الرسمية والمبالغ فيها بحوالي مليار درهم, فأن العوائد التي تجنيها حركة السياحة في المدينة وبالتالي قطاعات عديدة فيها تظل أكبر بكثير حيث يقدر خبراء السياحة والسفر حجم إنفاق السائح الخارجي والداخلي خلال ليلة رأس السنة بين2000 و6000 درهم ما يعني أن الإنفاق الكلي لن يقل بأي حال عن ملياري ونصف المليار درهم بنسبة ربح250% عن المبلغ المصروف. وأخيرا وبعد أن عرفت كيف يقضي عشرات الملايين حول العالم الساعات الأخيرة من العام وكم ينفقون فيها؟! يمكنك الآن العودة إلي طريقتك المثلي للاحتفال جالسا أمام التليفزيون متدثرا بأغطيتك الثقيلة متسلحا بكل ما امكنك الحصول عليه من لب وسوداني وبعض الفاكهة.