هو أنت الوزير؟ هكذا سألت طالبة بالإعدادي وزير الإسكان المهندس إبراهيم محلب منذ يومين عندما زار كرداسة, فلما أجاب: نعم.. أنا الوزير , عاجلته البنت بعفوية محببة: كنت أحسب أن الوزير يرتدي بدلة وكرافتة ونظارة, لقد كان محلب يرتدي سويتر عاديا جدا, برغم أنه وزير! وبرغم درايتنا التامة بأن المهندس محلب لا يجد لحظة كي يضحك, لكثرة مشاغله وهمومه, فإننا مع ذلك سنحكي له نكتة, ربما يضحك منها: لقد ركب سائح مع سائق تاكسي, فلما رآه يتجاوز الإشارة الحمراء صرخ فيه: ياخبيبي الإشارة همرا( يعني حمراء!), فرد عليه السائق: لا تخف فأنا سائق بروفيشينال, وعند الإشارة الحمراء الثانية والثالثة نظر إليه وقال: قلت لك لا تخف فأنا بروفيشينال, إلي أن جاءت الإشارة الخضراء, فأوقف السائق السيارة, فلما سأله السائح: يا خبيبي الإشارة خضراء لماذا توقفت؟ أجاب: ومن أدراني أن يأتي بروفيشينال آخر فيصدمني؟ فهمتوها؟ نعالوا نفهمها سوا. إن المعني ببساطة هو أن كل شيء عندنا مقلوب, وماشي عكس عكاس, نحن لسنا كبقية خلق الله, بل نحن مختلفون, وعلي سبيل المثال في جولة الوزير محلب نفسها في كرداسة, صرخت فيه سيدة غلبانة: لا نريد هذا الكوبري الجديد ياباشا, كيف يا سيدتي والحكومة أقامت الكوبري لحمايتكم من كوارث المزلقانات؟ موش مهم.. نموت نموت ويبقي المزلقان! وعلي سبيل المثال, ففي الدنيا كلها إلا عندنا أصبح الهدف من التعليم إفهام التلاميذ حقائق الوجود, من خلال المناقشة والتجريب والبحث, أما في بلدنا فلا تعليم إلا بالحفظ والتلقين وحشو رءوس الناشئة بأطنان من المعلومات, لا علاقة بينها ولا رابط, وكم صرخ الصارخون: ياناس.. لابد من الفهم أولا قبل الحفظ, ياسادة نقحوا المناهج, ولا جدوي. ومنذ أشهر قليلة, خرج الملايين إلي الشوارع, رافضين حكم الإخوان الفاشل, ووضعت للناس خريطة طريق للخروج من المأزق السياسي, تبدأ بالدستور, ثم بانتخاب برلمان, ومن خلال البرلمان يأتي رئيس البلاد, ثم الحكومة, هكذا قيل للناس, فوافق الناس, ثم اليوم يفاجأون بمن يدعو لانتخابات الرئيس أولا, وها هم الناس مختلفون مضطربون, لا يعرفون من يصدقون ومن يكذبون, وأي مسلك يسلكون. .. وحتي في الانتخابات البرلمانية نفسها, جرب الناس انتخابات القائمة أكثر من مرة ففشلت, وأبطلتها الدستورية, وصرخ الصارخون: يا ناس إن انتخابات القائمة لا تصلح لكم, إذ أن أحزابكم مهترئة, والقوي السياسية علي ساحتكم ليست متصلة اتصالا وثيقا بقواعدها الشعبية, ومن ثم فإن الأصلح لكم هو الفردي, ولا حياة لمن تنادي! وانظر إن أحببت إلي مطالع الكباري والمحاور ومنازلها فماذا تري؟ ستري السيارات تصعد الكوبري من منازل الكوبري. إن السيارات تكون جميعها في حالة نزول, وإذا بك تفاجأ بميكروباص أو أجرة طالعا لك من المنزل, وكم من كوارث وقعت, وكم من أبرياء ماتوا, فإن سألته: ياعم.. طالع من هنا ليه؟, رد عليك بكل بجاحة: ألم ترني طالعا بظهري؟ ياسلام يا أبو الفتاكة.. وهل طلوعك بمؤخرة السيارة سيمنع وقوع الكارثة؟ ناس بروفيشينال! إن كل أرصفة الشوارع في الدنيا كلها مخصصة لسير المارة المترجلين, بينما نهر الطريق متروك للسيارات, إلا في هذا البلد.. الرصيف بات للباعة الجائلين, ولأكشاك السجائر, وليذهب المارة إلي قاع الجحيم, فإن تكلمت, فليس لك عندنا إلا قرن الغزال! وتسأل: وأين الدولة؟ فيجيبك المجيبون: وهل نحن عندنا دولة؟ إن الدولة عندنا ليست كالدولة في أي مكان, إنها هي الأخري دولة بروفيشينال, كل همها جمع الضرائب من الغلابة, وإن هي تنازلت وتفضلت ومنحت المساكين دعما, سرقه السارقون, بينما هي أذن من طين وأخري من عجين, يارجل.. عمرك شفت في أي حتة بالدنيا خبز الغلابة يسرقونه لتأكله المواشي؟ اللهم إن كانت المواشي هي الأخري مواشي بروفيشينال؟ والحل؟ بسيطة.. إذا عرف السبب بطل العجب. إن خيبتنا القوية هذه سببها الاستبداد, كلنا مستبدون, وكلنا ضحايا الاستبداد, حتي المتسول في إشارة المرور يستبد بك كي تعطيه الحسنة بالعافية. المؤسسات عندنا كلها وحياتك عمودها الفقري الاستبداد, وهو استبداد بروفيشينال, يعني مختلف عن كل استبدادات التاريخ. إنه استبداد ترسخه القوانين واللوائح, برغم أن القوانين جاءت لإنهاء الاستبداد والقضاء عليه. يعني لا حل؟ بل هناك حل.. أن نعيد عدل الهرم المقلوب, ونصنع قوانين بروفيشينال بجد, علي الطريقة الأوروبية, وليس البروفيشينال المصري المضروب, ولن يتم ذلك إلا ببرلمان حقيقي, محترم مليء بالخبرات وأصحاب الذمم النظيفة, وتلك هي فرصتكم الأخيرة, فهل أنتم مستجيبون, أم ستكونون مثل الولد وعمه؟ ماذا؟ مادمنا قد بدأناها بنكتة, فلننهها بنكتة: رأي الولد أباه يكتب خطابا فسأله: ماذا تفعل؟ قال أكتب جوابا لعمك, فسأله: وهل أنت تعرف تكتب؟ فأجاب وهل عمك يعرف يقرأ؟ لمزيد من مقالات سمير الشحات