عنوان هذا المقال هو عنوان لكتاب من تأليف الكاتبة الانجليزية كارن آرمسترونج صدر في عام2000 ولكن مع بزوغ القرن الحادي والعشرين في عام2001 أعادت طبع الكتاب ولكن مع مقدمة جديدة. وفي سطرها الأول وردت العبارات الآتية:11 سبتمبر2001 سيدخل التاريخ باعتباره اليوم الذي أحدث تغييرا في العالم. فلأول مرة تهاجم أمريكا من قبل عدو أجنبي وعلي أرضها وبأسلحة بدائية في يد ارهابيين مسلمين.لم يكن العدوان علي أمريكا فقط بل كان عدوانا علي العالم الأول بعد انهيار العالم الثاني وأعني به الاتحاد السوفيتي. وبناء عليه فانه من المؤكد أن التغيير سيكون شاملا وستكون همومنا وشئوننا التي لازمتنا قبل11 سبتمبر بلا معني. أما الأصوليون فهم وحدهم الذين لن يحدث لهم أي تغيير لأنهم يقاتلون في سبيل الله. والسؤال اذن: ماذا حدث للأصوليين حتي يقاتلوا في سبيل الله؟ جواب آرمسترونج أن الله, في رأيهم, أصبح هامشيا في زمن العلمانية في القرن العشرين, والمطلوب إعادته إلي المركز, ولهذا كان11 سبتمبر هو النتيجة المنطقية لمسار الأصولية علي حد تعبير آرمسترونج. والمفارقة هنا أنه لم يعد من حقنا القول بأن الأصولية أثر من زمن مضي, إذ هي معاصرة ومتجددة بالضرورة في هذا الزمان حيث شيوع العلمانية والحداثة. والمفارقة هنا أيضا أن بن لادن منظر11 سبتمبر لم يكن مفكرا أصيلا, إذ إن فكره مشتق من فكر سيد قطب(1906-1966). والسؤال اذن: من هو سيد قطب المسئول الخفي عن11 سبتمبر؟ إنه مصري أصولي سني. في عام1951 قرأ مؤلفات صحفي وسياسي باكستاني اسمه أبو الأعلي المودودي, وفيها اكتشف أن الغرب عدو الاسلام ولا سلطان إلا لله وحده. وسلطان الله لا يتحقق إلا بالجهاد أي بالعنف أي بالنضال المسلح لمحاربة جاهلية الغرب علي غرار محاربة الرسول الجاهلية التي كانت سائدة في عصره. وارتأي أن الآية القرآنية الكريمة لا إكراه في الدين..( البقرة:256) والتي تعني التسامح لن تمارس إلا بعد انتصار الاسلام وإقامة الدولة الاسلامية, أي بعد سحق الآخر المغاير. وقد أعدم سيد قطب في عام.1966 وبعد سيد قطب جاء عبد السلام فرج بكتابه المعنون الفريضة الغائبة والمقصود بها أن تكون فريضة جماعية من أجل الجهاد ضد السادات الكافر حتي قتلوه, وبعد سقوطه يكون الباقي علي الله. وفي هذا المناخ الأصولي اضطر الرئيس السابق حسني مبارك إلي التعاون مع جماعة الاخوان إذ اذن لها أن تكون الحزب المعارض في مجلس الشعب برعاية فكر ابن تيمية من القرن الثالث عشر. ومع ذلك فقد اغتالت الجماعة رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب في أكتوبر1990 لأنه كان ضد المادة الثانية من دستور1971 والتي تقول إن الاسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. وفي عام1992 اغتيل فرج فودة لأنه دعا إلي العلمانية. وعلي غرار مصر سارت اسرائيل في تدعيم الأصولية اليهودية التي اغتالت رئيس وزراء اسرائيل اسحق رابين. وعلي غرار مصر واسرائيل سادت الأصولية المسيحية في أمريكا بقيادة القس جيري فولول. ففي عام1992 هاجم فولول بل كلينتون عندما انتخب رئيسا لأمريكا بدعوي أنه شيطان علماني انطلق في ربوعها. وهكذا انقسم المجتمع الحديث, في رأي آرمسترونج, إلي أمتين: أمة علمانية وأمة أصولية وبينهما تناقض حاد, أي إقصاء أحد الطرفين للآخر. إقصاء الأصوليين للعلمانيين بدعوي رعبهم من فنائهم علي يد الأصوليين. وإقصاء العلمانيين للأصوليين بدعوي أنهم مصابون بمرض عقلي. أما آرمسترونج فتري ضرورة التعاون مع الأصوليين بحكم أنهم لن يتواروا من الحياة الدنيا لأن مجرد التفكير في إقصائهم يزيدونهم عنفا وشراسة. وأنا علي الضد من رأي آرمسترونج, فالتناقض الحاد بين الأصولية والعلمانية هو تناقض يعبر عن حالة ذهنية في فهم الحقيقة.إذ هي عند الأصولي ترقي إلي الحد الذي يتوهم فيه أنه يمتلك الحقيقة المطلقة, أما عند العلماني فالحقيقة عنده لا ترقي إلي الحد الذي ينتهي عنده الأصولي, إذ هي نسبية بحكم نسبية العقل الإنساني. ومن هنا جاء تعريفي للعلمانية بأنها التفكير في النسبي بما هو نسبي وليس بما هو مطلق, وللأصولية بأنها التفكير في النسبي بما هو مطلق وليس بما هو نسبي. وحياة آرمسترونج ذاتها دليل علي صدق ما أقول, فقد كانت راهبة في السابعة عشرة من عمرها, وفي الدير فقدت حريتها وأعلنت الحرب علي العالم, وانتهت إلي أن الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والاسلام هي طرق متعددة لرؤية الله. إلا أن الأصولية بوجه عام والأصولية الاسلامية بوجه خاص تصاب بالرعب من هذه التعددية فتقاتل في سبيل الله. لمزيد من مقالات مراد وهبة