ماذا يعني عنوان هذا المقال: عام القرن العشرين؟ إنه يعني العام الذي يتميز عن أعوام أخري من القرن العشرين بأنه العام الذي بدونه ليس في امكاننا فهم مسار القرن العشرين. إنه عام.1979 والسؤال اذن: لماذا عام1979 ؟ لأنه العام الذي حدثت فيه أحداث محورية هي علي النحو الآتي: أصدر الرئيس الأمريكي جيمي كارتر في يناير1979 قرارا بتدعيم النشاط الأصولي الإسلامي في أفغانستان والمعادي للاتحاد السوفيتي. وبداية غزو السوفيت لأفغانستان. واحتلال الحرم الشريف في مكة بدعوي أن النظام السعودي ليس مؤهلا لحماية البيت الحرام. وكان زعيم الاحتلال وهابي المعتقد والمستند إلي فتاوي ابن تيمية. واستولت الأصولية الاسلامية علي الحكم في ايران بزعامة آية الله خوميني وفكرتها المحورية أن الأمر الإلهي له سلطان مطلق علي جميع الأفراد وعلي الحكومة الاسلامية, وأن الفقهاء هم الحكام الحقيقيون ويستندون في حكمهم إلي الشريعة الاسلامية وليس إلي الارادة الانسانية. وتم انتخاب الشاذلي بن جديد رئيسا للجزائر لتدعيم الأصولية الاسلامية فاستدعي من مصر الشيخ محمد الغزالي وعينه أستاذا بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الاسلامية, وأمر بأن يفسح له التليفزيون والاذاعة وقتا لحديث ديني. كذلك تأسس في أمريكا حزب الغالبية الأخلاقية المعبر عن الأصولية المسيحية بقيادة القس جيري فولول لتدعيم الدعاية ضد الشيوعية واطلاق الرصاص اللاهوتي علي العلمانية. وتم عقد معاهدة سلام بين مصر واسرائيل بالرغم من معارضة الأصوليين الاسلاميين. وقد أفضت هذه المعارضة إلي قتل السادات في1981/10/6 هذا موجز لمقال نشرته في مجلة المصور بتاريخ2003/2/4 تحت عنوان عام1979. وفي هذا العام, عام2013 فوجئت بصدور كتاب لمفكر أمريكي اسمه كرستيان كارل عنوانه الرئيسي متمردون غرباء وعنوانه الفرعي عام1979 ومولد القرن الواحد والعشرين ومعناه أن عام1979 هو الأب الشرعي للقرن الحادي والعشرين. والأسئلة المطلوب الاجابة عنها هي علي النحو الآتي: من هم المتمردون الأربعة؟ وماذا أحدثوا في عام1979 ؟ وماذا كان تأثير ما أحدثوا علي القرن الحادي والعشرين؟ وما العلاقة بين رؤيتي لعام1979 ورؤية كارل. المتمردون الأربع: مارجريت ثاتشر(1925-2013) انتخبت رئيس وزراء بريطانيا في مايو1979 وظلت كذلك حتي عام.1990 وقد قيل في سبب انتخابها أنها تريد إعادة قيم اقتصاد السوق, وبالتالي تريد إعادة شعار الرأسمالية دعه يعمل دعه يمر. ومع ذلك فان كارل يري أن هذا القول ليس بالصحيح, إنما الصحيح أن تاتشر امرأة ذات معتقدات دينية متأصلة, وأن جذور إيمانها بالمسئولية الفردية والحرية الشخصية كامنة في الروحيات وليس في الاقتصاديات. وكذلك فعل دينجشياوبينج(1904-1997) الذي قاد جمهورية الصين الشعبية نحو اقتصاد السوق مع بداية عام1979, إذ أحدث ثورة في الحزب الشيوعي الصيني عندما فكك المزارع الجماعية التي كان قد أنشأها ماوتسيتونج. وفي عام1979 ارتحل روح الله الموسوي الخميني(1902-1989) من فرنسا إلي ايران ليفجر الثورة الايرانية الأصولية ويطيح بالشاه ويعلن أن الاسلام أكثر تقدمية من المثقفين المتنورين, وأن فكر كل من المودودي وسيد قطب ليس له منافس, وأن الدول الاسلامية لا هي علمانية أو ملكية, إنما هي أصولية, ومن ثم فالعودة إلي الأصول لازمة والعنف وسيلتها. وفي عام1979 أرسلت موسكو جيشها إلي أفغانستان لسحق التمرد ضد النظام الشيوعي وحينها توهمت أمريكا كما توهم السوفيت أن ذلك السحق إنما هو تكرار لسحق السوفيت لتمرد الشعب المجري في عام1956, وتكرار لما حدث من تمرد في تشيكوسلوفاكيا في عام.1968 وكان من شأن هذا الوهم عجز كل من أمريكا والاتحاد السوفيتي عن التنبؤ بهوية القوة الاسلامية التي ستنفجر إثر غزو أفغانستان, وهي هوية دينية جوهرها العنف. وفي عام1979 أتم البابا يوحنا بولس الثاني(1920-2005) زيارتين تاريخيتين إحداهما لجيمي كارتر رئيس أمريكا والذي كان قد أصدر قرارا بتدعيم القوة الاسلامية في أفغانستان في مقاومتها للجيش السوفيتي. والأخري لبولندا التي كان ستالين قد فرض عليها النظام الشيوعي في عام.1944 وفي هذه الزيارة قال البابا للشعب الهولندي لا تخافوا لأن الله مصدر الخير. وقيل في حينها إن هذه الزيارة ضربة قاضية للنظام الشيوعي, إذ أدت إلي تأسيس حركة التضامن في عام1980, وبعد ذلك انهارت بولندا وانهارت معها دول أوروبا الشرقية ذات النظام الشيوعي. وحينها قال الزعيم السوفيتي ميخائيل جورباتشوف ز19921989 ممكنا من غير البابا يوحنا بولس الثاني. وفي نهاية المطاف فان الرأي عند كرستيان كارل أن الصحوة الدينية, في كل من العالم الإسلامي والمسيحي, هي أساس الحركات الثورية في عام1979, وأن أية صحوة أخري فإنها لن تكون إلا ملحقة. أما الرأي عندي فهو أن الصحوة الدينية ليست إلا بزوغا لأصولية اسلامية ومسيحية تحذف المستقبل وتعود به إلي ماض سحيق ومن ثم تقف ضد التطور وضد الابداع. وبناء عليه تكون لدينا رؤيتان متناقضان تناقضا حادا لعام1979: رؤية علمانية ورؤية أصولية. والسؤال اذن: مع بداية القرن الحادي والعشرين لمن تكون الغلبة: للعلمانية أم للأصولية؟ لمزيد من مقالات مراد وهبة