هل حان الوقت الذي يتوجب فيه التخلي عن الآمال بالتوصل إلي سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ؟ في أوائل شهر نوفمبر المنصرم ومن قلب تل أبيب كان وزير خارجية امريكا جون كيري يحذر إسرائيل من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة حال استمرار واستمراء التعنت الإسرائيلي وبخاصة تجاه قضية المستوطنات والوجود الدائم لجنودها في الضفة, بل إلي أبعد من ذلك ذهب كيري إلي وعد الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماعهما الأخير بلندن, إلي أنه إذا بقيت حالة المراوحة بالمفاوضات علي حالها فإن بلاده ستتدخل بقوة. هل هذا هو كيري نفسه الذي طلب منذ عدة أيام تأخير أطلاق سراح الأسري الفلسطينيين, في فصل جديد من فصول مهزلة المفاوضات التي ترعاها الإدارة الأمريكية, حيث تشترك مع إسرائيل في عدم احترام ما تم الاتفاق عليه؟ الشاهد أن جون كيري وعوضا عن أن يكون وسيطا نزيها شفافا غير منحاز, موضوعي يسعي لاحقاق الحقوق وتذليل الصعاب بالعدالة لا بالظلم والجور, نراه يطلب من إسرائيل إرجاء الإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسري القدامي لمدة شهر, للضغط علي الرئيس عباس بهدف إبداء مرونة أكثر بخصوص مواقفه من المفاوضات مع إسرائيل. يعن لنا أن نتساءل ما الذي غير الأوضاع ويدل الطباع علي هذا النحو عند كيري؟ بالقطع أن الرجل يحاول استرضاء حكومة نتانياهو إلي أبعد حد ومد, لاسيما بعد غضبتها الكبري من الاتفاق الأمريكي الإيراني الأخير, وحتي لو كان ذلك علي حساب الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية ومصيرهم في أرضهم... هل رضي الإسرائيليون في كل الأحوال علي كيري رغم تنازلاته والتي لاحق له فيها في الأصل؟ وليدقق القارئ في تعليقات الصحافة الإسرائيلية طوال شهر مضي وسيجد جميعها يؤكد علي الرفض لجولات كيري وتري أنه وسيط غير نزيه, وأنه منفصل عن الواقع, بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون كان قد عقب علي تصريحات كيري بأنه لا حاجة للخوف من التهديدات الأمريكية. يخلص المتابع لتحركات الوزير الأمريكي إلي أنه يتابع مشكلات المنطقة بمزيج من النشاط والارتجال دون رؤية استراتيجية حقيقية, وإلا لأدرك مبكرا فيما خص ملف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية أن نتانياهو مقارنة بأولمرت أقل يأسا وأقل استعدادا لتقديم تنازلات, وأنه يقوم بحسابات في منطقة أصبحت أقل استقرارا وتسامحا إزاء المخاطر. كيف لسلام حقيقي أن يبزغ من بين حنايا أضلع نتانياهو وهو يدعو أبو مازن للصعود علي منصة الكنيست للاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية؟ وكيف للفلسطينيين عقلا أو عدلا استيعاب قيام مفاوضات ذات نوايا طيبة وطوايا صالحة مع الإسرائيليين في الوقت الذي تباشر فيه سلطات الاحتلال القيام ربما بأكبر خطوة علي صعيد مخططات تهويد القدسالشرقية, وتستهدف المسجد الأقصي, عبر تقسيم أوقات الصلاة داخل بما يسمح لليهود بمساحات زمنية ومكانية, وقد بدأت مناقشة الأمر سيما داخل الكنيست, وهناك ظهير أمريكي سياسي لهذا الطرح, فمواقف أمريكا في قضية القدس اتسمت قبل العام1991 بالغموض والضبابية والإبهام, وقد أتبعت الولاياتالمتحدةالأمريكية سياستين متعاكستين, فهي من جهة أعلنت تأييدها للقرارات الدولية المختلفة التي تناولت القضية الفلسطينية بما فيها قضية القدس, لكن علي أرض الواقع اتبعت سياسة تتفق مبدئيا مع السياسات الإسرائيلية المتناقضة مع القرارات الدولية ذات الصلة بالصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. كنا نظن أن إدارة جورج ووكر بوش فقط التي لديها للمعرفة العميقة بها وعليها, لكن نجد اليوم حال إدارة أوباما ليست أفضل بكثير, وخبرات كيري وجولاته تدلل علي أن هناك قصورا شديدا في فهم مشهد عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين اليوم عما كان قبل عشرة أعوام. ثمة تغير حقيقي لا تخطئه العين وهو أن اليمين بات أقوي في إسرائيل وأن الصهيونية المتدينة باتت بدورها أقوي وأعم وربما أشمل في أوساط اليمين, مع ما لهذا من تبعات واضحة سواء في المجال السياسي مثل صعود حزب البيت اليهودي بزعامة نفتالي بينيت, وكذلك المفاوضات حيث التزام رئيس الوزراء نتانياهو بإخضاع أي اتفاق لاستفتاء شعبي, أو علي الأرض من خلال تصاعد الاستراتيجية الصدامية في أوساط بعض المستوطنين الشباب في الضفة الغربية. في هذا السياق يبقي طبيعيا ما كشفته وثيقة سرية نشرتها القناة العاشرة الإسرائيلية, عن مضاعفة ميزانية المستوطنات الإسرائيلية خلال الأشهر الأخيرة بشكل غير مسبوق, في أثناء زيارته الأخيرة ولقاءاته بالطرفين كانت ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية للعام القادم2014 والتي تبلغ552.1 مليار دولار, تحتوي علي بند قيمته400 مليون دولار فقط لدعم قبة الصواريخ الإسرائيلية الجديدة.. عن أي وسيط يتكلمون؟ الخلاصة المخاطبون أصحابهم بالسلام والشر في قلوبهم اللهم أعطهم حسب فعلهم. لمزيد من مقالات اميل أمين