تشكل منتدي حوار المنامة منذ انطلاقه في عام2004, حدثا سنويا تثار من خلاله العديد من القضايا التي قد تتفرع في اتجاهات متفرقة, إلا أن عنوانها الرئيسي الذي لم يتبدل هو أمن الخليج, وكيفية تحقيق الاستقرار في هذه المنطقة الحيوية التي لم تخفت التوترات فيها أو تهدأ علي مدي نحو ثلاثة عقود, بدءا من حرب الخليج الأولي بين العراقوإيران, ثم حرب الخليج الثانية لتحرير الكويت, ومرورا بغزو العراق, ووصولا إلي أزمة البرنامج النووي الإيراني. وفي منتدي هذا العام تجدد العنوان مرة أخري وبات أمن الخليج هو الهاجس الأكبر خاصة في ظل العواصف التي تضرب المنطقة من كل اتجاه, سواء في المحيط العربي, الذي يشهد تغييرات متلاحقة لم تتبلور إلي شكل نهائي حتي الآن, أو علي الضفة الأخري من الخليج, حيث إيران التي وصلت لاتفاق مرحلي مع الغرب حول برنامجها النووي, أثار مجددا المخاوف الخليجية ولم يبددها, فضلا عن استمرار صراع النفوذ الدولي في مياه الخليج. جاء انعقاد المنتدي هذا العام لاحقا علي اتفاق جنيف بين دول1+5 وإيران, وسابقا بأيام معدودة لانعقاد القمة الخليجية34 في الكويت, ويبدو أن المشاركين في المنتدي الذي يحمل عنوان قمة الأمن الاقليمي وينظمه سنويا المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن, قد توافقوا دون ترتيب علي أن يشكل هذان الحدثان مسار مناقشات المنتدي, وأن تركز أحاديث المسئولين السياسيين والخبراء العسكريين والأمنيين علي قضيتي الاتفاق الغربي الايراني والاتحاد الخليجي. وعندما اعتلي وزير الدفاع الأمريكي تشيك هاجل المنصة لإلقاء كلمته في اولي الجلسات الرسمية للمنتدي, أنصت الجميع انتظارا لرسالة التطمينات التي يحملها لدول الخليج, علها تهدئ المخاوف من السلوك الأمريكي الذي بات متذبذبا تجاه العديد من القضايا حتي بات لا يؤمن جانبه وتشكك الكثيرون في أن واشنطن تظهر غير ما تبطن. وجاء حديث هاجل كما كان متوقعا, فقد حرص علي تأكيدأن واشنطن ملتزمة بحماية أمن الخليج وأنها ستبقي علي علاقات الدفاع الرئيسة مع حلفائها في المنطقة ضد أي اعتداء خارجي وضمان حرية الملاحة عبر مضيق هرمز, وأنها لن تقوم بأي تعديل لحجم قواتها في المنطقة. وعندما اتهمه حسين موسويان ممثل ايران في حوار المنامة بأنه لم يتحدث عن اسرائيل التي تمتلك نحو400 قنبلة نووية, ويركز فقط علي ايران التي لم يثبت قيامها بأي تحويل لبرنامجها النووي, تجاهل وزير الدفاع الأمريكي في رده مجددا الاشارة إلي اسرائيل, واكتفي بالقول إن ايران قامت بانتهاك العديد من قرارات الأممالمتحدة وأنها كانت تمثل تهديدات أخري وليس فقط البرنامج النووي. في المقابل أثار المتحدثون الخليجيون قضية إبعاد دول المنطقة عن المفاوضات مع ايران رغم أن البرنامج النووي الايراني قضية اقليمية وتهدد دول الخليج في المقام الأول, وطالبوا بمشاركة مجلس التعاون في تلك المفاوضات, ولم يكتف نبيل فهمي وزير الخارجية المصري بتأييد الطلب الخليجي بل دعا أيضا إليمشاركة جامعة الدول العربية في تلك المفاوضات, وقال إنه ليس مهما أن تشارك فيها كشريك مفاوض ولكن أن تكون متواجدة فيها علي الأقل. وأيا يكن الأمر.. فقد كشفت مناقشات حوار المنامة هذا العام أن قضية أمن الخليج مرشحة لمزيد من التفاعل وأكدت أن تجاذباتها ستستمر, وربما تزداد حدة, وأن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت عديدة في أكثر من اتجاه, وربما يؤدي ذلك إلي ظهور تحالفات جديدة, واستبدال مواقع, وتغيير رؤي.. ولم لا.. فما نشهده حاليا في المنطقة لم يستطع أكثر المحللين براعة أو خبرة ودراية التنبؤ به!