في محاولة لتجفيف منابع الفكر المتشدد ونشر الوسطية والاعتدال ووضع ضوابط لمن يعتلي المنابر, وقعت وزارة الأوقاف بروتوكول تعاون مع عدد من الجمعيات الدعوية لتدريس مناهج وكتب الأوقاف بمعاهد إعداد الدعاة التابعة لتلك الجمعيات والاستعانة بأساتذة جامعة الأزهر للتدريس بها. وعلي الرغم من تأييد علماء الأزهر لتلك المبادرة, فان بعض العلماء يؤكدون عدم جدوي هذا القرار ويطالبون بإلغاء تبعية تلك المعاهد إلي أية جهة أخري دعوية كانت أو أهلية, ورد الأمر إلي الأزهر الشريف وجامعته كما ورد بمشروع الدستور الجديد. العمل تحت لواء الأزهر في البداية أكد الشيخ محمد عز الدين, وكيل وزارة الأوقاف لشئون الدعوة, استعداد الوزارة للتعاون مع كل الجمعيات التي تلتزم بتعليماتها فيما يخص الخطباء والمساجد ومعاهد الدعاة, وأن يكون عمداء المعاهد التابعة لهذه الجمعيات وأعضاء هيئة التدريس أزهريين ويتمتعون بالوسطية والاعتدال وليس لهم أي انتماءات سياسية, وأن يتم تدريس مناهج الأوقاف التي تدرس في المعاهد التابعة للوزارة في هذه المعاهد أيضا, وفي حال التزام هذه الجمعيات بالبنود التي حددتها الأوقاف في هذا البروتوكول يتم اعتماد شهادات الخريجين ممن درسوا مناهج الأوقاف من السنة الأولي والتحقوا بمعاهد الجمعيات بعد توقيع البروتوكول, وفي هذه الحالة ينطبق علي خريج هذه المعاهد ما ينطبق علي خريجي معاهد الأوقاف للثقافة الإسلامية من استخراج تراخيص للعمل بنظام المكافأة. من جانبه قال الدكتور محمد أبو هاشم, عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالزقازيق, إن توقيع البروتوكول تأخر كثيرا وكان يجب أن يحدث منذ فترة طويلة جدا, كي تتسم المنظومة الدينية في مصر بالوسطية والاعتدال بعيدا عن التطرف والغلو والتشدد, ولابد أن تلتزم جميع الجمعيات الدعوية بهذا المنهج وأن توقع هذا البروتوكول مع وزارة الأوقاف, وذلك لنشر المنهج الأزهري الوسطي الذي يجمع ولا يفرق, لأننا في الفترة الحالية نحتاج الداعية الوسطي المعتدل الذي لا ينتمي إلي تيارات سياسية, كما أن مشروع الدستور الجديد نص علي أن الأزهر الشريف وحده يتحمل مسئولية الدعوة الإسلامية. التنسيق الدعوي ضرورة وفي سياق متصل أوضح الدكتور حامد أبو طالب, عضو مجمع البحوث الإسلامية, أن استجابة بعض الجمعيات والهيئات الدعوية لتعليمات وزارة الأوقاف فيما يتعلق بالدعاة والمبادئ التي تقوم عليها الدعوة وأسسها ونحو ذلك, يعد أمرا جيدا, لأنه من مصلحة هذه الهيئات الدعوية أن تستجيب لوزارة الأوقاف, وأن تسير علي هديها في الدعوة إلي الله عز وجل, وليس من المصلحة أبدا أن تشذ هذه الهيئات عن مسار الوزارة. وطالما أن كل هذه الجمعيات تهدف للدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة بالوسطية والاعتدال, فلابد أن يلتزم الجميع بالضوابط التي حددتها وزارة الأوقاف, حتي لا يشعر الناس أن هناك أمورا أخري تجعل البعض لا يلتزم بهذه الضوابط التي لا يختلف عليها أحد, لأنها في النهاية تصب في صالح الدعوة والدعاة والجمعيات الدعوية. ومن جانبه أكد الدكتور زكي عثمان, أستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن التعاون الدعوي بين وزارة الأوقاف والجمعيات الدعوية التي لديها معاهد إعداد دعاة يعد خطوة جيدة للغاية لتخريج دعاة جدد قادرين علي القيام بمسئولية الدعوة بالشكل الأمثل, لأن هذا البروتوكول يمنع غير المتخصصين من العمل بهذه المعاهد, ويعطي الفرصة للأزهريين والكفاءات للقيام بمسئولية إعداد أجيال جديدة من الدعاة, ويجب ان يسبق تلك الخطوة وضع ضوابط وشروط واضحة لمن يحصل علي تصريح بصعود المنابر. الإلغاء هو الحل علي الجانب الآخر يري عدد من علماء الأزهر أن هذا القرار لن يحقق نتائجه المرجوة, ويعبر عن هذا الرأي الدكتور عبد الفتاح إدريس, أستاذ الفقه بجامعة الأزهر, قائلا: إن إشراف الأوقاف علي هذه المعاهد هو من قبيل إشراف من لا يملك علي ما لا يستحق, لأن هذه المعاهد لا يصدق عليها مسمي معاهد إعداد دعاة, ولا تخرج دعاة مهما اختلفت مواضعها, وإنما هي بالدرجة الأولي وفق الواقع الذي لمسته بالتدريس فيها, هي مجرد دورات لمنح فئة من الناس جرعة من الثقافة الشرعية, وإذا كانت وزارة الأوقاف ليست جهة تعليمية, بل دعوية, وكان الملتحقون بهذه المعاهد لا يصدق عليهم مسمي دعاة قبل وبعد التحاقهم بها, ولأن المؤسسة المعنية بالإشراف علي أمور الشريعة الإسلامية, هي الأزهر من خلال جامعته العتيدة, التي علمت العالم علوم الشريعة, فإن جهة الاختصاص الأصيل والوحيد في الإشراف علي هذه المعاهد, هو جامعة الأزهر في كل إقليم يوجد به فرع من فروع هذه الجامعة, بحيث تخصص كل كلية ما يدرس من علوم الشريعة, ومن يقوم بتدريسها للملتحقين بهذه المعاهد, خاصة أن ما يدرس بهذه المعاهد الآن غثاء, ومن يقوم بتدريسها تم اختيارهم من أهل الثقة الذين عرف وزنهم العلمي, فإذا أريد تصحيح مسار هذه المعاهد, فالأولي أن يعهد بها إلي كليات جامعة الأزهر في التخصصات المختلفة, لتتولي الإشراف العلمي عليها, وإلا فإن المتوقع أن تفرخ هذه المعاهد الفكر المتطرف, والإرهاب الفكري في أجلي صوره, ليصطلي بهذا الفكر جميع قطاعات المجتمع, كما هو حادث الآن.