المصريون بالخارج يواصلون التصويت في جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب| فيديو    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    لأول مرة في تاريخ طب الأزهر.. حفل تخرج للطلاب الوافدين    وزير الكهرباء يبحث في بكين شراكات مصرية - صينية لاستخراج العناصر النادرة    ماذا قال البنك المركزي عن معدلات التضخم المتوقعة خلال عام 2026؟    سوريا: خيارات ضيقة أمام «قسد»| اعتقال «والى دمشق» فى داعش وتوغل إسرائيلى بالقنيطرة    محمد صلاح يحتفل بالكريسماس مع مكة وكيان رغم تواجده مع منتخب الفراعنة بالمغرب    منتخب مصر يختتم تدريباته استعدادًا لمواجهة جنوب أفريقيا غدًا    أجواء شديدة البرودة والصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تحذر من طقس الغد    رضوى الشربيني ساخرة: معقولة كل الرجالة دول طلقوا علشان ستات تانية    تكدس مروري في الرياض بسبب حفل تامر عاشور    اخر تطورات سعر الدولار اليوم الخميس 25 ديسمبر 2025 في البنوك    دميتروك: زيلينسكي أهان المؤمنين بتصريحاته حول الموت في عيد الميلاد    محافظ الدقهلية يتفقد سوق الخواجات في المنصورة ويقرر غلق جميع المحال المخالفة لاشتراطات السلامة المهنية    اصابة 6 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ميكروباص على طريق المنصورة - دمياط    لأول مرة... مجموعة مسلحة موالية لإسرائيل تجبر سكاناً على النزوح في غزة    سيناريوهات التعامل الفلسطيني مع خطة ترامب وقرار مجلس الأمن بشأن مستقبل غزة    تراجع معظم أسواق الخليج وسط ‍تداولات محدودة بسبب العُطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    محافظة قنا تواصل تطوير طريق قنا–الأقصر الزراعي بإنارة حديثة وتهذيب الأشجار    عاجل- المركز الإعلامي لمجلس الوزراء ينفي بيع مصانع الغزل والنسيج ويؤكد استمرار المشروع القومي للتطوير دون المساس بالملكية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    الجيش السوداني يصدّ محاولة اختراق للدعم السريع قرب الحدود مع مصر وقصف جوي يحسم المعركة    معهد «الصناعات الكيماوية» ينظم مؤتمرًا بالقومي للبحوث عن دعم المنتجات الوطنية    كوروكوتشو: مصر واليابان تبنيان جسرًا علميًا لإحياء مركب خوفو| حوار    بعد 25 سنة زواج.. حقيقة طلاق لميس الحديدي وعمرو أديب رسمياً    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    محافظ الدقهلية: تقديم أكثر من 13 مليون خدمة صحية خلال 4 أشهر    ما هو ارتجاع المريء عند الأطفال، وطرق التعامل معه؟    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    ضبط 19 شركة سياحية بدون ترخيص بتهمة النصب على المواطنين    تأجيل محاكمة رئيس اتحاد السباحة وآخرين بتهمة الإهمال والتسبب في وفاة السباح الطفل يوسف    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    البابا تواضروس يهنئ الكاثوليك بعيد الميلاد    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    أشرف زكي يفجر مفاجأة عن أزمة ريهام عبد الغفور الأخيرة    محافظ الوادى الجديد يلتقى المستشار الثقافى للسفارة الهندية بالقاهرة    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    إيبوه نوح.. شاب غانى يدعى النبوة ويبنى سفنا لإنقاذ البشر من نهاية العالم    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 25ديسمبر 2025 فى المنيا    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    حكم تعويض مريض بعد خطأ طبيب الأسنان في خلع ضرسين.. أمين الفتوى يجيب    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    ما حكم حشو الأسنان بالذهب؟.. الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باربي في البرلمان
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 01 - 2012

صدفة التقينا أنا والزميل الغالي عماد أديب في سكرتارية الكاتب الكبير مصطفي أمين بأخبار اليوم عام‏1990,‏ ووقتها كان كل منا علي شفا إصدار مجلته الوليدة‏..‏ هو مجلة كل الناس‏,‏ وأنا مجلة نصف الدنيا‏.. وكان مقصدنا واحدا في تلك الأيام وهو القيام بجولات ولقاءات استرشادية مع أصحاب الخبرة والأستذة لإثراء مشروعنا القادم في الرحلة الصحفية.. وأذكر يومها إصرارنا علي الدخول معا إلي مصطفي بك من منطلق ومنطق شرحه عماد بأن مشروعينا معا بمثابة دكانين للمجوهرات في شارع الصاغة الحافل بعشرات الجواهرجية الآخرين, وللمتردد علي سوق المشغولات الذهبية والفصوص والأحجار الحرة والمقلدة حرية الاختيار, ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع في الأسواق.. وأتي رأيي مكملا لرأي الزميل بأن ألفة الجوار لابد وأن تنسج وشائج القرابة مما يجعلني أرشد لدكان الآخر إذا ما وجد لديه ما ينقص بضاعتي, وبالمثل تجعل الآخر يزكي بضاعتي إذا ما كنت الوحيد المتخصص فيها.. و..أليست الكتابة نسب؟!.. وأليس العلم بين أهل الفضل والعقل رحما متصلا؟! و..أليست الكتابة نفسا واحدة تجزأت في أبدان متفرقة؟ وبئس بالمنطق الذي يقول إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا... ودعاني أديب للكتابة عنده فاكتفيت بالرد علي بريد القراء, ودعوته بدوري وأنا الواثقة من عذوبة سطوره التي أتابعها الآن بشغف في دكانه اليومي الجديد علي الضفة اليسري من الصفحة الأخيرة في جريدة الشرق الأوسط حيث يحتل الضفة اليمني مايسترو الشمول الثقافي والصحفي سمير عطاالله فكان عماد أديب أفضل خلف لأقدر سلف من بعد رحيل قلم كاتبنا الكبير أنيس منصور عن ذلك العمود الاستراتيجي..
تذكرت ذلك اللقاء البعيد وأنا أستمع إلي الكاتب الأمريكي توماس فريدمان الذي درس العربية في الجامعة الأمريكية قبل خمس وثلاثين عاما وعاد هذا الأسبوع لإلقاء محاضرته عن مستقبل السياسة في مصر والتيارات الدينية المتصاعدة مقارنا بكم أحداث العنف في اليمن وسوريا مع مثيلتها الضئيلة في مصر في فترتها الانتقالية والتي اعتبرها مثار فخر للمصريين.. وحول الإنجازات المتوقعة في مصرنا قال: إنها لن تأتي بالسهل نظرا إلي التركة الثقيلة للغاية التي لن يتمكن تيار بعينه من حملها منفردا, ومن هنا طالب فريدمان بالاسترشاد بقواعد المنافسة في الولايات المتحدة بين محلات برجركنج وماكدونالدز إذ لم يحدث في مرة أن ذم أحدهما الآخر, أو ادعي تسيده أو أفضليته عليه.. وأتت نصيحته: لا تقتلوا التعدد فإن ذلك قتل للديمقراطية.. ويعود للقول بأن الخيار الأذكي أمام أي معلق من بعيد علي للثورة المصرية المساوية في نظره لطيران الفيلة, والتي لم يكن أحد يتوقع مثيلا لها من قبل, ولا أحد يعتقد أنه يعرف إلي أين هي ذاهبة؟.. الخيار هو أن يخرس الآن ويقوم فقط بتدوين الملاحظات حتي قيام زعيم حيث لايزال هناك فراغ كبير في قمة الدولة يستطيع الأخذ بجميع الآمال وأصوات الناخبين وصهرها معا في استراتيجية تعمل علي خلق فرص العمل والتعليم والعدل والأمن التي يتوق لها كل المصريين بشكل واضح, وإذا ما حدث ذلك فإن صناديق الاقتراع التي فازت فيها الأحزاب الإسلامية التي نجحت في سحق الليبراليين والعلمانيين, وذلك في الانتخابات البرلمانية الحرة, حيث فازوا بنحو56% من المقاعد.. إذا ما حدث ذلك فإن صناديق الاقتراع هذه تكون قد نجحت حقا في تقديم مستقبل مختلف لمصر, وحتي ذلك الحين سيظل فريدمان يدون ملاحظاته!!
وعلي ذكر الليبرالية والليبراليين فإن مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة قد أكد هذا الأسبوع أن مصر دولة ليبرالية يحكمها نظام ديمقراطي بموافقة علماء مسلمين, وأن تعبير الدولة المدنية لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية, بل إنه يتفق معها تماما علي الرغم من عدم وجوده في أدبيات الفلسفة الغربية في علوم السياسة, فالدولة المدنية عندما تأتي في السياق المصري فإنه يقصد بها الدولة الوطنية الحديثة التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية, وهذا الأمر موجود منذ عهد الخديو إسماعيل ولم يكن أمرا جديدا علينا, ولم نستورده من الغرب, وفي هذا النموذج المصري تكون الدولة دولة دستور ودولة مؤسسات, وبها مجلس شعب وقوانين وتحتوي علي هيكل قضائي وإداري.. أي نموذجا للدولة المدنية التي تتوافق مع مبادئ الشريعة الإسلامية, ولا تتعارض مع الحكم الإسلامي بمنظوره المبني علي التسامح واحترام التعددية الدينية, والنص علي إسلامية الدولة هو قضية هوية, ولا يقلل أبدا من طبيعة الدولة المدنية التي تكفل حقوق مواطنيها أمام القانون بغض النظر عن دينهم أو عقيدتهم.
ويعلن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في وثيقة الحريات العامة للأزهر بالتعاون مع عدد من المثقفين هذا الأسبوع: التأكيد علي ضرورة احترام حرية العقيدة واعتبار المساواة التامة في الحقوق والواجبات حجر الأساس للبناء المجتمعي الحديث, ولكل فرد في المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء, دون أن يمس حق المجتمع في الحفاظ علي العقائد السماوية.. وللأديان الإلهية الثلاثة قداستها, وللأفراد حرية إقامة شعائرهم دون عدوان علي مشاعر بعضهم أو مساس بحرمة هذه الأديان قولا أو فعلا, ودون إخلال بالنظام العام, مع أهمية حرية الرأي والتعبير والبحث العلمي والإبداع الأدبي والفني.
ولقد بدأ الإسلام بوضع دعائم الإنسانية بتأكيده علي أن الله سبحانه وتعالي هو رب العالمين الحمد لله رب العالمين وليس رب شعب دون شعب, ولا أمة دون غيرها من الأمم, ثم أكد أن الإنسان الذي كرمه الله بأن نفخ فيه من روحه هو آدم أبو البشر أجمعين, ومن هنا فوحدة الدين عبر التاريخ الإنساني تجعل جميع الأنبياء أبناء أب واحد, وتجعل شرائعهم المتعددة تنوعا في إطار الدين الواحد, وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم عندما أكد هذه الحقيقة في قوله: الأنبياء إخوة من علات, وأمهاتهم شتي ودينهم واحد وجاء في سورة البقرة قوله تعالي لا نفرق بين أحد من رسله, وبهذا الأفق الإسلامي في السماحة احتضن الإسلام الكل, وجعل الإيمان فيه شاملا لكل ما أوحت به السماء علي مر تاريخ الوحي إلي كل الرسل والأنبياء, وبذلك ولأول مرة في التاريخ جعل الإسلام الآخر جزءا من الذات فتجاوز بهذا المستوي غير المسبوق في السماحة مجرد الاعتراف بالآخر, والقبول بالآخر.. ورغم اعتراف علماء الآخرين بوضع كتبهم وتحريفها لم يعمم القرآن عليها هذا التحريف وإنما تحدث عن هذه الكتب بقوله في سورة آل عمران: نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدي للناس وأنزل الفرقان ولم ينه الإسلام الذين آثروا الشرائع الأخري عن الاحتكام إلي ما بأيديهم من الكتب بل أمرهم بتحكيمها كما جاء في سورة المائدة وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله.. ولا يسوي القرآن ولا يعمم الأحكام والأوصاف علي فصائل أهل الكتاب وتياراتهم بل يضع قاعدة عدم التعميم هذه بقوله ليسوا سواء..
ولم يقف الإسلام بذلك الأفق السامي, عند الآخر المتدين بديانات سماوية فقط أهل الكتاب من اليهود والنصاري وإنما امتد كما أورد الدكتور محمد عمارة في مؤلفه الغرب والإسلام ليشمل المتدينين بالديانات الوضعية.. فتركهم, هم أيضا, وما يدينون, وعاملهم في الدولة الإسلامية معاملة أهل الكتاب.. فعندما فتح المسلمون فارس وأهلها مجوس يعبدون النار ويقولون بإلهين, أحدهما للخير والنور, والثاني للشر والظلمة, عرض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمرهم علي مجلس الشوري مجلس السبعين الذي كان يجتمع بالمسجد النبوي بالمدينة, في مكان محدد وأوقات محددة.. وكان عمر يجلس معهم فيه ويحدثهم عما ينتهي إليه من أمر الولايات والأقاليم, فقال لأعضاء مجلس الشوري:
- كيف أصنع بالمجوس؟
فوثب عبدالرحمن بن عوف قائلا: أشهد علي رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: سنوا فيهم سنة أهل الكتاب.. فعوملت الديانات الوضعية معاملة الكتابية.. وجاء الفقهاء فقعدوا هذه السنة النبوية, وهذا التطبيق الراشدي لها, فقالوا: لقد كانت لهذه الديانات كتب ثم ضاعت..
ألف مليون مسلم ويزيد علي مستوي العالم تحت راية واحدة هي راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.. في الولايات المتحدة وحدها غربا أكثر من6 ملايين بين سود وبيض ومهاجرين.. إلي الجاليات العربية في كندا شمالا إلي انجلترا وفرنسا وألمانيا في قلب أوروبا بما فيها من ملايين الجزائريين والمغاربة والعرب والهنود إلي الشرق.. تركيا وألبانيا.. إلي القارة الآسيوية الشاسعة حيث نجد دولا بأكملها إسلامية مثل أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان وتتارستان وكازاخستان وباكستان وبنجلاديش وكشمير وأندونيسيا وجزر القمر, إلي افريقيا جنوبا حيث الدول العربية من مصر والسودان واريتريا إلي لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والخليج والمملكة العربية السعودية واليمن.. إلي تونس وليبيا والجزائر والمغرب والسنغال وموريتانيا علي المتوسط والأطلسي, إلي الصومال في الحزام الاستوائي, إلي تشاد والنيجر في عمق الصحراء.. ألف مليون مسلم.. كل مسلم منهم إذا ما وقف ضد الديمقراطية سوف يخسر دينه, وسوف يخسر نفسه, والحقيقة أن الديمقراطية ديانتنا, وقد سبقنا نحن العالم إليها منذ أيام نوح عليه السلام الذي ظل يدعو قومه بالحسني أكثر من تسعمائة سنة من عمره المديد, لا قوة له ولا سلاح إلا الرأي والحجة.. يدعوهم بالكلمة في برلمان مفتوح يقول فيه وهم يسخرون منه ويهددونه بالرجم.. وحينما خرج النبي محمد عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء للدعوة كان الله يقول له:
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر
إن أنت إلا نذير
إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر
وما أنت عليهم بجبار
إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء
وتلك هي الأصول الحقيقية للديمقراطية في التراث الإسلامي.. وقد جاء القرآن بإطار عام وتوصيات عامة ومبادئ عامة للحكم الأمثل وترك بقية التفاصيل لاجتهاد الناس عبر العصور, ليأتي كل زمان بالشكل السياسي الذي يلائمه.. وإذا ما قالوا إن الكلمة الديمقراطية دخيلة علي لغتنا العربية فلدينا كما يقول عاشق الديمقراطية الكاتب الإسلامي الراحل خالد محمد خالد الذي دافع عنها علي مدي أيام في اجتماعات اللجنة التحضيرية عام1962 أمام جمال عبدالناصر الذي كان قد قال له في لقاء منزلي عام1956( احنا مستعجلين علي إيه؟ احنا قاعدين في الحكم عشرين سنة! ولما الثورة تثبت أقدامها وتنتهي من خصومها, نبقي نعمل الديمقراطية اللي انت عاوزها) كلمات كثيرة مستوردة دون أن تصرفنا عن معايشة مسمياتها من أجهزة ومخترعات, ثم إن القرآن العظيم نفسه قد انتظم بين آياته بعض الكلمات التي ليست عربية علي الإطلاق!! مثل كلمة المشكاة فهي هندية.. وكلمتي استبرق وسجيل وهما فارسيتان.. ومثل كلمة قسطاس وهي رومية.. ومثل كلمة طه وهي من اللغة النبطية.. ومثل كلمة الأب بتشديد الباء في قوله تعالي: وفاكهة وأبا وهي كلمة لا تعرفها العربية, مما جعل سيدنا عمر رضي الله عنه يقول عندما تلا هذه الآية: هذه الفاكهة, فما الأب..؟ وكما يقول الآمدي رضي الله عنه في كتابه الإحكام في أصول الأحكام.. ليس بدعا أن يكون في القرآن كلمات من لغات مختلفة, أو كلمات ليست مفهومة للعرب.. بدليل تضمنه الحروف المعجمة في أوائل السور مثل: الم المر حم عسق المص الخ.
وشهوة الحكم إذا ما أصبحت حلم المسلم فإنه قد حاد عن إسلامه, فالإسلام حياة ومعاملة وعلم وعمل ومكارم أخلاق ورحمة وعدالة ورفق بالضعفاء ومعونة للفقراء, وديمقراطية ومشاركة, وقد انتشر الإسلام في الهند ودخل الصين واليابان والقارة الآسيوية بدون سيف, وبدون جيوش, وبدون حكام تربعوا علي العروش وقهروا الناس, وإنما دخل من خلال تجار مسلمين لا سلطة لهم ولا جاه ولا صولجان, وكل ما فعلوه أنهم كانوا قدوة طيبة أحبها الناس فسألوهم ما دينكم, قالوا: مسلمون. قالوا: علمونا دينكم.. فعلموهم.. والقراءة للنتائج الانتخابية تقول إن اكتساح القوي الإسلامية لمقاعد البرلمان لا يعود لتلك القوي وحدها بقدر شعبية الدين الإسلامي في مصر المتدينة بطبعها, والنصيحة المهداة الآن إلي حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الذي لم يكمل عامه الأول وحصل علي أكثرية المقاعد أن عليه تغيير علاقته بالجماعة لأنه لم يعد ممثلا لها فقط وإنما لشرائح واسعة من المواطنين في الريف والحضر غير المنتمين للجماعة والذين صوتوا لمرشحيه بأعداد غفيرة في مراحل الانتخابات الثلاث, ومكنوهم من حصد الأكثرية, وهو ما يعطي الحزب فرصته التاريخية للتخفف من علاقته بالجماعة رغم احتضانها وتمويلها له وبما يمنحه قدرا أكبر من حرية الحركة والمرونة والاستقلالية بعيدا عن المواقف السياسية للجماعة, وليكن شعاره بعد التخفف لسنا في عداء مع أحد, ولسنا تابعين لأحد, ومصر أولا وأخيرا وبذلك يصبح حزب الأغلبية والدولة وليس حزب فئة معينة عليه إرضاء شيوخها ورموزها علي حساب مصلحته ومصالح الأمة المصرية, ومن هنا يجب عليه الخروج من جلباب أبيه بعدما انتقلت شرعيته منه إلي الشارع, ومن الممكن أن تسير العلاقة بين الطرفين بالتوازي لفترة لكنه من المحتمل بل المؤكد أن تشابكا وتعارضا في المصالح سوف تحمله الأمواج مادامت قد اختلفت أولويات كل طرف تحت القبة وعلي أرض الشارع! وإن كان ذلك التعارض لم يبدأ بعد, بل إن هناك مؤشرات قد بددت سحابات كانت قد انعقدت ومنها إعلان الجماعة عن تأسيس جمعية مدنية لرجال الأعمال باسم الجمعية المصرية للأعمال والاستثمار بهدف جذب الاستثمارات الخارجية, والتي تم بالفعل تخصيص100 مليون جنيه قادمة من هيئة الإغاثة الإسلامية لتطوير العشوائيات في مصر, بالاستعانة بجهود الفنانين محمد صبحي وحنان ترك.
ورغم دموع رئيس الوزراء علي ما جري من تجريف وتهريب الاحتياطي النقدي, ورغم السحابة السوداء البريئة من حرائق قش الأرز وحقيقتها حرقة قلوبنا علي اقتصادنا, ورغم تربسة الأشقاء بحجة مصير المستلقي علي السرير فلم تزل مصر أغني بلد في العالم, فقد سرقها التتار والهكسوس والفرس والرومان والإنجليز والفرنسيس والأتراك ومبارك وسكرتيره وزبانيته.. رغم كل هذا السلب والنهب والتسليك والتوليع مازالت مصر بخيرها وشمسها ونيلها, ومازالت كنوزها تحت الأرض وتحت البحر وتحت المرتبة, ومازالت سيناء الفيروز والمنجنيز والحديد والقصدير والألومنيوم والسيليكون والكوارتز والنفط ورمال بللور الكريستال, وسيوة صحارات المياه العذبة, وشباب وبشر وأيد عاملة عاطلة تسد عين الشمس في انتظار خطة مدروسة وتأهيل مناسب يجعلها تفوت علي الصحراء تخضر, وعلي الجبال تفجر جواهرها.. وفي هضبة الأهرام لا تنبش بيدك في الرمل إلا وتقودك يدك إلي مقبرة أو سرداب أو معبد جنائزي أو تابوت من ذهب أو هرم ربما تجد بداخله الدبان والزئبق الأزرق.. وعلي بعد70 كيلو مترا من بني سويف وفي قلب محاجر الألاباستر وتحت قرية سنور بمائة متر كهوف للستلاكتيت والستلاجميت مغلقة ومفتاحها مع غفير راح يشرب شاي ويشد له نفسين في البر التاني.. وأرض مصر سبعة عصور وسبعة حضارات طبقات طبقات.. وكنوز تحتها كنوز.. وتحت اسكندرية مدينة وتحت المدينة مدينة وتحت المترو مقبرة ابن مقدونيا الاسكندر الأكبر.. وعمار يا مصر.. وامسح دموعك يا رئيس الوزراء!
وإذا ما كان هناك مخرج من كل تيه فالباب الوحيد لخروجنا من عنق الزجاجة هو لب الدين وقلبه.. ديمقراطية حقيقية وحاكم منتخب لوطن تزدهر فيه حقوق الإنسان وهي أول شروط الحكم الصحيح.. ودعكم من حكاية قطع يد السارق التي جاءت في موضع واحد معلق علي شروط المجتمع العادل والعدالة في توزيع الثروة, وهي شروط غير متوافرة في مجتمعات تسف التراب وتعيش حياة يستحيل ولا يجوز فيها تطبيق الشريعة والحد, فما قطع النبي يدا في حرب, ولا عمر بن الخطاب يدا في مجاعة, وهنا اجتهد النبي صلي الله عليه وسلم في فهم النص فلم يطبقه في الحروب, واجتهد عمر فلم يطبقه عام المجاعة, وهي استثناءات لم ترد في القرآن, فضربا بذلك المثل علي جواز الاجتهاد, وجواز عمل العقل حتي في نص من نصوص الشريعة, فما بال النصوص الأخري التي لا تمس حكما أو عبادة ومازالت في حاجة إلي كتيبة تجدد الدين وتقاتل خصومه بأسلحة العصر لا بفتاوي ألف سنة مضت.. ثم بالله عليكم من يقطع يد من؟!! والكل متهم وأكبر اللصوص الآن في القفص وفي برامج التوك شو, وفي احتفالات السفارات, وكل واحد يضع يده الآن في جيب الآخر, ولماذا لا تلتقط العيون من القرآن إلا آية قطع الأيدي مع استحالة تطبيقها؟ وكيف تتخطي تلك العيون ألوف الأوامر في ألوف المواضع في القرآن تأمر بالمحبة والتقوي والرحمة والبر والعدل والرأفة والتسامح والعفو والإحسان والتآخي والموعظة الحسنة الخ... كيف مرت العيون علي كل هذا ولم تلتقط إلا قطع الأيدي في عصر أصبح فيه من أبسط الأمور جمع أربعة شهود زور من علي باب أي محكمة في مقابل رغيف حواوشي وبرشامتين مزاج لقطع يد هذا وذاك.. و..دعكم من الجلباب القصير والدخول بالرجل اليمين وستر التماثيل وفرد الملاية علي أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع ونسف شواهد القبور وحرمانية المعايدة علي جارك القبطي, حيث نتساءل في هذا الموضع بالذات عما كان يقوله صلي الله عليه وسلم لزوجه ماريا القبطية في يوم عيدها؟!.. دعكم.. من عدم جواز صلاتك إذا لم تضم ذراعيك إلي صدرك.. دعكم.. من المطاردة بالتقريع والمقارع لمصر الوسطية من هيئة يتم تحجيمها في منبتها بالسعودية, لتترعرع بمنكرها ومعروفها علي أرض المحروسة.. دعكم.. من خطاب عنف دخيل, يتهم البعض بالخوارج ويهدد البعض باستخدام شرطة إسلامية شديدة البأس والسحق.. دعكم.. من حرمانية العروسة باربي المتأرجحة بالمايوه علي زجاج الباربريز الأمامي التي تثير غرائز السائقين وتلهيهم عن الطريق القويم.. دعكم.. من شكليات تفرغ الدين من مضمونه العميق فلا تبقي منه إلا مظاهر, وتأخذ المسلم من الجوهر لتلقي به في فروع تخرج به إلي الخواء, فما كانت اللحية كمثال في أيام الجاهلية الأولي تدل علي شيء, ولقد كان أبوجهل بلحية, وأبولهب بلحية, فقد كانت اللحي عرفا, وقد اختارها الرسول صلي الله عليه وسلم لأن اليهود كانوا يحلقون لحاهم فقال نربي لحانا لنخالف اليهود.
دعكم.. بعد أن سألت الزميلة رضوي قطري علي صفحات المصور القيادي نادي بكار الفائز في حزب النور السلفي عما إذا كانت نسبة تمثيل المرأة في البرلمان تتناسب مع مكانتها ودورها في المجتمع فأتت إجابة سي السيد بالنيابة عن الست أمينة بمنطق كل من تخرج من دارها يقل مقدارها: لا يشترط أن تكون المرأة ممثلة بنفسها في البرلمان حتي يسمع صوتها, بل يكفي أن تشارك من بعيد في صنع القرار.. وحقها مكفول بوجود من ينوب عنها من الأعضاء الرجال!
دعكم.. والله معنا ومعكم فمازال عمر بن الخطاب يصيح بكم منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام: متي استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!!!
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.