حنان الشبيني تقدم بحثًا متميزًا عن فاعلية التدريب في تطوير التعامل مع المحتوى الرقمي    البابا تواضروس: نحن مواطنون مصريون نعيش مع إخوتنا المسلمين فى وطن واحد    الصحة: برنامج متكامل لخفض معدل التقزم بنسبة 24% خلال ثلاث سنوات    محمد شردى يجرى جولة بكاميرا "الحياة اليوم" مع عمال النظافة بالقاهرة    رئيس وزراء اليونان: سعيد باستقبال الرئيس المصري بقصر ماكسيموس    هزيمة النازية ... وجريمة إسرائيل!!    الدوري المصري، محمد هلال رجل مباراة مودرن سبورت والجونة    حيثيات إعدام المتهم بقتل قهوجي في الكوربة بمصر الجديدة    لماذا يكرهوننا ؟!    طريقة عمل الثومية السورية الأصلية بمكونات بسيطة    إزالة 8 تعديات على أملاك الدولة في حملات بالأقصر    تكريم مجلس اتحاد طلاب جامعة المنيا الأهلية    بسبب السحر.. شاب يحاول قتل شقيقته بالقليوبية    تشييع جثمان الطفل ضحية الطلق النارى من زملائه بكفر الشيخ.. صور    الإسماعيلية تتابع الموقف التنفيذي لمنظومة تقنين واسترداد أراضي الدولة    ختام فاعليات مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة في دورته التاسعة - صور    أوس أوس يطلب الدعاء لوالدته بعد دخولها رعاية القلب    «منهم الحمل والأسد».. 4 أبراج تتحدث قبل أن تفكر وتندم    آخرهم رنا رئيس.. 6 زيجات في الوسط الفني خلال 4 أشهر من 2025    قصر ثقافة العريش يشهد انطلاق أولى فعاليات الملتقى الثقافي "الثقافة والهوية الوطنية"    خالد الجندى: الاحتمال وعدم الجزم من أداب القرآن ونحتاجه فى زمننا    لماذا فرض الله الحجاب على المرأة دون الرجل؟ أمين الفتوى يجيب    ميرتس يبدي تحفظا حيال إسهام بلاده في تأمين هدنة محتملة في أوكرانيا    «الإعلام في تعزيز جهود الرعاية الصحية للمواطنين» في جلسة بحثية بإعلام القاهرة    عضو ب"القومى للمرأة": حظر تشغيل كل من كان عمره أقل من 15 سنة فى المنازل    بيدري مهدد بالعقوبة من يويفا بسبب تصريحاته ضد حكم قمة الإنتر وبرشلونة    مبيعات أجنبية تهبط بمؤشرات البورصة بختام جلسة اليوم.. فما الأسباب؟    تحت تأثير المخدر.. المشدد 5 سنوات لمتهم قتل وأصاب 3 أشخاص في القليوبية    عمر طلعت مصطفى: ننسق مع وزارة الشباب والرياضة للاستفادة من الفعاليات الكبيرة للترويج لسياحة الجولف    ما حكم طهارة وصلاة العامل في محطات البنزين؟.. دار الإفتاء تجيب    جوندوجان يأمل في بداية مسيرته التدريبية كمساعد لجوارديولا    التايكوندو يتوجه للإمارات للمشاركة في بطولة العالم تحت 14 عام    جامعة كفر الشيخ تشارك في منتدى «اسمع واتكلم» بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف    محافظ المنيا يوافق على تحسين خدمات النقل وفتح التقديم لترخيص 50 تاكسي    محافظ قنا يشارك في احتفالية مستقبل وطن بعيد العمال ويشيد بدورهم في مسيرة التنمية    عدوان الاحتلال الإسرائيلي على طولكرم ومخيميها يدخل يومه 101    رئيس جامعة القاهرة: هناك ضرورة لصياغة رؤية جديدة لمستقبل مهنة الصيدلي    رئيس "أزهرية الإسماعيلية" يشهد امتحانات النقل الإعدادى والابتدائى    تعرف على وضع صلاح بين منافسيه في الدوري الإنجليزي بعد 35 جولة    وزير البترول: التوسع الخارجي لشركة "صان مصر"على رأس الأولويات خلال الفترة المقبلة    ب12 هاتفًا.. عصابة تخترق حساب سيدة من ذوي الاحتياجات وتنهب أموالها    كندة علوش: دوري في «إخواتي» مغامرة من المخرج    قطاع الفنون التشكيلية يعلن أسماء المشاركين في المعرض العام في دورته 45    إطلاق صندوق لتحسين الخدمة في الصحة النفسية وعلاج الإدمان    بدء التشغيل الفعلي لمنظومة التأمين الصحي الشامل في أسوان أول يوليو المقبل    آخر تطورات مفاوضات الأهلي مع ربيعة حول التجديد    وائل غنيم في رسالة مطولة على فيسبوك: دخلت في عزلة لإصلاح نفسي وتوقفت عن تعاطي المخدرات    وزارة الأوقاف تعلن أسماء المقبولين لدخول التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    السنغال بالزي الأبيض والكونغو بالأزرق في كأس إفريقيا للشباب    وظيفة قيادية شاغرة في مصلحة الجمارك المصرية.. تعرف على شروط التقديم    سحب 49 عينة سولار وبنزين من محطات الوقود بالإسكندرية لتحليلها    المراجعات النهائية للشهادة الإعدادية بشمال سيناء    الداخلية: ضبط 507 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة    مصر ترحب باتفاق وقف إطلاق النار في اليمن مع الولايات المتحدة    بتكلفه 85 مليون جنيه.. افتتاح مبنى امتداد مركز الأورام الجديد للعلاج الإشعاعي بقنا    عضو مجلس الزمالك: كل الاحتمالات واردة في ملف زيزو    اليوم.. الرئيس السيسي يتوجه إلى اليونان في زيارة رسمية    عاجل- مصر وقطر تؤكدان استمرار جهود الوساطة في غزة لوقف المأساة الإنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أم الدنيا‏2011‏ والافاقة من الغفلة
زلزال الثورة العاصف‏..‏ وتجفيف منابع الطغيان
نشر في الأهرام اليومي يوم 14 - 01 - 2012

مع ثورة‏25‏ يناير أفاقت مصر من الغفلة وتكسرت القيود التي قزمتها وهمشت قدرتها ومكانتها ودفعت بها لعقود ثلاثة مظلمة لمذلة التبعية والخضوع للمخطط الصهيوني الأمريكي الغربي ومع الثورة تحقق ما لابد أن يرصده التاريخ والعالم. حيث فرضت الإرادة الشعبية الثورية انتخابات للسلطة التشريعية متمثلة في مجلس الشعب بالدرجة العالية من النزاهة والمصداقية أفرزت من خلال صناديق الانتخابات ما تريده القاعدة العريضة من المواطنين واسقطت الفلول كما منعت بإرادتها الحرة المنفردة بغير حاجة لقوانين العزل السياسي رموز التشكيل العصابي الاجرامي للعهد البائد أن تتجرأ علي النزول لحلبة المعركة الانتخابية ولا يقل أهمية في التأكيد علي نجاح الثورة الساحق ما حصلت عليه الأحزاب الكرتونية وكذلك الأحزاب اللقيطة القائمة علي نفوذ وسطوة رأس المال والطائفية المقيتة والاستقواء بالخارج من النصيب الضئيل في البرلمان بالرغم من سيرك فزاعات التخويف من الدولة الدينية والأحزاب الدينية وغول كرابيج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقييد الحريات العامة والخاصة وكل ذلك يؤكد أن شعب أم الدنيا يملك قدرة هائلة علي الفرز لكل الأحاديث المصطنعة ولكل الادعاءات المختلقة ويعني ذلك أمرا شديد الأهمية يؤكد أن الفزاعات الوهمية خرجت من حسابات شعب مصر المحروسة وأن القبول بالديكتاتورية والاستبداد والفساد ثمنا للاستقرار المزعوم والأمن والأمان الشكلي قد اصبح جزءا من تاريخ بغيض تجاوزته أم الدنيا بغير رجعة وكل ذلك مؤشرات يقينية علي نجاح الثورة بقدرتها علي بلوره ثوابت راسخة لا يمكن أن تتزعزع مهما كانت قسوة وعنف ودموية مخططات الترويع الداخلية الاقليمية والدولية.
وماحدث مع ثورة25 يناير يثبت ويؤكد أن أم الدنيا عندما تصحو وتفيق من غفوتها الطويلة تستعيد قدرتها اللامحدودة علي تكسير جميع الاغلال والقيود وتغرس نصل سيفها المقدس في أحشاء المخططات الشيطانية العاتية وهو ما لا يستطيع الكثيرون فهمه واستيعابه تحت سياط المصالح ضيقة النظر والنظرة ومقاصل المخططات الشريرة المعادية ولا يعكس ذلك قول شعراء حالمين ولكنه يعكس واقعا انسانيا وحضاريا وتاريخيا لام الدنيا, وتشكل الأحداث الكبري علي أرض أم الدنيا منذ الزمن السحيق وحتي الزمن الحاضر احدي المعضلات الانسانية المستعصية التي تجبر الاعداء قبل الاصدقاء علي التعامل معها من مدخل الحيطة والتحفظ بحاكم ان يقظتها تعلن دوما عن ميلاد مارد عملاق يقلب الموازين ويغير الحسابات وكان آخرها ثورة25 يناير, التي احتار القاصي والداني في فهمها فهما صحيحا يستجلي جميع معانيها وابعادها بالقصد او بالحق وهو ما يتبدي في الدرجة العالمية من الالتباس حولها والتناقض الصارخ بين قوة الدفع المصرة علي ايصالها لبر الأمان في أسرع وقت وأقصر مدة وبين قوة الفساد الشيطاني التي تتوهم قدرتها بالترويع الأمني والاقتصادي والتخويف من المخاطر المحدقة بسلامة الوطن وأمنه وبالتهديد بخرافات التجزئة والتقسيم الطائفية علي أن تجفف منابع الثورة وتعزلها عن القاعدة العريضة من المواطنين ومشروعيتها في التعبير عن إرادة الأمة وعقدة العقد بعد عام من الثورة وعلي امتداد العام الأول منها ترتبط باليقين المجنون للقوي المحلية والاقليمية والدولية بأن مواصلة العزف النشاز يمكن أن يصيب أم الدنيا برجفة خوف عاصفة تفقدها بوصلة الطريق الصحيح وتدفعها مرة أخري للخلف والوراء حتي تقع في مستنقع الطاغوت الأكبر وتخضع لحكم الأزلام والخصيان والصبية.
الكاتب الامريكي الصهيوني والتحريض الملتوي للانقضاض
وتتبدي بوضوح شديد حالة القلق والاضطراب في معسكر المخطط الصهيوني الأمريكي الغربي من الثورة المصرية من المقال الأخير الذي كتبه ميلتون فريدمان أحد الرموز الصارخة للمخطط الصهيوني الاستعماري في صحيفة النيويورك تايمز الأمريكية الشهيرة تحت عنوان يحمل الكثير من المعاني والايحاءات والدلالات تفرض ان يخضع المقال لتحليل مضمون عميق لفهمه علي الوجه الصحيح, حيث كان العنوان مشاهدة الفيلة تطير وهو عنوان يجب أن يقرأه بعمق وغاية كل من يتخوف علي مصير الثورة المصرية أو يرتجف للحظة واحدة من فظاظة المخططات المناهضة لها واتساع نطاقها لأنه يعترف بما لا يمكن نكرانه المرتبط بان مصر دولة من الوزن الثقيل كما الفيل ولكنه حاول ان يلصق بها نقطة ضعفه المؤكدة المرتبطة بان الفيلة دائما ثقيلة وبطيئة الحركة بمعني أنها بطيئة الفعل ورد الفعل في مواجهة الأحداث والأخطار الحقيقية بما يؤدي لوقوعها دائما ضحية للاعداء والمتربصين الأكثر قدرة علي الحركة والسرعة في المناورة ولكنه رصد ما يدخل في قلب الحدث المصري الكبير القائم وقدرته الهائلة علي تغيير قواعد اللعبة لأن روح الثورة اعطت الفيل المصري القدرة علي تجاوز عنصر ضعفه بمنحه القدرة علي الطيران وهي رسالة تحذير ورسالة توجيه حتي تتم متابعة هذا الفيل الاسطوري الذي استعاد القدرة الفجائية علي الطيران والتحليق في السماء بعد أن ظل لزمن طويل مرتبطا بقيود الواقع وهو بذلك يريد أن يؤكد أن هناك تغييرا استراتيجيا مهما علي أرض الواقع في العالم العربي والشرق الأوسط يرتبط بتحليق الفيل المصري في السماء وكل ما يعنيه ذلك من هواجس ومخاوف في العقل الغربي الذي تكسر الكثير من نصاله وسقط الكثير من أوهامه وخيالاته الاستعمارية علي الأرض المصرية.
ولا يقتصر حديث ميلتون فريدمان الذي هو في البداية والنهاية بلاغ لمن يهمه الأمر علي الرصد الاجمالي لواقعة مشاهدة كل الدنيا لأم الدنيا وهي فيل يطير بكل ما تعنيه ضخامة الفيل من قوة وخطر وبكل ما تعنيه من قدرة علي التدمير والعنف المفرط ساعة الشعور بالخطر والتوتر وهي معاني لا يمكن اهمالها في سلوك دولة ومن ردود أفعال قوي سياسية تتولي الحكم خاصة أنها احزاب تنتمي لتيارات اسلامية ولكنه يؤكد ما لا يقل أهمية عن ذلك بتأكيده علي أن الثورة المصرية تستعصي علي الفهم وأن المراقبين وفي مقدمتهم الصحفيون يجب أن يلتزموا الحذر ويمتنعوا عن التحليل والتوقع ويكتفوا برصد ما يتم من احداثها فقط لاغير وهو أمر شاذ وغريب من كاتب مهنته التحليل والغوص في اعماق الأحداث وهو يرتكز في ذلك إلي أن احدا لم يتوقع حدوثها وكأنها اعجوبة من اعاجيب العصر والزمن والأكثر خطورة أنه يؤكد أن أحدا لم ير مثيلا لها من قبل وهو بذلك يستدرج القارئ لأن يضع الثورة المصرية في كفة ويضع جميع ثورات العالم القديمة والحديثة في كفة أخري تأكيدا لخروجها عن المألوف والشائع وكأنه يريد أن يتهم الثورة بمخالفة قاعدة الخضوع الشعب المصري للحاكم مهما كان جبروته وظلمه وفساده ومهما كانت المعاناة والآلام التي يفرضها علي هذا الشعب وهي الصورة النمطية التي يقدمها الفكر الصهيوني الغربي الأمريكي عن مصر والمصريين.
ولا يقل عن ذلك أهمية فيما كتبه الكاتب الأمريكي بعد زيارة أخيرة للقاهرة القي خلالها محاضرة بالجامعة الأمريكية ورفع الطلاب خلالها لافتات ترفض حديثه وتتهمه بتأييد قتل وتصفية العرب والفلسطينيين بمساندته لوحشية الكيان الصهيوني والدفاع الدائم عن الاحتلال الأمريكي للعراق, وعدم استنكار فظائعه وما يقترفه من جرائم حرب واحتلال والمرتبط بقوله أن أحدا لا يعرف إلي أين الثورة ذاهبة, للايحاء بان كافة الاحتمالات مطروحة وهو ما لا يرتبط في السياق العام للمقال بأمور الداخل فقط, ولكنه يرتبط أساسا بحكم أن الكاتب ينظر بعقلية الاجنبي بتوجهات الثورة الخارجية, فيما يخص السياسة الخارجية الذي يأتي في مقدمة أولوياته الأمريكية والغربية أمن الكيان الصهيوني وتفوقه والابقاء علي قدرته القادرة علي ضبط الاحداث والسيطرة علي توجهاتها, وهو بذلك يدعو لتبني منطق الشك والريبة ومنطق عدم التسامح, وعدم الاطمئنان في التعامل مع الثورة المصرية, ويشكل ذلك التحليل الملتوي في النهاية دعوة صريحة لعدم دعم الثورة علي كل المستويات, ويشكل ذلك رد فعل طبيعي من كاتب يحرص علي الكيان الصهيوني أكثر من حرصه علي الأمن الأمريكي, ولكنه يكشف في الوقت نفسه عن إدراكه للمغزي الحقيقي المخيف لامثاله المرتبط بالثورة المصرية الكامن في الحرص علي استعادة مكانتها ونفوذها وقوتها والرفض الصارم لسياسات التبعية المهينة التي فرضها الطاغوت المستبد, وهي بذلك دعوة لمساندة الفلول والتشكيل العصابي الإجرامي, ومافيا الجريمة المنظمة للعهد البائد الفاسد بحكم الاطمئنان والثقة في سلوكياتهم وتصرفاتهم في مواجهة الغموض والالتباس في سلوكيات الثورة والثوار, وقد رصدت المقالة قدرة الشباب علي التعبئة والحشد كلما رأوا أن الأمور تسير بشكل منحرف, كما رصد أيضا ما وصفه أيضا بنجاح الأحزاب الإسلامية في اقصاء الليبراليين والعلمانيين الذين يزعم انهم قاموا باشعال شرارة الثورة, وهي القوي التي تعتبر أكثر قربا من الفكر الغربي, وأكثر تفهما وتعاونا بكل الحسابات والمقاييس, وها افصح عن نياته الدفينة بالقول أنه من السذاجة البالغة ألا نخشي من الاتجاهات الثيوقراطية( الدينية) المناهضة للتعددية وحقوق المرأة ثم وصل إلي المهم بقوله( وكراهية الاجانب) ليوضح حقيقة رأيه في القوي الاسلامية التي حصلت علي الأغلبية عن طريق الديمقراطية.
وحتي يدرك المصريون الفوارق الكبيرة في فهم مصر والغوص في اعماقها والتعامل معها من مدخل المحبة والصدق أو من مدخل الخوف المتعصب والانحياز الأعمي الغاضب, كما فعل ميلتون فريدمان, وكما يفعل قادة أمريكا والغرب, ومن يسير في ركبهم ويسمون زورا بالاشقاء حتي يمكن ذلك لابد من استدعاء ما كتبه سمير عطا الله الكاتب اللبناني المرموق في زاويته علي الصفحة الأخيرة بجريدة الشرق الأوسط اللندنية عن الروائي المصري الكبير إبراهيم أصلان الذي رحل عن عالمنا الأسبوع الماضي, حيث لم يجد سبيلا لايضاح مكانه وقيمة وقامة أصلان إلا من خلال استعادة قيمة وقامة ومكانة مصر وقال:( تعطي مصر كتابها ويعطونها علي نحو فريد ومغاير لسائر العالم العربي خصوصا في عالم الرواية, فمصر الياذة حياتيه ينتقي منها الروائيون ما يشاءون, وهي بحر إذا اختاروا الدراما وبحر إذا اختاروا التفكه, وفي ضوء هذا الاحساس العميق المرهف بالحالة المصرية التي ميزها ووضعها في خانة لوحدها بخلاف كل العالم العربي بما فيه وطنه لبنان جاء وصفه لأصلان كتجسيد للإنسان المصري الحقيقي في أعماقه التي تخفي للأسف الكثير من الغالبية العظمي من المصريين بأنه( النص المطابق للرجل بكل أمانه والسيرة المطابقة للرواية والصدق المطابق للذات وهي أمور يستحيل أن يفهمها ميلتون فريدمان أو يدركها بحكم أنه يري مصر بعين التوجس والخوف والتربص.
عندما يعشق الكاتب مصر ويتجاهل الساسه الحقيقة
وقد تحدث سمير عطا الله بالعشق عن مصر ففتحت له الكثير من كنوزها واسرارها عندما تحدث عنها باعتبارها كائنا حيا يجسد صفات المخلوق السماوي الفريد غير القابل للتكرار بعظمته وقدرته وتاريخه وحضارته في حين تحدث عنها ميلتون فريدمان باعتبارها الكيان الغامض الذي يدفع للرهبة والتوجس, كما تحدث عنها سمير عطا الله بالحب, فأجاد الغوص في بحارها الدافئة الحنون, وأكتشف لآلائها النفيسة التي تكشف عن حكمة الخلق والخالق في الدراما الإنسانية, وفي التفكه والنوادر, وهو بذلك قد اقترب منها من مدخل حضارتها الانسانية الاخاذة بعمقها وببساطتها وارتبط معها من مدخل تعبيرها الاصيل عن الإنسان وقيمة النبيلة المتحضرة بموازينها الدقيقة الكاملة للتفرقة بين الخير والشر بثقة واقتدار في حين أن ميلتون فريدمان اقترب منها اقتراب الخائف المتوجس الذي يدخل أرض الأعداء ويشق طريقه فوق الاشواك وأفلت منه كما يفلت ممن هم علي شاكلته بساطه مصر وسماحتها وقدرتها علي صهر البشر علي اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم وعقائدهم في نسيج واحد متحد لا يعرف إلا الانتماء لأم الدنيا والاعتزاز بمصريته.
وفي سياق الاصرار علي عدم إدراك معني أم الدنيا ومغزي ثورتها العظيمة تأتي تصريحات الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري المنشورة بجريدة الأهرام, حيث أعلن بكل الثقة والارتياح أن المساعدات لمصر سيتم تقديمها بعد انتخاب رئيس الجمهورية, وكأن مصر الكيان السابق واللاحق علي الانتخابات لا ترتب اعباء ومسئوليات علي أحد, وكأن مصر ستقبل وترضي الوقوف في طابور المساعدة متمثلة في شخص رئيس جمهوريتها القادم, وهي تصريحات ترفض أن تتفهم أن ثورة52 يناير كانت نقطة تاريخية فاصلة لن تقف مصر بعدها في الطابور, ولن تطرق الأبواب, ولن تتسول الهدايا والهبات للرئيس, كما كان يفعل الطاغوت الأكبر الراحل النائم فوق سرير المذلة والامتهان أمام محكمة التاريخ, وهو ما يحتم أن نشرح لعظمته الغارقة في خيالات إمبراطورية قطر العظمي بأن رسالته ضلت العنوان الصحيح بعد ثورة52 يناير التي أعادت مصر لوضعها الطبيعي والصحيح باعتبارها رمانة ميزان العالم العربي وواسطة العقد لعالمها الإسلامي وبوابة العالم النامي علي إمتداد قاراته, وهي بذلك تطرق أبوابها وتدق حتي تفتح طوعا واختيارا للراغبين في الحج والعمرة وللراغبين الصادقين في التوبة والمغفرة عن خطاياهم المرة الغليظة في حق العروبة والإسلام وهي رسالة فارقة متعددة العناوين تؤكد أن اختلال الموازين الذي صنعه العميل الخائن المخلوع قد تعدل وتبدل, وأن مركز القوة والنفوذ قد عاد لوضعه الصحيح والسليم, وندعو الكل والجميع لمشاهدة فيلم الفيلة تطير تأليف ميلتون فريدمان والنيويورك تايمز وسيناريو وحوار الموساد والمخابرات المركزية الأمريكية باعتباره إعلانا عن النهاية القطعية لعصر وزمن فقدت فيه الفيله قدرتها علي الحركة والتنفس حيث كانت الخنافس والعناكب فيه تطير إلي تل أبيب في مهمة مشبوهة يتصارع الكثيرون لنيل بركتها والتمرغ في احضانها.
تؤكد حكمة التاريخ ان الثورة حتي تنجح لابد أن يدرك الثوار حقيقة مصر باعتبارها الديناصور الذي لا ينقرض قد يغيب لبعض الوقت حتي يظن أنه انقرض وتلاشي وأصبح جزءا من تاريخ العالم يوجد في المتاحف والحفريات الأثرية فقط لا غير, ولكن الوقائع الثبوتية تؤكد أنه يغفو فقط وعندما يصحو تسمع كل الدنيا دبيب حركته ويقظته ويفاجيء كل العالم بقدرته علي تغيير مجري الأحداث بشكل جذري وحاسم وعلي هؤلاء الذين لا يفهمون الحدث الجلل المرتبط بافاقة الديناصور الكاملة والشاملة في52 يناير أن يدركوا ان عودة المارد المصري العملاق للقمقم يتطلب تحالفا عسكريا مباشرا لكل القوي الاستعمارية العالية وهو غير ممكن وغير متاح لظروف العالم الصعبة والمتقلبة في القوت الراهن بحكم الفوضي والارتباك التي تعيشها امريكا والغرب من صدمة مستنقع العراق وافغانستان.
يعكس كل ما يتم علي الأرض المصرية منذ ثورة52 يناير انتفاضة أم الدنيا من غفوتها الطويلة الأليمة والاعلان عن عودتها إلي مسرح الأحداث الاقليمية والعالمية وهو ما يعني في الحقيقة عودة الروح للشعب المصري القادر علي استعادة المكانة والقدرة والريادة وصناعة القوة الاقليمية العظمي القادرة علي ضبط موازنة واعادة جدولة حساباته وفقا للقيم الإنسانية والوطنية والقومية تحت مظلة من القيم الدينية الراسخة والعميقة المتأصلة في وجدان البشر وعقولهم وهي ثورة تملك ميزة كبري للبقاء والاستمرار في ظل قيامها لحظة يقين القوة الاستعمارية العالمية الأعظم حامية المخطط المعادي الصهيوني الأوروبي الغربي بعدم قدرتها علي البقاء علي الأرض في وضع احتلال مباشر للدول بحكم ضخامة ما تكبدته من خسائر ونفقات وويلات تفوق قدرتها وامكانياتها حتي كقوة عالمية عظمي وقد انتهي العام الأول للثورة المصرية بانسحاب آخر جندي أمريكي من أرض العراق الحبيب وبذلك فإن الثورة المصرية لابد أن تحصد جائزة خروج القواعد الأمريكية والأوروبية من دول الخليج العربي ليتم تحرير البحرين وقطر والكويت والسعودية بشكل كامل لإعلان التحرير الثاني للعالم العربي من الوجود الأجنبي الخارجي الاستعماري.
ويبقي أولا وأخيرا الخطر الأكبر والسلاح الفتاك الذي يستخدمه المخطط الاجرامي المعادي دائما للانقضاض علي مصر وتفريغ عناصر قوتها الذي يرتبط دائما باستخدام الطابور الخامس لهدم الدولة من الداخل وتقويض دعائم المجتمع بتنفيذ مخططات اجرامية للترويع الأمني والاقتصادي وهو مخطط عميق الجذور متشابك الحلقات منذ القرن التاسع عشر يرتبط مباشرة بمراكز صنع القرار العالمية المباشرة والظاهرة وغير المباشرة والخفية ويتركز علي اصطناع الفتنة الطائفية بالأساس كما يرتكز علي اختلاف حساسيات عنصرية وعرقية لتهيئة المناخ الملائم لسطوة العملاء الأقزام علي مقاليد الأمور والحكم حتي تسقط مصر من الداخل تحت معاول توليه المسئولية للأسوأ والأفسد من منعدمي الكفاءة والضمير الجاهزين دائما في سوق النخاسة برسم البيع مع شركائهم هؤلاء الذين تمت تربيتهم في مدرسة الشيطان والدعارة منذ الصغر لتولي مسئولية نفوذ المال وسطوته ويحتم ذلك أن تسارع الثورة بتوجيه بوصلتها العاجلة للاصرار علي التطهير الجذري لكل رموز الطابور الخامس السياسي والمالي لتقويض أركان الميراث الثقيل للحمل السفاح نتاج الارتباط المحرم بين السلطة والمال والعمالة المؤثمة للمخططات الشيطانية الخارجية؟!
المزيد من مقالات أسامة غيث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.